في خضمّ الإكراهات والتحدّيات التي يواجهها الإعلام في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة في ما يتعلق بالعلاقة بين الفاعل الإعلامي والفاعل السياسي، سلط مجموعة من الخبراء في مجال الإعلام الأضواء على هذه التحديات والإكراهات، وقدموا بعض مقترحات الحلول لتجاوزها؛ وذلك في مؤتمر نظمه منتدى البدائل العربي للدراسات والمعهد السويدي بالإسكندرية وأكاديمية الشباب العربية الألمانية للعلوم والإنسانيات، بالعاصمة اللبنانية بيروت. واستأثر الصعود المتنامي للإعلام الرقمي ومنافسته للصحافة الورقية بحيّز كبير من مداخلات المشاركين في جلسات اليوم الأوّل من المؤتمر، المنظم تحت شعار "إصلاح الإعلام: المهنية والمأسسة"؛ فقد تساءلوا حول مدى قدرة الصحف الورقية على الصمود أمامه، خاصّة في ظلّ ازدياد حصص الدعاية التي يستفيد منها، مقارنة مع الصحافة الورقية، التي اختفى عدد منها، وتحوّلت إلى صحف رقمية، بما في ذلك الصحف العالمية الشهيرة، كالإندبندت البريطانية بيع بركات، الصحافي السابق بصحيفة "السفير" اللبنانية التي أغلقت أواخر السنة الماضية، اعتبر أنّه من الصعب الحديث عن طيّ صفحة الصحف الورقية، حاليا، على اعتبار أنّ هذه الأخيرة تخلق رديفا لها، بإنشاء مواقعَ إلكترونية؛ غير أنّه أكّد أنّ الأنترنيت هو الذي يمثّل مستقبل الصحافة، في ظلّ الميْل المضطرد إلى الفضاء الرقمي باعتباره مصدرا للمعلومة في عصْر سمته الأساسية السرعة في نقل الأخبار وتلقيها استدلَّ بركات بأرقام صادرة عن معهد رويترز التابع لجامعة أكسفوردالأمريكية، والتي كشفت أنّ الاعتماد على المطبوعات الورقية كمصدر للأخبار من بين وسائل الإعلام المتوفرة، لدى الفئة العمرية التي تتجاوز 55 سنة، لا تتعدّى نسبة 12 في المائة، في حين تنخفض هذه النسبة إلى 6 في المائة فقط لدى الشريحة العمرية بين 12 و34 سنة، مشيرا إلى أنّ المنصات الإلكترونية تمثل مصدرا للمعلومة بنسبة 64 في المائة لدى الشباب من الفئة العمرية ما بين 18 و34 سنة. وفي الوقت الذي يتزايد فيه عدد الصحف الورقية التي أسدل الستار على مشوارها، تُحاول أخرى إحداث توازن في ماليتها لتتمكن من الاستمرار، عبر تسريح صحافييها وموظفيها، كما هو الحال بالنسبة إلى صحيفة الكارديان البريطانية، التي سرّحت 310 موظفين خلال سنة 2016، فإنّ خيار اللجوء إلى الفضاء الرقمي يظلُّ بطوق نجاة؛ فصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، مثلا، خسرتْ 16 في المائة من عائدات الإعلانات في نسختها الورقية، وفي المقابل رفعتْ حجم عائدات نسختها الرقمية بنسبة 9 في المائة، بمجموع مداخيل وصل إلى 500 مليون دولار، حسب الأرقام التي قدمها بركات. في الإطار ذاته، قدمت حنان بدر، الأستاذة بجامعة كلية الإعلام القاهرة وجامعة برلين الحرة، أرقاما حول الأزمة التي تتخبط فيها الصحافة الورقية؛ ففي ألمانيا كانت مداخيل الصحف من الإعلانات تمثل 64 في المائة من مجموع إيراداتها، لتتراجع، منذ سنة 2011 إلى 48 في المائة. وأشارت المتحدثة إلى مظهر آخر من مظاهر أزمة الصحافة الورقية، ويتعلق بتفادي الصحف تشغيل صحافيين ثابتين، والاكتفاء بالصحافيين المتعاونين، أو الفريلانس، والذين أصبحوا يمثلون ما بين 38 و40 في المائة من مجموع الصحافيين العاملين في المؤسسات الإعلامية بألمانيا. وإذا كانت الصحافة الورقية ذات الانتشار الواسع في الدول الغربية المتقدمة تعرف تراجعا في مبيعاتها، فإنّ وضع الصحافة الورقية في العالم العربي، تقول الخبيرة الإعلامية المصرية، "أسوأ بكثير"، مشيرة إلى أنّ دخول التكنولوجيا الحديثة صعّب مأمورية الصحافة الورقية؛ ذلك أنّه أضحى مستحيلا أن تنفرد الصحيفة الورقية بنشر خبر لم يسبقها إليه موقع إلكتروني. من جهة أخرى، تطرّق المشاركون في الجلسة الأولى لمؤتمر البدائل العربي للدراسات إلى مسألة الموضوعية والمصداقية في الصحافة العربية. وفي هذا الإطار، قالت حنان بدر إنّ الصحافة في العالم العربي لم تعُد تتحرّى الدقّة والتحقق في نشر الخبر، كما كان عليه الأمر في السابق. وقال عمر الشوبكي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إنّ مسألة الموضوعية في الصحافة العربية أضحت إشكالا حقيقيا، "حيث وصلنا إلى درجة التلاعب في الأشياء التي هي بدهيات وحقائق، وأضحى الخبر يتلوّن، حسب الخط التحريري لكل صحيفة". موضوع استقلالية الصحافة في العالم العربي كان من بين النقط التي تطرق إليها المشاركون في المؤتمر، إذ اعتبرت حنان بدر أنّ الأنظمة السياسية العربية "لا تترك الصحافة تمارس عملها بحرية، ولا تتركها تتطور بشكل مستقل". وسار هشام قاسم، الناشر والخبير الإعلامي المصري، في المنحى ذاته، بقوله "إنّ المطلوب اليوم هو تحرير الصحافة من سيطرة الأنظمة السياسية، ومن قبضة رجال الأعمال".