المصالحة بين فتح وحماس وموازين القوى المتقلبة في الشرق الأوسط هل تنجح تل أبيب وواشنطن في إدارة التقارب لصالحهما؟ * بقلم// عمر نجيب تم الإعلان يوم الخميس 12 أكتوبر 2017 في بيان ل"هيئة الاستعلامات المصرية" أن حركتي فتح وحماس اتفقتا على "تمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة في إدارة شؤون قطاع غزة كما في الضفة الغربية، بحد أقصى في الاول من ديسمبر 2017″. ووقعت الحركتان الفلسطينيتان على اتفاق المصالحة في مقر المخابرات العامة المصرية حيث جرت مفاوضات المصالحة على مدار يومين. ووقع الاتفاقية ممثلا لحماس صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي للحركة، ووقعها ممثلا لفتح عزام الأحمد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح. وحسب البيان المصري وجهت الحكومة المصرية الدعوة "لعقد اجتماع بالقاهرة في 21 نوفمبر 2017 لكافة الفصائل الفلسطينية الموقعة على اتفاقية الوفاق الفلسطيني في الرابع من مايو 2011″ والذي تم توقيعه كذلك في القاهرة وتعثر تنفيذه. الرئيس الفلسطيني محمود عباس رحب بالاتفاق الذي اعتبره "نهائيا" على طريق تحقيق المصالحة. وقال عباس لوكالة فرانس برس عبر الهاتف يوم الخميس إن "ما تم إنجازه من اتفاق يعتبر اتفاقا نهائيا لإنهاء الانقسام" المستمر منذ عقد من الزمن. ويوم الأحد 15 أكتوبر صرح الرئيس الفلسطيني خلال اجتماع للجنة المركزية لحركة "فتح" بمقر الرئاسة في مدينة رام الله، إن المصالحة الفلسطينية الداخلية ضرورة وطنية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة. المعابر والأمن جولة المحادثات بين الطرفين بدأت يوم الثلاثاء 10 أكتوبر وأحيطت بسرية كبيرة وجرت في مقر المخابرات المصرية. وجاءت هذه الجولة بعد زيارة قامت بها الحكومة الفلسطينية برئاسة رامي الحمد الله يوم 3 أكتوبر 2017 الى قطاع غزة كانت الأولى منذ 2014، وهدفت الى التأكيد على جدية مساعي المصالحة، وقد أتت بعدما أعلنت حركة حماس في 17 سبتمبر حل "اللجنة الادارية" التي كانت تقوم مقام الحكومة في قطاع غزة. ومن جهته اعلن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية يوم الخميس في غزة ان وفدي حركتي حماس وفتح توصلا لاتفاق في الحوار الجاري برعاية السلطات المصرية في القاهرة في محاولة لإنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عقد من الزمن، بدون أن يورد المزيد من التفاصيل. واكد عضو في الحوار طلب عدم ذكر اسمه ان الاتفاق "يتعلق بتمكين حكومة الوفاق برئاسة رامي الحمد الله بتولي كافة المسؤوليات في قطاع غزة وسيتولى الحرس الرئاسي الاشراف على المعابر مع الكيان الصهيوني ومعبر رفح الحدودي مع مصر". في القاهرة أفاد مصدر مصري مطلع ان مدير المخابرات المصرية خالد فوزي "تابع كل تفاصيل الحوار مباشرة وان الرئيس عبد الفتاح السيسي شدد على حرص ودعم مصر لتحقيق مصالحة فلسطينية فلسطينية وتحقيق الوحدة الوطنية". وكشف مسؤول فلسطيني الخميس أن الاتفاق الذي تم التوصل اليه بين الحركتين في الحوار، ينص على نشر 3000 عنصر من الشرطة الفلسطينية التابعة للسلطة في قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس منذ عقد من الزمن، كما سيتم تمكين الحكومة الفلسطينية من استلام كافة مهماتها في الشقين المدني والأمني. وينص اتفاق القاهرة على تشكيل حكومة وحدة وطنية والتحضير لانتخابات تشريعية ورئاسية وتشكيل لجان مشتركة لاستيعاب الموظفين الذين وظفتهم حماس في المؤسسات العامة والبالغ عددهم نحو خمسة واربعين الف مدني وعسكري. كما يقضي بدمج الاجهزة الامنية والشرطية في غزةوالضفة الغربية بما يضمن وحدتها وتبعيتها لوزارة الداخلية. وذكر المسؤول إن "وفدا مصريا سيشرف بنفسه على تنفيذ الاتفاق ويتواجد بصفة مباشرة ودائمة" في غزة. واضاف أنه "بموجب الاتفاق، ستتسلم الحكومة الفلسطينية المعابر مع مصر وإسرائيل وبوجود أمني وإشراف كامل من السلطة الفلسطينية ووجود ومشاركة مصرية". واشار الى "أن خطوات التنفيذ ستبدأ يليها اجتماع لكافة الفصائل الفلسطينية في القاهرة خلال الأسبوعين المقبلين"، على أن يتم بعدها ترتيب "زيارة تاريخية" للرئيس الفلسطيني محمود عباس الى غزة. وستستغرق الزيارة التي كان أعلن عنها في وقت سابق، أياما عدة، وستشكل، بحسب المسؤول، "إعلانا رسميا ونهائيا لانتهاء الانقسام". وتسيطر حركة حماس المدرجة على لوائح العديد من الدول الغربية للمنظمات الارهابية على قطاع غزة منذ 15 يونيو 2007 بعد ان طردت حركة فتح منه إثر اشتباكات دامية دامت من 7 إلى 14 يونيو. تباين تباينت ردود الفعل والتحليلات عربيا ودوليا بشأن اتفاق المصالحة، غير أن التركيز كان على رد فعل الأطراف الأكثر تأثرا بالقرار الفلسطيني وفي مقدمتهم تل أبيب وواشنطن والأطراف الإقليمية التي تحالفت أو أيدت فتح أو حماس خلال صراعهما الأخطر الذي دام لحوالي عشر سنوات. التقارب والتصالح الفلسطيني لا يخدم مخططات تل أبيب وواشنطن خاصة مشروع الشرق الأوسط الجديد، كما أن نجاح المصالحة لا يخدم حركة الإخوان الدولية والأطراف الإقليمية التي تحتضن نظرياتها، إضافة إلى ذلك نجد أطرافا تعارض أو تخشى من المصالحة لتقديرها أنه سيتم نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ويسحب من يد الفلسطينيين أحد وسائل الضغط على الكيان الصهيوني في وقت يشعر فيه بأخطار كثيرة تحيط به خاصة على ضوء تعزز قدرة حزب الله اللبناني العسكرية وفشل مشروع تفتيت سوريا. غسان الخطيب، وهو خبير سياسي فلسطيني صرح: "المصالحة أمر لا يمكن لأي من الطرفين تحمله، لا يمكن لحماس تغيير سياستها لكي تكون جزءاً من منظمة التحرير الفلسطينية، ولا لمنظمة التحرير قبول حماس دون تغيير سياساتها". وبحسب "الخطيب": "حماس لن تتخلى عن قدراتها العسكرية، ولا يستطيع الرئيس عباس قبول النموذج اللبناني، لكن الطرفين في النهاية يحرصان على نجاح المصالحة". مصادر رصد في العاصمة الألمانية برلين أفادت أنه رغم عمليات النفي شبه الرسمية في رام الله فإن المخابرات المصرية حصلت على موافقة الرئيس عباس على أن يكرر في غزة نموذج حزب الله اللبناني وإستبعاد إي حديث على الأقل حاليا عن سلاح كتائب القسام أو حركة الجهاد. الموفد الأمريكي لعملية السلام جيسون جرينبلات وفي أول رد رسمي في واشنطن قال، إن الولايات المتحدة ترحب بالجهود المبذولة لإتاحة المجال للسلطة الفلسطينية باستعادة مقاليد الحكم في قطاع غزة، مضيفا أن واشنطن ستراقب عن كثب التطورات على أرض الواقع. وأكد، أنه يتعين على كل حكومة فلسطينية التعهد بشكل لا يقبل التأويل بنبذ العنف والاعتراف بإسرائيل وقبول الالتزامات السابقة للسلطة الفلسطينية وإجراء مفاوضات بالطرق السلمية. "مايكل هيرزوغ"، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى والذي له تأثير كبير على أصحاب القرار في البيت الأبيض كتب: "حماس وفتح يدخلان المفاوضات ولكل فصيل رؤى مختلفة، وبالنسبة للرئيس عباس، فإن ذلك يتعلق بتخلي حماس عن السلطة في غزة.. ولكن بالنسبة لحماس فإن هذه المصالحة تفتح الطريق للعمل بحرية في الضفة". وبالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة والجهات الدولية الأخرى، فإن آفاق أي عملية سلام ستعتمد على النتيجة، وأضاف "هرزوغ": "إذا كانت السلطة تسيطر تماما على غزة، فهذا أمر جيد.. وإذا أصبحت حماس في نهاية المطاف طرفا مهيمنا في القرارات السياسية فهذا أمر سيء، لكن كلا الطرفين يحرص على نجاح هذه الجولة من المصالحة". موقع "المركز الأورشاليمي للدراسات الإستراتيجية والسياسية" العبري أفاد: "صحيح أن مصر تريد أن تبعد حماس عن المنظمة الأم، لكن من الصعب أن نصدق أنها تخدع نفسها بأنها ستفعل ذلك، فالهدف الأكثر واقعية هو وقف مساعدتهم للعناصر الإرهابية في سيناء وبقية مصر. وهذا هدف معقول". علي حد وصفه. موقع "هامكور" الإسرائيلي ذكر من جانبه، أن تل أبيب تتبع حاليا سياسة الانتظار بصبر ورؤية إذا كانت هذه المصالحة مجرد مصالحة أخرى مصيرها سلة النفاية التاريخية أم أنها ستحقق تقدما ملحوظا، مضيفا أن جهات استخباراتية إسرائيلية تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المحور الثلاثي "غزة – رام الله – القاهرة"، مضيفاً: "جهاز الاستخبارات في إسرائيل يتابع باهتمام الأحداث في محور القاهرة". وتابع "هامكور": "تقدر جهات إسرائيلية أن في هذه المرة هناك احتمال لحدوث تغيير في ظل حقيقة أن الجانبين ضعيفين، خاصة مع الوضع الاقتصادي والإنساني الصعب في غزة في ظل حكم حماس وهو وضع شبيه بما تعانيه بعض دول إفريقيا، حتى قبل أن يوقف أبو مازن نقل الأموال بات الوضع لا يحتمل حالياً". في السياق ذاته، أكد موقع "ديبكا" الاستخباراتي الصهيوني، أن تصريحات الرئيس "عبد الفتاح السيسي" الأخيرة حول المصالحة الفلسطينية وحديثه عن قيام دولة فلسطينية يعني أنه لا يطلع إسرائيل على الخطوات التي يتخذها. وذكر موقع "ديبكا" أن الأجهزة الأمنية المصرية التي تدير الاتصالات بين حركتي "فتح" و"حماس" لا تبلغ إسرائيل بخطواتها ونواياها على الرغم من التعهد بذلك في نطاق السعي المعلن للطرفين إيجاد تسوية سلمية. ولفت "ديبكا" إلى أن إسرائيل توجهت إلى واشنطن ولفتت انتباها إلى ما يجري في "القاهرة ورام اللهوغزة"، وأنها غير مستعدة للاعتماد أكثر على مصر. ارتباك في تل أبيب سجل الملاحظون وجود إرتباك في مواقف كل من تل أبيب وواشنطن من المصالحة الفلسطينية خاصة وأن ذريعة الحكومة الصهيونية وإلى جانبها البيت الأبيض من وراء الستار لعدم إستئناف مفاوضات التسوية أنه لا يوجد شريك فلسطيني للتفاوض. نتنياهو كان يبرر مواقفه المعرقلة للتسوية بأن هناك حكومتين فلسطينيتين الأولى فى الضفة الغربية والثانية فى قطاع غزة، مدعيا أنه لا يعرف أى منهما يمثل الشعب الفلسطيني لبدء التفاوض، بعد ظهور بوادر نجاح المصالحة قابل نتنياهو هذا التوافق بوضع عثرات جديدة فى وجه التفاوض للوصول لحل نهائى للقضية الفلسطينية. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، إن إسرائيل تريد اعترافا من الجهة المعنية بالتفاوض بيهودية دولة إسرائيل، وأن يكون هذا الاعتراف جزءا من مسيرة السلام. وأضاف “نتنياهو” خلال اجتماعه بكتلة حزب الليكود يوم الثلاثاء 3 أكتوبر، أن كل من يتحدث عن السلام يجب عليه الاعتراف بدولة يهودية للإسرائيليين. وشدد على أن إسرائيل مستعدة للاعتراف باتفاق المصالحة فى حال قبول الجانب الفلسطيني التعايش مع دولة إسرائيل والاعتراف بها ونزع سلاح الجناح المسلح لحركة حماس. يوم الخميس 12 أكتوبر أكدت مصادر سياسية رفيعة في القدس المحتلة وعلى صفحات صحيفة “معاريف” أن أي مصالحة فلسطينية يجب أن تشمل الالتزام بالاتفاقيات الدولية والوفاء بشروط الرباعية الدولية وفي مقدمها الاعتراف بإسرائيل ونزع أسلحة حماس. وقالت هذه المصادر أيضا إن إسرائيل تطالب “حماس” كذلك بأن تعيد فورا جثتي الجنديين الإسرائيليين هدار غولدين وأورون شاؤول اللذين قتلا خلال عملية “الجرف الصامد” العسكرية التي قام الجيش الإسرائيلي بشنها على القطاع في صيف 2014 وبأن تفرج عن شابين إسرائيليين محتجزين في قطاع غزة بعد أن دخلاه خطأ. وشددت على أن مواصلة حفر الأنفاق وتصنيع الصواريخ وتدبير العمليات التي وصفتها ب”الإرهابية” تتعارض مع شروط الرباعية الدولية والجهود المبذولة لاستئناف عملية السلام. كما شددت على وجوب قيام السلطة الفلسطينية في حال توليها إدارة شؤون قطاع غزة بعدم السماح بوجود أي موطئ قدم لنشاطات “حماس” “المسلحة” سواء من الضفة الغربية أو من القطاع. وأشارت هذه المصادر إلى أنه ما لم تتخل حركة “حماس” عن السلاح واذا استمرت في الدعوة إلى القضاء على إسرائيل، فإن هذه الأخيرة ستواصل تحميل الحركة مسؤولية أي نشاط تصفه ب”إرهابي” صادر من غزة. وأوضحت أن إسرائيل سوف تفحص التطورات في الميدان وترد بشكل ملائم. وأعربت عضو الكنيست تسيبي ليفني من “المعسكر الصهيوني” عن أملها بأن يحدث اتفاق المصالحة الفلسطينية تغييرا كبيرا في المشهد السياسي الفلسطيني، لكنها في الوقت عينه أكدت أنه في حال استمرار بقاء “حماس” حركة وصفتها ب”إرهابية” مسلحة فستشكل المصالحة غطاء لها ولما وصفته ب”الإرهاب” ضد إسرائيل. وأضافت ليفني في بيان صادر عنها، أن على حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني الوفاء بشروط الرباعية الدولية وعلى رأسها الاعتراف بإسرائيل ونزع سلاح “حماس” والالتزام بالاتفاقيات. تقدير المخابرات الإسرائيلية ذكر موقع “نيوز ون” الإسرائيلي إن التقديرات الاستخبارية الإسرائيلية ترى أن حقول ألغام عديدة تعترض المصالحة الفلسطينية بين حركتي التحرير الفلسطيني “فتح” والمقاومة الإسلامية “حماس”، من بينها مستقبل سلاح حماس، والبرنامج السياسي للحكومة القادمة، والحلول المقترحة لموظفي غزة الذين عينتهم حركة حماس. وأضاف الخبير الإسرائيلي في الشؤون الفلسطينية يوني بن مناحيم أنه مع مرور الوقت سيتضح أكثر فأكثر أن هذه المصالحة الفلسطينية مليئة بالعديد من المشاكل المعقدة، منها رفض حماس تفكيك أسلحتها، ورفضها الدخول في مفاوضات مع إسرائيل. وأضاف بن مناحيم أنه رغم أن تل أبيب صامتة حتى الآن لكن حماس تعتقد أن الرفض الإسرائيلي سيأتي لاحقا لإفشال المصالحة. وأوضح بن مناحيم وهو ضابط إسرائيلي سابق في جهاز الاستخبارات العسكرية، أنه رغم الترحيب الذي أعلنه الرئيس الفلسطيني محمود عباس بنجاح التوصل لمصالحة في مصر لكن السؤال الجوهري يتعلق بالجدول الزمني لتطبيق بنودها على الأرض تمهيدا لانعقاد المجلس الوطني للبدء بإستراتيجية سياسية جديدة. مشروع إقليمي وأشار المتحدث نفسه إلى أن المعلومات المتوفرة لدى إسرائيل تؤكد أن الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة يشعرون بأن مرور الوقت ليس لصالحهم، ويعتقد أن لدى الولايات المتحدة وإسرائيل مشروعا للسلام الإقليمي مع الدول العربية، ولذلك تسعيان عن طريق دول حليفة لهما مثل مصر- لإنجاز المصالحة الفلسطينية الداخلية. وقال بن مناحيم إن من الألغام التي قد تفجر المصالحة ما يتعلق بتحقيق الشراكة السياسية بين فتح وحماس، بما في ذلك تقاسم صلاحيات الحكم بينهما، مع العلم أن حماس حتى اللحظة لم تتنازل عن رغبتها في السيطرة على الضفة بعد حكمها لقطاع غزة، حسب قوله. وزعم أن الرئيس عباس ما زال يحتفظ بمعظم أوراق اللعبة بين يديه إلا أنه حتى اللحظة لم يعلن عن تجميد العقوبات ضد حماس، ولم تعلن حكومته أي خطوة عملية من شأنها بث التفاؤل في نفوس الفلسطينيين باستثناء الترحيب بما حصل في القاهرة. وذكر الضابط السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن تل أبيب تعتقد أن المشكلة الرئيسة في تحقيق المصالحة الفلسطينية متمثلة بانعدام الثقة بين عباس وحماس، فالحركة تنتظر البدء بتحقيق تفاهمات القاهرة للمطالبة رسميا بانخراطها في منظمة التحرير الفلسطينية والمجلس الوطني الفلسطيني، وذلك في ظل وجود معارضة قوية من قبل حركة فتح لهذا التوجه لدى حماس. دراسة إسرائيلية تزامنا مع عملية المصالحة الفلسطينية جاء في دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب، أن فتح وحماس وقعتا سابقا سلسلة اتفاقات عديدة كان مصيرها “الفشل الذريع”، ومن بينها ما تم التوقيع عليه في مكة 2007، وصنعاء 2008، والقاهرة 2011، والدوحة 2012، والشاطئ 2014، ولذلك ليس مستبعدا تقول الدراسة- أن “تؤدي الظروف الحالية إلى النتيجة ذاتها من الإخفاق”. وعن أسباب إعلان حماس خطوتها الأخيرة، ترى الدراسة أن ضغوطا متلاحقة على الحركة دفعتها إلى حل اللجنة الإدارية في القطاع، مشيرة إلى أن “الطريق للمصالحة الفلسطينية لا يزال طويلا جدا”. وضمن هذا السياق، قال جلعاد شير، أحد المشاركين في الدراسة وهو الرئيس السابق لدائرة المفاوضات مع الفلسطينيين، إن المصالحة الأخيرة جاءت في وقت يعيش فيه قطاع غزة ضائقة صعبة وبطالة مرتفعة وأزمة إنسانية، في حين تخوض حماس منذ وقت طويل معركة بقاء سياسي في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة المتلاحقة وتبدل شبكة التحالفات السياسية للحركة بين دول المنطقة. وأضاف شير، الجنرال الإسرائيلي المتقاعد الذي سبق له أن تقلد مناصب عسكرية مرموقة في الجيش الإسرائيلي، أن استجابة حماس للمصالحة بحل اللجنة الإدارية وضعت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في معضلة صعبة، لأنه لو عادت حكومة التوافق الموالية له إلى القطاع “فسيكون مطلوبا منها الاهتمام بتحسين ظروف سكان القطاع، وهو ما من شأنه تحويل الانتقادات الشعبية من حماس إلى عباس، ولذلك فهو لا يبدو معنيا بالانتخابات العامة، ولا ضم حماس لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية”. أهداف مصر من جانب آخر، أوضح الرئيس السابق لشعبة الأبحاث بوزارة الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلية كوبي ميخائيل أن مصر ضغطت كثيرا على حماس لحل لجنتها الإدارية والعودة لمحادثات المصالحة. وأضاف ميخائيل، الذي أصدر عددا من الدراسات والكتب الخاصة بالصراع مع الفلسطينيين وشارك في الدراسة المنشورة، أن مصر تسعى من وراء المصالحة بين حماس وفتح إلى تحقيق أهداف عدة، أهمها عودتها للعب موقف ريادي في العالم العربي ووسيط في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وأضاف أيضا أن مصر لا ترغب في تلقي المزيد من الانتقادات العربية بسبب تفاقم المعاناة في غزة، وهو ما دفع حماس إلى الاستجابة لمطالب القاهرة الأمنية بشأن تأمين الحدود المشتركة وإغلاق الأنفاق. أما ليران أوفيك وهو باحث إسرائيلي متخصص في الحركات الإسلامية، فقد اعتبر أن تحقيق المصالحة الأخيرة جاء نتيجة لتشديد العقوبات في الأشهر الأخيرة على قطاع غزة، رغم أن حماس لن تتنازل عن ممتلكاتها الإستراتيجية الأكثر أهمية، وهي قوتها العسكرية وسيطرتها الأمنية على غزة. وانطلاقا من المعطيات السابقة، توقع أوفيك المشارك الثالث في الدراسة أن تكون أي حكومة قادمة خاضعة لأفكار حماس، وهو الأمر الذي سيساهم في تآكل موقف عباس أكثر، وتراجع شرعية حكومته، ولذلك “فهو لن يسارع بإجراء الانتخابات العامة التي تزداد فيها فرص خسارته”. الأفضل لإسرائيل ومن بين الخلاصات التي خرجت بها الدراسة أنه من الأفضل لإسرائيل ألا تتدخل في الخطوات الجارية للمصالحة الفلسطينية، طالما أنها تسعى لإبقاء الردع أمام حماس ومنع وقوع حرب قادمة أو استبعادها قدر الإمكان مع استكمال بناء الجدار الجديد على حدود غزة. وشددت على أن تخفيف إسرائيل للضائقة الإنسانية في غزة مشروط بالهدوء الأمني المتواصل ووقف تقوي حماس. وتضيف دراسة المعهد الإسرائيلي أن حماس قد تذهب باتجاه المناورة بما يتوافق مع مفاهيم قيادتها وإقحام عباس والسلطة في الفخ رغم أن السلطة الفلسطينية لا تزال الشريك الأكثر أريحية لإسرائيل لإعمار القطاع، بالنظر لما راكمته من خبرة طويلة المدى في العمل المشترك في المجالات الأمنية والمدنية. صحيفة ذا أتلانتيك الأمريكية، التي أعتبرت في تحليل لها أن المصالحة محكوم عليها بالفشل، معبرة في نفس الوقت عن الدهشة من التحولات على الساحة الفلسطينية، ذكرت أن التفسير الأمثل للتحول المفاجئ ل”حماس”، هو التغيير في قيادتها. ففي وقت سابق من هذا العام، جرى الإعلان عن نتائج الانتخابات الداخلية السرية للحركة، وصار إسماعيل هنية، وهو رئيس وزراء سابق في حكومة الوحدة عام 2007، ويحيى السنوار، وهو قيادي في الجناح العسكري للحركة، القائدين الأول والثاني في قيادة الفصيل. وكلاهما يمثل تحولا في مركز الثقل الخاص ب”حماس” من الفئة السياسية المنفية في الخارج إلى القيادة العسكرية في غزة. وفي البداية، أثار صعودهما قلق الكثيرين من أن حربا أخرى مع إسرائيل تصبح أمرا لا مفر منه. وكان السنوار، على وجه الخصوص، قد اضطلع بدورٍ بارز كزعيمٍ عسكري في حرب عام 2014. ومع ذلك، فإن السنوار، والذي كانت مهامه داخل المنظمة تتضمن إدارة غزة، تحول إلى شخص براغماتي بمنصبه في ذلك الوقت، في حين يعيش سكان غزة في فقر مدقع، ويتحملون ظروفا دون المستوى من حيث خدمات المياه والصرف الصحي، ويواجهون معدلات بطالة هائلة. وفي الماضي، كان الناس يحتشدون وراء قادة “حماس” في أوقات الأزمات، ولكن تلك الأيام تبدو بعيدة. وفي شهر يناير، خرج أكثر من 10 آلاف شخص إلى الشوارع خارج أحد مكاتب الكهرباء التابعة ل”حماس” احتجاجاً على سياسات الحركة. وقد أصبح الاستياء العام من “حماس” والسلطة الفلسطينية أكثر شيوعا، وقد شعر قادة “حماس” الجدد بالضغط، بحسب الصحيفة الأمريكية. مصالحة بدعم من موسكو قبل شهر تقريبا من توقيع إتفاق القاهرة بين فتح وحماس كتب المحلل الإسرائيلي “تسفي برئيل” يوم 13 سبتمبر 2017 في صحيفة “هآرتس” تحليلا عكس فيه قلق حكومة نتنياهو من تدخل موسكو لدعم المصالحة الفلسطينية بعد أن أفشل الكرملين خطط تل أبيب وواشنطن لتصفية وجود الجمهورية العربية السورية. كتب “تسفي برئيل” نهاية اسبوع مكتظة مرت على وزير الخارجية الروسي سرجيه لافروف. في ايام زيارته الثلاثة للشرق الاوسط التقى مع الملك السعودي سلمان والملك الاردني عبد الله، واجرى مكالمات هاتفية مع الرئيس المصري السيسي، وحاول رأب الصدع بين دول الخليج وقطر وتوحيد المواقف حول الازمة السورية والتوصل الى انهاء النزاع الداخلي الفلسطيني بين فتح وحماس. في المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، كشف لافروف أن روسيا تجري اتصالات مع دول عربية لها علاقات مع حماس من اجل اعادة الطرفين الى اتفاق المصالحة الذي وقع بينهما والذي يتضمن اقامة حكومة وحدة وطنية. بعد يومين أعلنت حماس استعدادها لالغاء اللجنة الادارية التي اقامتها في قطاع غزة من اجل التوصل الى اتفاق على اقامة حكومة وحدة وطنية. ورغم أن الوقت ما زال مبكرا لتطبيق هذا الاعلان على الارض، إلا أن التدخل الروسي الجديد في النزاع هو امر يستحق الاهتمام. خلافا للاتفاقات التي تم التوصل اليها بين حماس ومصر قبل حوالي شهر، والتي وفقا لها سيتم اقامة مجلس اداري في غزة يقف على رأسه رجل فتح وخصم محمود عباس، محمد دحلان، والذي تشارك فيه شخصيات من حماس الى جانب شخصيات من فتح. حماس تتحدث ثانية عن اقامة حكومة وحدة فلسطينية. هل هذا الاعلان يلغي الاتفاقات التي تم التوصل اليها في مصر؟ حسب اوساط في حماس، الحديث يدور عن مرحلتين متوازيتين. المجلس الاداري سيستمر في هذه الاثناء في اجراء الاتصالات مع مصر بوساطة دحلان من اجل التوصل الى فتح معبر رفح بشكل دائمة، ربما في هذا الشهر. تمويل النشاطات الجارية للمجلس سيصل من اتحاد الامارات، الذي قام بتخصيص مبلغ 15 مليون دولار لهذا الغرض، الذي وصل مع التعهد لدفع مبالغ مشابهة في الاشهر القريبة. وفي نفس الوقت ستجدد حماس اتصالاتها مع السلطة الفلسطينية من اجل تحديد توزيع الوظائف والاعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية. إن تدخل روسيا في النزاع الداخلي الفلسطيني وفي النزاع الاسرائيلي الفلسطيني ليس منفصلا عن استراتيجية روسيا في المنطقة. وفي الأساس عن ادارة الأزمة السورية، التي انتقلت بصورة مطلقة الى أيدي موسكو. الأردن والسعودية ومصر، وليس أقل منها تركيا واسرائيل، اصبحت تعترف بأن الدولة العظمى الوحيدة التي يمكنها صنع المعجزة في سوريا هي روسيا. وكل دولة من هذه الدول تسعى الآن الى الحصول منها على ضمانات لتأمين مصالحها. الجهود الروسية التي تسعى الى بناء جدار داعم عربي لجهودها في سوريا تحتاج إلى التغلب على عقبتين كبيرتين. العقبة الأولى هي الصدع بين دول الخليج ومصر وبين قطر. والعقبة الثانية هي المواجهة السياسية بين السعودية وايران. بعد فشل الولايات المتحدة في محاولات اجراء المصالحة بين السعودية وقطر، وهي المحاولات التي شارك فيها الرئيس ترامب، وفي اعقاب سبات الولايات المتحدة بخصوص النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، فان روسيا تستخدم هذين النزاعين كرافعة لتحقيق مصالحها. هنا ظهرت أهمية حماس، التي لا تعتبر عاملا استراتيجيا يمكنه التأثير على السياسة الاقليمية. ولكن عندما تتحول الى أداة في المعركة بين السعودية وايران، فهي تصبح عاملا حيويا يجب تجنيده لصالح الصراع الأكبر. حماس زادت في هذه السنة تحسسها في ايران، التي تعهدت بمساعدة حماس. وحسب تقارير في وسائل الاعلام العربية، قامت بتحويل حوالي 20 مليون دولار الى فرع المنظمة في لبنان، اضافة الى تجديد التدريبات العسكرية على أيدي حزب الله. بين الفينة والاخرى يتم نشر تصريحات لنشطاء حماس في قطاع غزة وفي الخارج تفيد بأن العلاقة مع ايران ستتجدد في الوقت القريب، وأن ايران عرضت مساعدات اخرى. هذه التصريحات لا تتساوق مع دبلوماسية حماس التي تهدف الى تحسين العلاقة مع مصر، وهي تبرهن على الانقسام المتقد بين قيادة كتائب عز الدين القسام التي تسعى إلى استئناف العلاقة مع إيران وبين القيادة السياسة برئاسة اسماعيل هنية ويحيى السنوار التي تعمل على تحسين العلاقات مع مصر والعالم العربي. في داخل إيران ايضا هناك انقسام بين المحافظين الراديكاليين وبين الحرس الثوري بشأن تقديم المساعدة لحماس. وفي حين أن قيادة الحرس الثوري تدفع نحو تقديم المساعدة فإن الراديكاليين يعارضون ذلك بتبريرات سياسية. لأن حماس قامت بخيانة سوريا وبهذا فهي لا تستحق المساعدة. من هنا تأتي الأهمية التي توليها روسيا للمصالحة الداخلية الفلسطينية، والتي ستوقف التقارب المجدد لحماس مع إيران، الذي سيرضي طموحات السعودية ودولة الامارات ومصر، الأمر الذي سيجعلها تدعم شرعية حكومة دمشق. اذا نجحت روسيا في تحقيق هذه المصالحة، فإنها تستطيع أن تسجل لنفسها انتصارا مزدوجا. فمن جهة ستظهر بأنها الدولة الوحيدة التي يمكنها حل النزاعات في المنطقة، استمرارا لنجاحها في سوريا. ومن جهة ثانية ستساهم بشكل كبير في كبح نفوذ إيران. لأنه على الرغم من المصالح المشتركة لروسياوإيران في بقاء سوريا مستقرة وموحدة، إلا أن روسيا غير متحمسة لنفوذ إيران في المنطقة. السؤال التالي هو كيف يجب على اسرائيل أن ترد على خطوات روسيا هذه. اسرائيل تعارض بشكل تقليدي الوحدة بين فتح وحماس، لأن الانقسام يمكنها من الادعاء أن محمود عباس لا يمثل كل الشعب الفلسطيني. ولهذا فهو لا يمكنه أن يكون شريكا، اضافة الى الذرائع المعتادة الاخرى مثل اتهامه بالتحريض ودعم الارهاب. إن الفصل بين قطاع غزةوالضفة الغربية يمكنها ايضا من ادارة سياسة قمع مزدوجة في المنطقتين. ولكن اذا قررت روسيا أن المصالحة الفلسطينية الداخلية حيوية بالنسبة لمصالحها الاقليمية، فان إسرائيل ستجد صعوبة في التمسك بمعارضتها، ولا سيما أنها هي التي تحتاج الى تعهدات روسية حول وجود حزب الله في سوريا. من هنا يأتي صمت اسرائيل على خطوات روسيا، وهو صمت مصحوب بالصلاة من اجل أن لا يتفق الفلسطينيون، وبهذا ينقذون اسرائيل من الحاجة الى تحديد مواقفها. عمر نجيب للتواصل مع الكاتب: