لم أستنكف قط عن جهود أجدادي المغاربة المجاهدين واقتفاء حسن بلائهم في المعارك الجهادية البطولية لمواجهة الداء الذي احتل بيت المقدس والأمة وهو الداء الصليبي ومن تكالب معه ضد المسلمين والبشرية، ولم تنقطع قط أبواب التحدي والمواجهة ضد الأعداء الجدد والأدواء الجديدة رغم تغير الظروف وسقوط الأمة وانحطاطها، و لازالت المواجهة قائمة ضد عدو وكيان سيطر روحا على كل الكتل الاستكبارية ونفخ فيها عجله السامري أسطورة وأكذوبة مزيفة. لكن مواجهتنا اليوم متعددة القوى والوسائل، ولازالت قوة أفواهنا و حناجرنا صداحة بالحق، و رباط أقلامنا فياضة سيالة لتعريف الأمة والمغاربة بمكائد الكيان الصهيوني وأدوائه وفتنه الكبرى وخططه لتمزيق المغرب وشمال إفريقيا والأمة. ومع انهزامات المشروع الصهيوني المتكررة بمعية الاستكبار العالمي أمام قوة الأمة رغم محاولات الإجهاز على قواعدها وبواعثها ومقدساتها خصوصا بوصلتها بيت المقدس، نوع الكيان الصهيوني من واجهاته الاحتلالية الاختراقية ضد الأمة وشعوبها بهدف إضعافها نسيجا ومجتمعا واختراقا خفيا ومنظما، فتصاعدت عمليات التطبيع مع الكيان في معظم الأنظمة العربية خصوصا الخليجية ودول شمال افريقيا، وتزامن التصعيد التطبيعي كاستراتيجية أخرى صهيونية تمددية عالمية مع انتصار الأمة وفلسطين في معركة أبواب الاقصى وتأجيل القمة الافريقية الإسرائيلية واستمرار حراكات الشعوب. وقد كان المغرب العربي والمغرب خصوصا محل أنظار ودراسات الجامعات الصهيونية ومراكزها البحثية لزيادة حجم الاختراق داخل مؤسساته وجمعياته و نخبه بشكل سريع وغير مسبوق، تطبيع واحتلال خفي تنبعث من باطنه رائحة نتنة لتمزيق الشعوب من الداخل بخلق كيانات عرقية وفكرية وثقافية قد تقدم مستقبلا خدمة جليلة للكيان بامتياز تنفيذا " لخطة برنار لويس". و من خلال هذا المقال نسلط الضوء على خلفية سرعة هذا الاختراق الصهيوني للمغرب من مختلف الأبواب دون وعي البواب بخطورة الدخلاء و نوعية الكيانات التي تصنع داخليا، دون أن نغفل بطبيعة الحال ظرفية تصاعد هذا التطبيع تزامنا مع التغيرات الإقليمية التي تشهد صمود حراكات الشعوب، و المحلية المتسمة بتأزم الوضع المغربي يوازيه ترقب غضب شعبي مغربي ضد سوء المشهد السياسي. وثيرة سريعة وحضور نوعي صهيوني كشفنا عبر الرصد وثيرة سريعة للتطبيع بين الكيان الصهيوني والمغرب كما وكيفا، فلم تعد التطبيعات مع الكيان سنوية أو موسمية بل تعددت مناسبتها وفرصها، و تنوعت أطرافها الغنائية، الرياضية، الفنية، الأكاديمية، الثقافية، السياحية، والحزبية البرلمانية، فضلا عن التطبيع الكلاسيكي وهو التطبيع الاقتصادي والتجاري التنموي الذي يعد فقط تطبيع مقدمة نحو التطبيع الحقيقي وهو النخبوي والفكري والعرقي. وبعد تطبيعات متتالية عرفها المغرب مع الكيان تحت الطاولة وخارجها، نشهد مؤخرا تطبيعا مكثفا ونوعيا أكاديميا وآخر ثقافيا فكريا بدعوة الصداقة والتعايش، ثم حضور الفريق الرياضي للتيكاوندو الإسرائيلي، واستضافة الجندية الصهيونية المغنية، فضلا عن الفضيحة والجريمة النكراء بعد استضافة المطبعين ومن قبة البرلمان جزار قانا الثانية ووزير الدفاع الصهيوني "عمير بيريتز" الذي يحسب عند القانونيين والنشطاء "مجرم حرب". جزار قانا، معنا، تحت قبتنا، يطرح أسئلة محيرة "عمير بيريتس" هو من مواليد مدينة “أبي الجعد”، في المغرب في العام 1952، وبرز كنقابي حيث ترأس اتحاد نقابات العمال في إسرائيل لعدة سنوات، قبل أن يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع في الفترة ما بين 2006-2007. ويتهم عدد من المناهضين للتطبيع “بيريتز” بالوقوف وراء “مجزرة قانا الثانية” حينما كان وزيراً للدفاع الإسرائيلي والتي وقعت في 30 يوليوز 2006 أثناء الغارة الإسرائيلية على لبنان. وقد سقط جراءها حوالي 55 شخصا، عدد كبير منهم من الأطفال الذين كانوا في مبنى مكون من ثلاث طبقات في بلدة قانا حيث انتشلت جثة 27 طفلا من بين الضحايا الذين لجؤوا إلى البلدة بعد أن نزحوا من قرى مجاورة تتعرض للقصف بالإضافة إلى سكان المبنى. إن السماح بحضور وفد صهيوني برفقة الوزير الدفاع الصهيوني السابق "عمير بيرتز" في بلد له هويته وحضارته المقدسية وبطولاته لتحرير بيت المقدس، وله شعب يطالب نشطاؤه ومناهضوه بمحاكمة كل مجرم حرب دخل إلى المغرب يضع عدة استفهامات ويطرح أسئلة عديدة، لكن هذه الضبابية الاستفهامية تنزاح مع معرفة غاية التطبيع، وأهداف التطبيع، واستراتيجية التطبيع، وخطة التطبيع، وتصاعد وثيرته مؤخرا في المغرب وباقي دول المنطقة والخليج.. فمن يرخص بدخول واستضافة هؤلاء، علما أن المغاربة يرفضون الصهاينة رفضا تاما كمجرمي حرب، ولهم تصور يتماشى مع عقيدتهم ومنطقهم الذي يقول: لا مرحبا بكيان صهيوني قاتل، ونظام أبرتايد عنصري مارس الحرب الإبادية على المغاربة والمقدسيين في حارة المغاربة وغيرها أثناء اجتياح ونكبة 1967 ؟ هل هناك بغية محلية داخلية تضطر اضطرارا إلى التنسيق مع هؤلاء الصهاينة مشورة وتعاونا؟ ألا يخاف المسؤولون من تبعية الاختراق والتطبيع الأخطر غير الاقتصادي والتجاري والتنموي، وهو الاختراق العرقي والفكري والنخبوي الذي يخطط لضرب الأمن القومي للبلاد و تمزيق النسيج المجتمعي إلى مزع؟ هذا يعني باختصار أن التطبيع أخطر من الاحتلال. فكيف ذلك؟ التطبيع أخطر من الاحتلال هنا أحدثكم عن شيء أخطر من الاحتلال، إنه التطبيع أو ما يسمى الاختراق البطيء، وبلغة الخبراء الاستراتيجيين الصهاينة "عقيدة تمدد الأطراف". فإذا كان الاحتلال هو كيان داخلي ظاهر شخصه وعنصره، يعلمه الشعب فيواجهه ويتعرف على جرمه العالمين، فإن التطبيع احتلال خفي يتحرك ذبيبا من الداخل ليصنع كيانات صغرى وسط شعبنا وأعراقنا، و يؤسس لجمعيات ثم حركات يوظفها عبر التطبيع والتواصل الفكري والسياسي والثقافي والأكاديمي لتكون مستقبلا قنبلة للانفصال أو لحرب أهلية تطبيقا لخطة "برنار لويس "، ولنا في العراق و إقليم كردستان مثالا واضحا بل وفي المنطقة جميعا. وفي المغرب خصوصا ودول شمال إفريقيا عموما، زادت وثيرة التطبيع بشكل سريع وبتحرك متسلسل ومنظم عبر استراتيجية جديدة في التطبيع تشكل اختراقا صهيونيا نوعيا بالمغرب. فرأينا بشكل علني تغلغلا صهيونيا للمغرب غير مسبوق وبنوعية اختراقية حزبية وثقافية وسياحية وفنية وجمعوية وأكاديمية مختلفة عن سابقتها من التطبيع الاقتصادي والتجاري والتنموي. وفي غضون هذا الاختراق السريع وفي هذه المدة الوجيزة، و مع الظرفية التي يعيشها المغرب تحسبا لغضب شعبي مرتقب، و تزامنا مع مستوى الأحداث الإقليمية تطرح مجموعة من الأسئلة وهي كالتالي: لماذا هذا التصاعد المغربي في وثيرة التطبيع مع الكيان الإسرائيلي؟ لماذا هذا الحضور النوعي من الوجوه الصهيونية التي تعمل في الجيش أو المؤسسة العسكرية بل ومن أسمى المراتب الوزارية (حضور وزير الدفاع والجندية الصهيونية) بدل الوجوه الاقتصادية والتجارية المطبعة سابقا ؟ لماذا يستهدف هذا التواصل التطبيعي الإسرائيلي الجديد النخبة الحزبية والأكاديمية والفكرية والعرقية المغربية خصوصا الأمازيغية، بعدما كان التطبيع سابقا تطبيعا تجاريا أو تنمويا أو مناخيا أو اقتصاديا..؟ هذا ما سوف نحاول الإجابة عنه موضحين أهداف التطبيع واستراتيجيته في المغرب وأهدافه الاختراقية النوعية لأرباب الفكر والثقافة والسياسة والإثنيات.