جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون واليسار وإمكانية التوافق
نشر في هسبريس يوم 20 - 08 - 2011


قبل المقدمة:
قلبت في أرشيفي الإلكتروني باحثا عن موضوع معين، فوجدت هذه المساهمة التي يعود تاريخها إلى 2007، أي أكثر من أربع سنوات، وكنت خلالها أستشرف أفق اللقاء الممكن بين الإسلاميين واليسار. الآن، بعد هذا الحراك، منذ 20 فبراير، يتضح أن اللقاء ليس مستحيلا وإن كان صعبا، لأنه يتطلب حرصا على المصلحة العامة بعيدا عن الأنانيات، ويتطلب كثيرا من التواضع والتخلق بأخلاق الحوار، وأهمها ما كان يقوله الشافعي رحمه الله " قولي صواب يحتمل الخطأ وقولك خطأ يحتمل الصواب".
ويتطلب نقاشا عميقا وهادئا يبحث عما يجمع لتقويته وعما يفرق لتنظيم الاختلاف بشأنه.
للموضوع قصة
أبدأ هذا الموضوع بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيه " شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت".
وترجع قصة هذا الحلف إلى أن بني هاشم وبني عبد المطلب وبني أسد بن عبد العزى وبني زهرة وبني تيم اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان زمان كان محمد صلى الله عليه وسلم لا يزال غلاما فتعاهدوا وتعاقدوا أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته. فسمت قريش ذلك حلف الفضول، وهو حلف للفضائل والمروءة يحمى بمقتضاه الضعيف وينصر المظلوم والغريب.
واليوم ونحن نعيش في ظل استبداد يتحكم في الرقاب ويستضعف العباد ويبدد ثروات البلاد ويحتكر كل شيء ويبدر مقدرات الأمة. كيف ننصر المظلومين وكيف نقف في صف المستضعفين؟
نحن اليوم جماعات وأحزابا وفرقا وشيعا، هل نقدر على جمع الكلمة ولم الشتات وتوحيد الجهود وتقوية الصف لتحقيق هذا الهدف، ولمواجهة الفساد والمفسدين، والإصلاح ما استطعنا وبما أوتينا من قوة ووسائل.
ما الذي يجمعنا؟ وما يفرقنا؟ وما الذي يمنعنا من تحقيق هذا الهدف؟
أسئلة تأسيسية:
- هل يمكن تحقيق توافق بين اليسار والإسلاميين؟
- في حالة الإجابة بنعم، فعلى أية أرضية؟ ولأي هدف؟ وبأية ضمانات؟
- وفي حالة الإجابة بالنفي: فما المانع؟ وما نتائج ذلك على البلاد والعباد؟
- من المستفيد؟ ومن المتضرر؟
هذه وغيرها أسئلة تفرض نفسها منذ مدة على الساحة السياسية وعلى مختلف مكوناتها، والإجابة عنها عامل حاسم في تحديد المسار المستقبلي لبلد أنهكه الاستبداد الذي ساد وقاد وعاث في الأرض فسادا وأهلك الحرث والنسل ودمر العمران وخرب النفوس وقتل الغيرة وبدد الثروة.
للوهلة الأولى يمكن ترجيح الجواب بالنفي، أي عدم إمكانية التوافق بين الإسلاميين واليسار لأن القطيعة ترضي كلا الفريقين لاعتبارات عدة يمكن اختزالها في:
أولا- الخلافات الإيديولوجية: وهي ليست مجرد خلافات عادية أو ظرفية بل يمكن اعتبارها تناقضات، كما أنها لا تقتصر على قضايا ثانوية ولكنها تطال قضايا جوهرية مثل: الهوية، القيم، الدين، الحرية...
ثانيا- الصراعات التاريخية: وهي صراعات ميدانية طبعت تاريخ العلاقة بين الفريقين فأخرجت التنافس من إطاره السياسي السلمي إلى صراع دموي تجاوز كل الحدود فأزهقت فيه أرواح (مقتل عمر بن جلون...).
ثالثا- الاختلافات البنيوية: فعادة ما يكون التوافق بين تيارات متقاربة في القوة الاقتراحية والتنظيمية والجماهيرية، لأن هذا التقارب يساعد على التفاهم وعلى قسمة التضحيات وتقاسم المسؤوليات. والذي يلاحظ في الساحة المغربية أن شرط التقارب في القوة يكاد يكون غائبا. ولا يخفى أن ميزان القوى اليوم لصالح الإسلاميين وخاصة في شقه الجماهيري.
كل هذا ألقى بكلكله على العلاقة بين الفريقين وجعلها تمر عبر مراحل عدة ابتداء من القطيعة مع الصراع وانتهاء بالقطيعة مع الهدوء والحذر.
إن ما سبق يؤكد أن لا إمكانية لحدوث توافق بين الفريقين، وأن القطيعة تريحهما معا.
لكن إذا قاربنا الموضوع من زاوية نظر أخرى نتجاوز فيها المقاربة الذاتية لنبحث عن ما هو الأصلح للبلاد وما الذي يرضي العباد فسنصل حتما إلى نتيجة أخرى.
وإذ نصر على مقاربة الموضوع من هذه الزاوية فلأن المطلوب من اليسار والإسلاميين التخلي عن بعض رغباتهم لأنهم فاعلين عموميين، همهم خدمة المصلحة العامة، وليس إرضاء رغباتهم الذاتية. ولذلك يجب أن نستفرغ الجهد للوصول إلى صيغة للتوافق واللقاء. ودواعي ذلك متعددة وأهمها:
1- رغبة الشعب في تحسين أوضاعه بغض النظر عن الخلفيات السياسية والإيديولوجية للمدافعين عن حقوقه. وكل تأخر عن تحقيق هذا الهدف تكون نتيجته سلبية تفضي إلى مزيد من العزوف واليأس يترتب عنها مزيد من الاستبداد والعنف. والخاسر الأول والأخير هو الإسلاميون واليسار على حد سواء.
2- ضرورة إيجاد حد للنزيف وإيقاف الكارثة التي تسير إليها البلاد بفعل الاختيارات الفاشلة المتبعة منذ عقود. وهذه مهمة يصعب على فريق واحد القيام بها مهما كانت قوته. وينبغي في مرحلة أولى توحيد الجهود لتجاوز هذا الميراث الثقيل.
3- إيقاف المد المخزني الذي يستهدف قتل كل اهتمام بالشأن العام بتمييع السياسة وترميز نخب جديدة بدون هوية ولا موقف ولا هم لها إلا مصالحها الشخصية.
محفزات إضافية على التوافق
ما جردناه سابقا يشكل دوافع موضوعية للتوافق تقويها مجموعة عوامل أخرى، منها:
1- الاتفاق السياسي: حيث هناك اتفاق في وجهات النظر بين الفريقين حول أسباب التردي الذي تعيشه البلاد والمتسبب فيه ومداخل الإصلاح المتمثلة في أولوية الإصلاحات السياسية والدستورية.
وهذا الاتفاق السياسي يمكن أن يغطي على الخلافات الإيديولوجية، ولو مرحليا، ويساعد على قيام حركة اجتماعية قوية وشعبية وذات مصداقية، ولنا في الحلف الناشئ بين إيران وحزب الله والشيلي وكوبا وكوريا الشمالية ضد الهيمنة الأمريكية خير مثال حيث تم تغليب الاتفاق السياسي على الخلاف الإيديولوجي.
يدعم هذا الخيار أن التحالفات المبنية على برامج واضحة وأهداف دقيقة تكون أفضل من التحالفات المبنية على عموميات فضفاضة.
2- الاصطفاف إلى جانب الشعب: حيث يلاحظ أن كلا الفريقين لم يختر الاصطفاف في حلف المخزن وبقي إلى جانب الفئات الشعبية المستضعفة. وهذا عامل مهم يجب أن يقوي جسور التواصل بين الفريقين. ومثال العمل الوحدوي الذي تعريفه بعض تنسيقيات مناهضة ارتفاع الأسعار خير مثال، وليس الوقت هنا لنقد سلوكات بعض مكونات اليسار الإقصائية تجاه الإسلاميين في هذا الصدد، حيث يمكن تجاوزا اعتبارها سلوكات فردية لا تنم عن موقف سياسي إقصائي ضد الإسلاميين.
3- موقف موحد ضد الهيمنة الأمريكية وسياساتها التوسعية والعدوانية في كل مناطق العالم.
4- موقف موحد من قضايا الأمة العربية والإسلامية: فلسطين، العراق، أفغانستان، إيران...
لذلك فإمكانية اللقاء والتوافق ممكنة ومتعددة ويجب فقط البحث عنها بإرادات وحدوية ونيات صادقة وصبر على الصعاب ورغبة في تحدي كل العقبات.
طبيعة التوافق
نقصد بالتوافق بين اليسار والإسلاميين إيجاد صيغة عملية لتنظيم العلاقة بين الفريقين وفق ما يحفظ وحدة البلاد ويخدم مصالح العباد.
ومن خلال هذا التعريف يمكن إيجاد صيغ للتوافق حسب كل مرحلة من المراحل، وهذه الصيغ لن تخرج عن إطار التعايش والتعاون والتنافس.
أولا- التعايش.
في كل المراحل تبنى العلاقة على أساس التعايش، الذي يتجسد في الاعتراف المتبادل، والاحترام المتبادل، وفوائد ذلك كثيرة يمكن اختزالها في:
1- تجنيب البلاد شبح الحرب الأهلية.
2- تجنيب البلاد ضياع الجهود ومقدرات الدولة في غير طائل.
3- ضمان استمرارية الدولة على أسس صلبة متعاقد عليها لا تتأثر بالتداول على السلطة.
ولا بد من التأكيد على أن هذا التعايش متحقق على مستوى لا بأس به في بلادنا اليوم لأن العلاقة بين اليسار والإسلاميين لا تعرف خصومة ولكنها تعيش تعاونا حذرا حول بعض القضايا فقط.
لكن هذا التعايش يجب أن يبنى على ثقة متبادلة كما يجب أن يرقى إلى تعاون. وبما أن هناك ما يجمعنا وهناك ما يفرقنا، وبما أن المصلحة العامة تقتضي الإقرار بما يجمعنا والديمقراطية تقتضي الإقرار بما يفرقنا، فلنتعاون فيما يجمعنا ولنتنافس فيما يفرقنا.
ثانيا- في المرحلة الحالية: التعاون.
التعاون هو صيغة التوافق بين الفريقين في المرحلة الحالية التي يسود فيها نظام مخزني يخنق حركة كل الأحرار، وهدف هذا التعاون هو:
1- العمل على تغيير ميزان القوى الحالي لصالح القوى المطالبة بالتغيير والقضاء على الفساد.
2- طريق ذلك تكتل مفتوح وجبهة عريضة تضم اليسار والإسلاميين والوطنيين وكل الغيورين على مصلحة البلاد.
3- أولوية هذا التكتل إيجاد بيئة سليمة للعمل السياسي يصبح فيها للتنافس جدوى. إذ لا جدوى لحركة كل فريق وبرامجه طالما أن المخزن هو الحاكم والماسك بزمام الأمور.
4- ومن أولوياته كذلك إيجاد ضمانات حقيقية، مؤسساتية وقانونية، لتجنيب البلاد العودة إلى الاستبداد، وسبيل ذلك ميثاق ينظم العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع.
ثالثا- في المرحلة التالية: التنافس:
في الأوضاع الطبيعية، وبسبب الاختلافات بين الفريقين فالعلاقة بينهما تبنى على أساس التنافس، والمهم أن يتحكم في هذا التنافس من أجل:
1- تنظيمه: حتى لا يصبح فوضى هدامة.
2- تخليقه: حتى لا تستعمل فيه وسائل غير نزيهة.
3- توجيهه: ليكون دافعه خدمة المصلحة العامة حتى يكون الاختلاف عامل إغناء وتطوير.
أرضية التوافق
هنا تطفو على السطح قضية شائكة لابد من توضيح كل ما يرتبط بها، فعلى أية أرضية يمكن أن يحصل التوافق؟
أولا: الديمقراطية
ودون الدخول في تفاصيل حول ماهية الديمقراطية وتاريخ تطورها ومختلف المواقف تجاهها يمكن تدقيق التعامل معها كأرضية للتوافق في ثلاثة مستويات:
1- الديمقراطية نقيض الاستبداد: وهي بهذا المعنى محط إجماع بين اليسار والإسلاميين لأن هدف كل فريق هو مواجهة الاستبداد. ولذلك فهي أرضية للقاء والتوافق.
2- الديمقراطية آليات لتنظيم الاختلاف وتدبير العلاقات: وهي بهذا المعنى خلاصة تجربة إنسانية وحكمة بشرية أبدعها العقل البشري في بحثه عن قيود ضد الاستبداد والطغيان.
ولذلك فهي محط إجماع مع الإشارة إلى أنها لم تأخذ صيغتها النهائية بعد وما يزال البحث جار عن أفضل الصيغ لتحقيق الهدف الأكبر: محاربة الاستبداد.
ويمكن أن نجتهد لزماننا ومكاننا في ابتكار آليات ووسائل متوافق عليها وتخدم الهدف الأكبر: محاربة الاستبداد.
ومن هذا المنطلق فليس هناك من حل لمسألة الحكم إلا بفصل السلط والتداول على السلطة والتعددية السياسية واحترام الحريات والاحتكام للشعب والرضى بنتائج الاقتراع مهما كانت وعدم استعمال الوسائل العنيفة للتأثير على الرأي العام...
هذه أمور مفيدة لا يعترض عليها إلا جاهل بفائدتها على الفرد والجماعة والأمة والعالم بأسره.
الديمقراطية بهذا المعنى تصلح أن تكون أرضية للقاء والتوافق.
3- القاعدة الفلسفية للمجتمع: ما موقف الديمقراطية من الدين؟ وما موقف الديمقراطيين من الإسلام؟ هل تحمل الديمقراطية بين طياتها موقفا من الدين؟ هل تقدم نفسها بديلا عن الدين؟ هل يمكن لها أن تأخذ شكل المجتمع الذي تطبق فيه ولا تتعارض مع قيمه وهويته؟
على هذا المستوى لا بد من الوضوح والتوضيح والتدقيق حتى يكون أساس التوافق صلبا
هنا ندخل إلى القضية الثانية.
ثانيا: الإسلام
هنا كذلك نجد أنفسنا أمام تصنيفات لابد من سردها من أجل وضوح أكثر وتواصل أكثر.
1- دعاة اللادينية: وهم تيار معزول وأفراده في تناقص، بل إنهم أصبحوا في غالبيتهم لا يجاهرون بهذا الموقف، إما مداراة أو اقتناعا، وهذا أمر لا يهم لأننا أمرنا أن لا نشق على صدور الناس فلذلك نحمل سكوتهم على المحمل الحسن.
وهذا تيار يتستر وراء الديمقراطية أحيانا متناسيا أنها كآليات لا يمكن أن تشكل أرضية لبناء مجتمع، إذ لابد لكل مجتمع من قاعدة فلسفية أو إيديولوجية أو دينية، وهم إذ ذاك يؤكدون أن القاعدة الفلسفية للمجتمع هي اللادينية.
هذا تيار يصعب إيجاد توافق معه، إن لم نقل يستحيل، إلا في حالة وضوح موقعه وموقفه من الإسلام. فآنذاك يمكن بحث صيغ أخرى للتوافق على أرضية جديدة.
2- دعاة العلمانية: ودون الدخول في تفاصيل وتدقيقات حول دلالة المفهوم يمكن الاتفاق على أن العلمانية هي نوع من الفصل بين الشأن العام وهو شأن الجماعة والمجتمع، والشأن الخاص، وهو شأن الأفراد.
والعلمانيون بهذا الصدد صنفان:
أ- صنف حاقد على الدين وكاره لكل مظاهر التدين وهمه إزاحة الدين من كل مناحي الحياة سواء العامة أو الخاصة، والخلاف مع هؤلاء شديد لأنهم أقرب إلى اللادينيين.
ب- صنف حذر من الدين ولا يعاديه، همه الحفاظ على مدنية السلطة وحرية الاعتقاد وحق الأقلية... وسبب تخوفه يعود إلى تجارب فاشلة سواء في أوربا القرون الوسطى، أو في الدول الإسلامية (السعودية، إيران، طالبان،...).
وهذا صنف ينبغي أخد تخوفاته بعين الاعتبار، وفرص اللقاء والتوافق معه كبيرة سيما إن ميزنا بين أصول الإسلام وممارسات المسلمين، وأن الإسلام دين تحريري جاء لإقامة العدل كما عبر عن ذلك ربعي بن عامر حين قال "ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة "، وأن نظام الحكم فسد مبكرا حين تحولت الخلافة الراشدة العادلة الشورية إلى ملك عضوض مستبد يعض على الأمة بالوراثة وبيعة الإكراه.
كما أن الإسلام دين الأخلاق وتقويم النفس البشرية لقوله صلى الله عليه وسلم " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".
3- دعاة "الإسلامية" "L'islamisme" وهم المنادون بالدولة الإسلامية ويمكن تصنيفهم إلى صنفين:
أ- النصوصيون: وهم صنف متشدد ومنغلق همه التحريم والتكفير والتبديع، من البدعة، وهذا صنف يصعب إيجاد أرضية توافقية معه. لأن فهمه للإسلام يطبعه جمود وانغلاق.
ب- التجديديون: وهم صنف يدعو إلى قراءة النصوص بنظرة تجديدية اجتهادية، وهم قدموا لحد الآن اجتهادات كبيرة تتمثل في:
- عدم احتكار الإسلام: فهم يصفون أنفسهم جماعة من المسلمين وليس جماعة المسلمين.
- يدعون إلى نموذج مدني للدولة.
- يعتبرون الديمقراطية حكمة بشرية مفيدة.
- يعتبرون الشعب مصدر السلطة.
- ينادون بجعل الإسلام مرجعية التشريع.
- ويدعون إلى نظرة تجديدية للإسلام تقوم على أساس الاجتهاد الجماعي ووفق نظرة مقاصدية.
هذا صنف يمكن أن يشكل قاطرة التوافق مع الصنف الثاني من دعاة العلمانية، وضمنهم يساريون وقوميون ووطنيون و...
ومن شأن التوافق بينهم تجنيب البلاد خطر التيارات المتطرفة الأخرى وخطر الاستبداد المخزني الجاثم على صدورنا منذ عقود من الزمان.
وأخيرا
يتضح إذن أن فرص اللقاء متاحة واحتمالات التوافق ممكنة والمطلوب فقط هو تجاوز عقبة نفسية ما تزال تلقي بثقلها على كلا الفريقين.
السبت 27/10/2007


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.