كزوبعة في فنجان، كانت زيارة وفد حكومة التوافق الفلسطينية لقطاع غزة؛ فخلال ثلاثة أيام - 2 إلى 5 سبتمبر، سمع الناس ضجيجا ولم يروا طحينا . صحيح أن حركة حماس تقول بأنها سلمت مقرات كل الوزارات والإدارات إلى الحكومة، ولم تعد تحكم قطاع غزة وعليه تطالب الحكومة أن تقوم بواجباتها تجاه القطاع، إلا أن الحقيقة بعيدة عن ذلك؛ فبعد عودة وفد الحكومة حتى دون أن يترك أي وزير شخصا واحدا ينوب عنه لتسيير أمور الوزارة، أيضا عودة الوفد المصري الذي يفترض أن يضمن عملية تسليم السلطة والإشراف على تطبيق بنود المصالحة، عادت الأمور في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل الزيارة، مع درجة أكبر من التفاؤل وتخفيف حدة الاحتقان. الشيء الذي تغير أن حماس حلت نظريا لجنة إدارة غزة وأعلنت عن نواياها بدعم الجهود المصرية، وحكومة التوافق الوطني التي عمليا وحتى الآن لا وجود لها في القطاع، باتت مسؤولة عن كل مشاكل قطاع غزة المتراكمة وعن كل ما سيحدث في القطاع حتى قبل اتضاح أمر ما سيجري في القاهرة في الاجتماعات المزمع أن تبدأ منتصف هذا الأسبوع دون سقف زمني لانتهائها. المقلق في الأمر هو أن ما جرى في القاهرة خلال شهر سبتمبر/ أيلول الماضي لم يكن تتويجا لحوارات فلسطينية فلسطينية أو لقاءات لتنفيذ اتفاق القاهرة لعام 2011، فقبل ثلاثة أشهر فقط كانت حوارات ما بين حماس ومحمد دحلان والمخابرات المصرية وغياب الرئاسة الفلسطينية، وفيها تم التوصل لتفاهمات حول إدارة قطاع غزة فقط ! فجأة توقفت التفاهمات (مؤقتا) بطلب أمريكي لأن واشنطن تريد تمرير (الصفقة الكبرى)، وهذه لا يمكن أن تتم بدون منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، لكن ليس كمكون رئيس بل كوجود شكلي أو مجرد شاهد زور على الصفقة، وفي حالة عدم تجاوبها سيتم تجاوزها بذريعة أنها ضد التسوية السياسية، وهناك أنظمة عربية مستعدة لتجاوز المنظمة وصناعة بديل لها، وربما تقتصر الصفقة الكبرى في هذه الحالة في شقها الفلسطيني على قطاع غزة، وتفاهمات حماس- دحلان- مصر جاهزة للتنفيذ. وهكذا تبدو (المصالحة الفلسطينية) التي يتم الحديث عنها اليوم وتجري تحت إشراف وضمانة مصرية كأنها خارج سياق منطق وأسس وأهداف حوارات المصالحة الوطنية التي بدأت عام 2009 وتوِجَت باتفاق مايو 2011، بل تبدو وكأنها تتم تحت الإكراه والضغط لتحقيق أهداف أخرى غير المصلحة والمصالحة الفلسطينية الحقيقية، حتى ما تسمى مبادرة الرئيس لم يُنفذ منها إلا إعلان حماس عن حل اللجنة الإدارية وتم ترحيل بقية بنودها لاجتماعات القاهرة التي ستختلط فيها مبادرة الرئيس مع اتفاق القاهرة للمصالحة مع استحقاقات (الصفقة الكبرى) كاختلاط الحابل بالنابل. إذا تجاوزنا تفاهمات – حماس –دحلان- مصر- وبرودة العلاقة الرسمية بين الرئيس أبو مازن والرئيس السياسي، فإن ما جرى خلال شهر سبتمبر أمر ملتبس، حيث بدأ الأمر بحوارات لعدة أيام بين المخابرات المصرية ووفد كبير لحركة حماس وصل للقاهرة يوم 9 سبتمبر ضم أهم القيادات السياسية في الداخل والخارج وبعد يومين أصدرت حركة حماس بيانا بحل اللجنة الإدارية والسماح للحكومة بالعمل في قطاع غزة مطالبة بتراجع الرئيس عن قراراته الأخيرة، وبعد أسبوع تقريبا من وصول وفد حماس للقاهرة تم استدعاء حركة فتح للقاهرة حيث وصل وفدها للقاهرة يوم 15 من الشهر نفسه. من المهم أن نلتفت إلى هذا التعاقب في اللقاءات، حيث كان يُفترض أن تسير الأمور بشكل معكوس بأن تبدأ الحوارات مع الرئاسة ومنظمة التحرير ثم حركة حماس وبقية الفصائل أو يكون لقاء يضم الجميع . وهذا الأمر ليس شكليا لأنه سيؤسَس عليه فهم وتفسير التصرفات اللاحقة، وخصوصا من لدن الرئاسة الفلسطينية، هذه الأخيرة التي ترى أنها وضِعت تحت الأمر الواقع وكأنه يُقال لها إما أن توافقي على ما تم من تفاهمات بين مصر وحركة حماس وبعض دول الإقليم وواشنطن أو سيتم تجاوزك. ما يزيد الالتباس فيما يجري هو الوهم الذي انتاب كثيرين بأن واشنطن والرباعية الأوروبية وإسرائيل رفعوا الفيتو عن المصالحة وأنهم فجأة أصبحوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم وحريصين على المصالحة !، فبعد يوم واحد من مجيء حكومة الوفاق أعلنت واشنطن أنها لن تسمح بمشاركة حركة حماس في أية حكومة فلسطينية ما لم تعترف بإسرائيل، وقبل يومين من لقاء القاهرة وجه ترامب تهديدا مبطنا إلى السلطة: إما أن تتجاوب سريعا مع التسوية السياسية القادمة وإلا سيتم نقل مقر السفارة الامريكية إلى القدس. أما بالنسبة لإسرائيل، وعلى لسان نتنياهو وبينيت وليبرمان، فقد شككت في نجاح المصالحة وهددت بإجراءات ضد السلطة حتى تٌعيق المصالحة، وقد أوضحنا في مقالنا السابق أهداف هذه الأطراف من تحريك ملف المصالحة. وفي هذا السياق، هناك مسألة إشكالية كبيرة تم تجاهلها في كل اتفاقات المصالحة، وهي الخلط بين المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام. الأولى شأن فلسطيني داخلي له علاقة بحل الخلافات السياسية والأيديولوجية حول الانتخابات والحكومة ومنظمة التحرير والدولة والمقاومة والاعتراف بإسرائيل أو بصيغة أخرى إنهاء الانقسام السياسي وخصوصا بين حركتي فتح وحماس، لكن الانقسام الذي أدى لفصل غزة عن الضفة جغرافيا ومؤسساتيا لم يكن بسبب خلافات فلسطينية داخلية بل كان مخططا إسرائيليا وظف هذه الخلافات وتم تنفيذه مع خطة شارون بالخروج من القطاع خريف 2005. وعليه، ليس مؤكدا أن تؤدي المصالحة الفلسطينية الداخلية في حالة إتمامها إلى إنهاء الانقسام بسهولة، فإسرائيل تملك أوراقا عديدة، الأمر الذي يتطلب ضغوطا دولية وعربية على إسرائيل. كلنا أمل أن تتصرف القوى السياسية الفلسطينية المجتمعة في القاهرة بوعي ومسؤولية وطنية ويدركوا أن العالم رمى الكرة في ملعبهم وبرأ إسرائيل ودول المنطقة من المسؤولية عن الانقسام وعن الحصار، وألقى على عاتقهم مسؤولية إنجاز المصالحة وإنهاء الانقسام، ويدركوا أن الصفقة الكبرى التي حركت ملف المصالحة أخيرا تستهدف الكل الفلسطيني، تستهدف منظمة التحرير والمشروع الوطني كما تستهدف حركة حماس وبقية فصائل المقاومة. [email protected]