أقدمت الأجهزة الأمنية المغربية، بداية الأسبوع المنصرم، على حجز كمية غير مسبوقة من مخدر الكوكايين الخام بلغت 2,5 طن من أصل 5,5 أطنان تم إدخالها إلى المغرب سنة 2013، إلى جانب اعتقال مجموعة من المشتبه بانتمائهم لشبكة إجرامية منظمة تشتغل في مجال الاتجار غير المشروع بالمخدرات وتبييض الأموال على علاقة بالكمية المحجوزة. وللتذكير، فقد تم خلال السنة الماضية من طرف المكتب القضائي ذاته حجز ما قدره 1,2 طن من الكوكايين على ظهر سفينة صيد في مياه الداخلة، شكلت جزءا من الكمية الأصلية التي بلغت 2,75 طن. وعلى إثر عملية الأسبوع الماضي، عقد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية ندوة صحافية لإخبار الرأي العام بالوقائع الأولية، عرض خلالها تقديرا للقيمة المالية لهذه الكمية حددها في 2,5 مليار دولار. هذا التصريح لم يكن ليمر مرور الكرام؛ إذ أصيب البعض بالذهول، كما وجه البعض سهام السخرية اللاذعة، حتى لا أقول سهام التشكيك أو الانتقاد، إلى ما يفترضونه من إعمال للتفكير بدل الردود العاطفية؛ فكما تقول القاعدة "الحكم على الشيء فرع عن تصوره"، ولعل البعض من هؤلاء، وتحت تأثير الرغبة في "السخرية"، تجدهم لا يضعون أسئلة بغرض الحصول على أجوبة مقنعة، وفي حالتنا هذه حول الطريقة التي تم بها احتساب القيمة المالية للكوكايين المحجوز. من ضمن هذه الزمرة الساخرة نجد مسؤولين وإعلاميين من الجزائر، الذين ما فتئوا يروجون لمعلومات غير صحيحة وعن عمد، في الكثير من الأحيان، في سبيل المس بصورة المغرب بأي ثمن، ولو على حساب الحقيقة. ومناسبة التعريج على الجزائر تتعلق بقراءتي لمقالات "جزائرية" ترى أن القيمة المالية للكوكايين المحجوز مؤخرا ناتجة عن خطأ فادح في الحساب. وفي هذا المقام أحيل هؤلاء على المقال المنشور بجريدة هسبريس بتاريخ 5 أكتوبر الجاري تحت عنوان "خبير يغوص في قيمة أكبر محجوز للكوكايين في تاريخ المملكة"، حيث النقطة التي لم يتم أخذها من طرف الساخرين بعين الاعتبار هي ارتفاع كمية المحجوز الخام بعد معالجته إلى 10 أضعاف نظرا لقوة تركيزه التي تبلغ 93%. هذا الأمر ذكرني بالنقاش الذي جرى خلال شهر مارس من السنة الجارية بشأن تقرير المكتب الدولي للمخدرات وشؤون إنفاذ القانون الأمريكي، الذي أعلن أن المغرب يعد المنتج الأول والمصدر الأول للكيف في العالم، وأن مداخيله بالنسبة لسنة 2016 ناهزت 23% من الناتج الداخلي الخام الذي يساوي 100 مليار دولار أمريكي بعد تحويله إلى حشيش. وحينها قام رئيس جهة طنجةتطوانالحسيمة بالترويج لهذه المعلومة بالرغم من أنه معني بالتدقيق فيها باعتبار أن الجهة التي يترأسها تعتبر جغرافيا هي الحاضن الوحيد لزراعة الكيف وصناعة الحشيش، وهي المحتضن الأول لعلميات تبييض أموال المخدرات، وفق التقرير ذاته. وهو ما لم يختلف عند إخواننا الجزائريين المذكورين سلفا، الذين استغلوا التقرير في هجوم جديد. ولعلي قد شرحت بما فيه الكفاية وقوع الذين صاغوا التقرير الأمريكي في خطأ حسابي، وكذا عدم تأسيس التصنيف الأممي بدوره على أي اعتبار علمي، في مقال نشر بجريدة هسبريس تحت عنوان "الخياري يُسلط الضوء على حقيقة إنتاج ومداخيل الحشيش المغربي". حديث هؤلاء الجزائريين ذكرني كذلك بالهجوم الذي تلقاه المغرب بعد بروز النقاش حول تقنين زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وعلمية، الذي اقتحم قبة البرلمان بغرفتيه من خلال مقترحين قانونين حول الموضوع بعد الدينامية التي أسس لها الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف، الذي أتشرف بتنسيق أعماله. وتم ذلك الهجوم بعناوين إعلامية مثيرة من قبيل "المغرب يتجه نحو تقنين زراعة القنب الهندي.. وسيغرق الجزائر من هذه المادة المخدرة". وقد سبق للجزائر أن أصدرت قانونا يسمح بزراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وعلمية، وأكثر من ذلك فهذا القانون يشمل حتى نبتة الكوكا والأفيون، ويتعلق الأمر بالقانون رقم 18-04 المؤرخ في 13 ذي القعدة عام 1425 الموافق 25 ديسمبر سنة 2004 الذي صدر مرسومه التنفيذي رقم 228 -07 مؤرخ في 15 رجب عام 1428 الموافق 30 يوليوز سنة 2007 م، والذي يحدد كيفيات منح الترخيص باستعمال المخدرات والمؤثرات العقلية لأغراض طبية أو علمية. وتنص مادته الثانية على أنه "تخضع لترخيص الوزير المكلف بالصحة عمليات إنتاج أو صنع أو حيازة أو عرض أو بيع أو وضع للبيع أو حصول وشراء قصد البيع أو التخزين أو استخراج أو تحضير أو توزيع أو تسليم بأية صفة كانت أو سمسرة أو شحن أو نقل عن طريق العبور أو نقل أو تصدير أو استيراد المخدرات و/أو المؤثرات العقلية وسلائفها وكذا زرع خشخاش الأفيون أو شجيرة الكوكا أو نبات القنب". فبالرغم من أن الاتفاقية الأممية الوحيدة للمخدرات تسمح بتقنين زراعة واستعمال واستغلال المخدرات لأغراض طبية وعلمية، التي تفرض شروطا صارمة لا تتوفر في النص الجزائري، فإن ما يثير الاستغراب هو إقدام الجزائر على شرعنة زارعة واستغلال وتصدير النباتات الثلاث المنتجة للمخدرات في الوقت الذي لم يتم فيه فتح أي نقاش وطني بشأنه، بل وحتى أثناء مناقشة القانون في مجلس الشعب لم يتم التطرق بتاتا لموضوع شرعنة الزراعة ولا تضمنه التقرير التمهيدي للمشروع، ومن ثم فإن أسسه الواقعية غير معلومة إلا بالنسبة لواضعيه. إلى جانب ذلك، فإنه لا وجود أصلا لأي من تلك المزروعات فوق التراب الجزائري، وفق ما هو معلوم رسميا، على عكس الحالة في المغرب؛ حيث إن المطالبة بشرعنة زراعة واستغلال الكيف لأغراض طبية وصناعية جاء كجواب واقعي وقانوني لإشكالية تنمية مناطق زراعة الكيف المنتشرة منذ القرن 16 على أقل تقدير، والتي تسببت في تأزيم الوضع الاجتماعي والاقتصادي بمناطقها بسبب تجريم هذه الزراعة بعد أن كانت مشرعنة قانونيا في مراحل مختلفة من تاريخ المغرب، إلى أن تم تعميم منعها مؤخرا، خصوصا وأن سياسة الزراعات البديلة في المغرب الموجهة من لدن الأممالمتحدة والاتحاد الأوروبي فشلت في تحقيق مراميها في المناطق التاريخية للكيف وفق تقارير أممية. إن تعاطي الجزائر مع موضوع المخدرات في المغرب من منطلق تصفية حسابات سياسية، قد أسقطها في تبني مقاربة تشوبها العديد من التناقضات والأخطاء الفادحة، وأفقد خطابها المصداقية تماما، وقد أصبح لزاما عليها ألّا تتعاطى سلبيا مع مختلف المبادرات الجادة القادمة من المغرب، لأن الأمر سيكون له انعكاس على البلدين، خصوصا وأن مشكلة المخدرات تهدد العالم بأسره وليس البلدين الجارين فقط، خاصة مع ارتباطها الوثيق بصناعة الإرهاب. *منسق الائتلاف المغربي من أجل الاستعمال الطبي والصناعي للكيف