أهمية الكتاب المدرسي بين الوسائط التعليمية... يشكل الكتاب المدرسي أحد أبرز الوسائط التعليمية التي تجمع كافة المدارس التربوية والبيداغوجية على أهميته كمعين بيداغوجي سواء داخل الفصل أو خارجه .. وإذا كان الكتاب المدرسي يمثل إحدى الوسائل التعليمية الأكثر استعمالا في المؤسسات التربوية، والأكثر توظيفا في العلاقة بين المدرس والتلميذ في كافة المستويات التعليمية وخصوصا من مستوى الأولي الابتدائي إلى نهاية التأهيلي مغطيا كافة المواد والتخصصات؛ فإنه يمثل في نفس الآن جسرا واصلا بين المدرسة والأسرة إذ هو القناة الأكثر تنظيما ويسرا التي تمكن الآباء من الاطلاع على المعارف التي يدرسها أبناؤهم. لكل ذلك وغيره من المميزات الخاصة بالكتاب المدرسي أولت له النظريات والكتابات التربوية عناية خاصة. وخصصت لدراسته وتحديد وظائفه وصيغ التعامل معه الأبحاث والندوات والدراسات. كما خصته العديد من تقارير المؤسسات الدولية الكبرى بالدراسة والبحث والتوجيه وعنيت به المؤتمرات التربوية الدولية وتوصياتها. الكتاب المدرسي في صلب نقاش الإصلاح التربوي ونظرا لهذه الأهمية التي يكتسيها الكتاب المدرسي فإنه ظل حاضرا وبقوة في مختلف محطات ومناسبات النقاش المتمحور حول الإصلاحات التربوية بالمغرب. تدل على ذلك مختلف التقارير التي غطت النقاشات وحددت معالم الطريق، لهذا نجد وثائق اللجنة الوطنية المختصة بدراسة قضايا التعليم لسنة 1994 ووثائق اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين لسنة 1999 والميثاق الوطني للتربية والتكوين والكتاب الأبيض للمناهج وتقرير المجلس الأعلى للتعليم لسنة 2008 والبرنامج الاستعجالي وتقرير المجلس الأعلى للتربية والتكوين لسنة 2013 والرؤية الاستراتيجية 2015- 2030 قد أولته العناية اللازمة من حيث الدراسة والتمحيص. وتحديد المعالم والمبادئ وإبداء التوصيات. ونظرا للوضعية التي كانت عليها المناهج والبرامج والكتب المدرسية فقد ظلت الانتقادات الحادة توجه إليها ...ومن أمثلة ذلك ما ورد في الصفحة 30 من مطبوع خلاصة المداخلات المقدمة في الجلسات العامة للجنة الوطنية المختصة بدراسة قضايا التعليم المنعقدة من2غشت إلى 7اكتوبر 1994 "إن الكتاب المدرسي المعتمد حاليا لا يراعي متطلبات العصر وحاجة التلميذ ومستواه .... ناهيك عن طرق وأساليب التأليف والتوزيع والتسويق التي لا تفسح المجال للإبداع والمنافسة." وتم اقتراح ما يلي: - إعادة النظر في أسس تأليف الكتاب المدرسي وطبعه وتوزيعه. -وإخضاع إعداد الكتاب المدرسي لمبدئي الحرية والمنافسة ضمانا للجودة. " وفي وثائق اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين نجد ضمن جلسات الاستماع العديد من الجهات التي تنتقد الكتاب المدرسي المغربي المعمول به قبل 1999وتدعو إلى إصلاحه ومن أمثلة ذلك. نجد الجمعية المغربية لمفتشي التعليم الثانوي تقترح: · إعادة النظر في منهجية التأليف المدرسي المعتمد حاليا وذلك بتوسيع قاعدة التأليف من خلال إشراك المفتشين والباحثين في المؤسسات الجامعية ومراكز التكوين والمدرسين الممارسين، في وضع تصور للتأليف المدرسي وتحديد مواصفاته ومعاييره. · إعادة النظر في إقرار الكتاب المدرسي الوحيد والدعوة إلى التفكير في صيغ تضمن المنافسة وتعددية الكتاب المدرسي لتعميق المعارف وتنوع المرجعيات. أما الجمعية الوطنية لخريجي مفتشي التعليم الابتدائي فتقترح: تجاوز الكتب ذات البعد الأحادي بفتح المجال للتنافس العلمي للفاعلين التربويين من خلال ضبط شروط ومقاييس دقيقة للتأليف المدرسي بعيدا عن النظرة التجارية .. - تجنب إثقال كاهل المتعلمين والآباء بكثرة الكتب المدرسية التي أصبحت تشكل عائقا ماديا ومعرفيا. -إخضاع الكتب المدرسية لدراسات تقويمية مستمرة .. تدل هذه النماذج -وغيرها كثير -على المكانة الهامة التي احتلها الكتاب المدرسي في المناقشات الاعدادية لإصلاح المنظومة التربوية المغربية وخاصة قبيل صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 1999 وإلحاح العديد من الأطراف على إصلاحه. الكتاب المدرسي المغربي من الأحادية إلى التعدد مر الكتاب المدرسي في المنظومة التربوية المغربية من مراحل متنوعة ومحطات متدرجة بحيث تدرج من تعدد تلقائي مؤسس على التفتح في بدايات الاستقلال على استيراد الكتب المعتمدة في فرنسا وبعض الدول العربية غير أن هذه التجربة ما لبثت أن استبدلت بالكتاب الوطني الموحد الذي دام زمنا ليس باليسير، والذي توجهت إليه خلال السبعينات والثمانينيات والتسعينيات الانتقادات الحادة كما سبق القول وتمت الدعوة الصريحة إلى تحريره من هيمنة التأليف الرسمي وتعدديته، وتعززت هذه الدعوات بتقارير الزيارات التي قام بها اعضاء اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين للتعرف على بعض التجارب التربوية الدولية الناجحة والتي أكد بعضها على أن العديد من الدول حسمت إشكالية التعدد باعتماد تعددية الكتاب المدرسي وإخضاعه للمنافسة المؤطرة والمراقبة. وقد عرفت مداولات اللجنة الخاصة مناقشات عميقة ومفيدة في هذا الموضوع الشيء الذي أثمر اعتماد التعددية وتحرير التأليف وإطلاق باب المنافسة. وهكذا جاء في المجال الثالث الخاص بجودة التربية والتكوين/ الدعامة السابعة المخصصة لمراجعة البرامج والمناهج والكتب المدرسية والوسائط التعليمية من الميثاق الوطني للتربية والتكوين وتحديدا في المادة 108 حول الكتب المدرسية والوسائط التعليمية ما يلي: " -اعتبارا لكون سلطات التربية والتكوين مسؤولة عن تحديد مواصفات التخرج والأهداف العامة والمراحل الرئيسية لتدرج المناهج والبرامج المدرسية، فإن اللجنة المشار إليها في المادة 107 أعلاه تشرف على إنتاج الكتب المدرسية والمعينات البيداغوجية وفق مقتضيات المنافسة الشفافة بين المؤلفين والمبدعين والناشرين, على أساس دفاتر تحملات دقيقة مع اعتماد مبدأ تعددية المراجع ووسائل الدعم المدرسي." وهكذا، فتح الميثاق الباب واسعا نحو التعدد والمنافسة. وفسح المجال للإنتقال من أحادية النظرة المهيمنة على الكتاب، إلى فضاء التنوع والتعدد، وانعكس ذلك على مناقشات لجن إعداد الكتاب الأبيض، وعلى تصورات الوزارة واستراتيجيتها في إعداد دفاتر التحملات، وحوارها مع الناشرين، وتشكيل اللجن الفارزة، كما انعكس ذلك على عمل اللجنة الدائمة لمراجعة البرامج والملاءمة التي عنيت بالمناهج والبرامج والكتب المدرسية قبل إيقاف العمل بهذه اللجنة الهامة سنة 2007. وانطلقت التجربة العملية ليلتحق المغرب في هذا المجال بكوكبة الدول الرائدة في التأليف المدرسي المتعدد، الذي يعكس في العمق رغبة في التجاوب مع روح العصر، الداعية إلى تعزيز الانفتاح على قيم التعدد والاختلاف؛ وتعزيز فرص التنافسية، وتوسيع فرص الجودة. والعائد إلى الكتب الصادرة في سياق التعدد يقف على نماذج متقدمة شكلا ومضمونا مما يدل على صواب هذا الاختيار وانعكاسه الإيجابي على جودة المنتوج شكلا ومضمونا. ناهيك عن ان التعدد يتيح للمدرس إمكانية الاختيار من حيث المبدا ويمكّن التلميذ من فرص متنوعة لتناول مفردات المقرر بمقاربات مختلفة إذا أسعفته إمكانياته باقتناء كل الكتب المقررة في مستواه الدراسي. علما أن إمكانيات الاستفادة من كل الكتب المقررة في نفس المادة ونفس المستوى الدراسي متاحة للأستاذ وتمكنه من توسيع أفق تجربته المهنية. فالتعددية – إذن -جاءت لخدمة التلميذ والأستاذ على السواء. ومما يسجل لهذه التجربة أنها أثمرت العديد من الإنجازات الهامة منها بروز فكرة هامة تتعلق بإسناد كتاب التلميذ بكتاب المدرس وهي تجربة مهمة لم تتطور بالشكل والقدر الكافيين رغم قيمتها البيداغوجية العالية. التعدد ومنطق العصر يتضح مما سبق أن المسوغات التي اعتمدت وتعتمد حاليا في التشبث بتعددية الكتاب المدرسي كثيرة ومتعددة ومتشعبة، فبالإضافة إلى المسوغات التربوية والبيداغوجية السابقة، نضيف أن الزمن الذي نعيشه زمن التعدد والايمان بالاختلاف والتنافسية، ففي علوم التربية وتطبيقاتها أصبح الحديث جاريا عن : تعدد المقاربات التربوية والبيداغوجية وتعدد الفصول وخصوصيات فئاتها المستهدفة وتعدد الذكاءات التي تستلزم التكيف مع حاجاتها، وتعدد مناخات التدريس، فضلا عن تعدد المواد والتخصصات وتعدد الممارسات التربوية، حتى إن التجارب الدولية أضحت تكيف المعارف والمهارات بحسب حاجات المتعلمين والجماعات والجهات، وهو ما يبرر التوجه نحو إقرار نسبة من المناهج المحلية والجهوية. أضف إلى ذلك أن اختيار التعددية يلتقي مع منطق العصر والتحولات الجارفة التي لم تعد تستسيغ النظرات الأحادية، فالعصر عصر التفتح والانفتاح وعصر التنافسية المفتوحة بما لها وما عليها. وأخيرا فإن التعددية تلتقي مع طبيعة الممارسة التربوية المؤمنة حتما باختلاف وتعدد الحاجات الفعلية للمتعلمين باعتبارهم قطب الرحى، وهو ما يسهم في كون التعدد يتيح إمكانيات واسعة لتنمية وتطوير المقاربات البيداغوجية وتجديدها. تعدد الكتاب وإشكالية الاختيار قد سبق التأكيد، في غير ما موضع، على أن أهم وأبرز مسوغات اعتماد تعددية الكتاب المدرسي إنما تكمن في ضرورة التجاوب مع الحاجات المتنوعة للفئات المستهدفة من التلميذات والتلاميذ. وإتاحة الفرص لتنمية المقاربات البيداغوجية الداعمة للملاءمة والجودة. ولهذا فإن اختيار الكتاب حق اصيل يرجع إلى المدرس وحده ووحده فقط، لأنه الأقرب إلى التلاميذ والأعرف بحاجاتهم والأقدر على اختيار الوسائط التعليمية الملائمة لهم ولقدراتهم. بل إن من واجب المدرس أن يحرص أشد ما يكون الحرص على اختيار الكتاب الملائم لتلاميذه، والتنويع حتى بين الأقسام المسندة إليه من نفس المستوى. غير أن هذا الحق الأصيل سلب من الأستاذ في تجربتنا مما أعابها وأصابها في الصميم، فتم فرض توزيع للكتب من الوزارة وطبقته الأكاديميات والنيابات بعيداً عن روح التعددية وخلفياتها وتم، بذلك، قتل منطق المنافسة والتعدد بضغط من الناشرين وبالتالي تم للأسف السقوط في منطق الوزيعة واستبعاد المنافسة الشريفة، بل تم استبعاد الأهم وهو مراعاة حاجات المتعلم ؟؟؟ والأمل في أن يقع تصحيح هذه الهفوة القاتلة في الأجيال القادمة من الكتاب المتعدد، خدمة للتلميذ أولا وأخيرا. والرجوع إلى منطق العصر لتعميق التعددية وتوسيع دائرة الاختيار وتعزيز التنافسية بين الناشرين والبقاء للأصلح مع مراقبة ومواكبة الإدارة الوصية. على سبيل الختام إذا كان اعتماد الكتاب المدرسي في مدرستنا خيارًا مهما يلتقي مع العديد من المسوغات التربوية والبيداغوجية الحديثة والمتطورة، في تجاوب تام مع روح العصر ومستلزماته، فإن سفن التراجع الى الأحادية قد أحرقت بالكامل ولم يعد أمام المنظومة التربوية المغربية إلا البحث عما يحسن هذا الاختيار ويعزز التنافسية ويذهب بمنطق التعددية إلى مداه. ليتسنى جني ثماره المعطاء. وفي نفس السياق سيكون من الضروري مراعاة منطق وآليات التكامل مع ما تتيحه التكنولوجيات الحديثة ووسائل وقنوات التواصل المتعددة التي أصبحت تحاصر التلميذ من كافة الزوايا والواجهات. ولا شك أن هذا التوجه سيعزز بقوة كافة مشاريع الإصلاح النسقي الذي ننشده. *مفتش سابق ومدير أكاديمية