في خطوة لافتة، فتحت الدولة الباب على مصراعيه أمام عدد من معتقلي "السلفية الجهادية" السابقين، ممن أدينوا تحت طائلة قانون مكافحة الإرهاب، للعودة إلى السجون ك"دعاة" ومحاضرين في التأهيل الروحي ومواضيع تتعلق بالتصوف والوسطية والرد على شبهات الغلو والتطرف. وانطلقت بالسجن المحلي "راس الماء" بمدينة فاس، أمس، فعاليات الجامعة الخريفية بالسجون في نسختها الثالثة، تحت إشراف المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وبتنسيق مع الرابطة المحمدية للعلماء والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى جانب خبراء آخرين، وهي الخطوة التي تأتي في سياق برنامج "مصالحة" الذي باشرته الجهات المذكورة منذ سنة ونصف لفائدة معتقلي التطرف والإرهاب. وعلمت هسبريس أن الجامعة، التي تدوم ليومين اثنين، اختارت لها المندوبية موضوع "التأهيل الروحي للسجناء: أي دور في تحصين الذات وتغذية الروح؟"، وأن الجهات المنظمة خصصت ورشات سيقدمها عدد من معتقلي "السلفية الجهادية" التائبين، الذين أعلنوا عن مراجعاتهم للفكر المتطرف ممن لا يزالون في السجون، إلى جانب معتقل نال عفوا ملكيا بمناسبة عيد العرش الأخير. الورشات التي سيلتقي خلالها "السلفيون التائبون" بنظرائهم من المعتقلين ضمن قضايا الإرهاب والتطرف، ستكون بمثابة مناظرات يطرح فيها "الدعاة الجدد" داخل السجون قضايا حارقة ومثيرة للجدل الفكري والفقهي والديني، من قبيل "علاقة الفكر المتطرف والجريمة المنظمة"، و"التعاقد في البلدان الأجنبية"، و"الوسطية والاعتدال في مواجهة الغلو والتطرف". وتقول المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج إن الورشات المعنية سيؤطرها معتقلون استفادوا من برنامج "مصالحة" وأبانوا خلال مسارهم التعليمي داخل المؤسسة السجنية "عن جدية وانضباط ورغبة جامحة في التحصيل"، موضحة أن الموعد المنعقد في سجن "راس الماء" بفاس سيشكل "مناسبة لتمثل نظرائهم من السجناء بصفاتهم ونهج نفس مسارهم التعليمي". في سياق ذلك، قال محمد صالح التامك، المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج، إن اختيار موضوع "التأهيل الروحي" للجامعة الخريفية "يستحضر التجاذبات الرائجة حول مقاربة الشأن الديني في الحياة المجتمعية وما يتصل بذلك من إشكاليات على مستوى تطوير العلاقات الاجتماعية والإنسانية على أسس الاختلاف البناء والتعايش السلمي والفهم المتبادل"، مضيفا أنه "يستمد راهنيته ووجاهته من خطورة المشاكل الناتجة عن تنامي التطرف العنيف في مجتمعاتنا". التامك، الذي كان يتحدث في افتتاح الجامعة الخريفية، أورد أن تنامي التطرف "يدعو إلى التساؤل عن المنهج الواجب إتباعه في مكافحته وإشاعة التسامح والفكر المتنور واختراق التصلب الواقع في الذهن الجماعي والفردي للعديد من المتطرفين"، مشيرا إلى أنها "معركة تستلزم التسلح بالثقافة والعلم، وبالقيم المجتمعية الكونية كمرجعية أساسية في تأويل النصوص الدينية وإعمالها كرقابة أو منهج للسلوك في مجتمعاتنا الحديثة". ويتضمن برنامج الجامعة الخريفية خمس ندوات؛ أهمها "التأهيل الروحي تحصين للذات ضد التطرف"، من تأطير أحمد العبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، و"التصوف الإسلامي وعولمة الاسلام" للأكاديمي والباحث السوسيولوجي محمد الطوزي، في حين سيؤطر الخبير في مجال التطرف المصطفى الرزرازي ندوة "الأمن الروحي في المجتمع – المبادئ والآليات والأهداف". الجانب النسوي سيكون حاضرا في الملتقى السجني من خلال ورشة "دور المرأة في التأهيل الروحي والعمل الاجتماعي"، تؤطرها فريدة زمرد، أستاذة بدار الحديث الحسنية. ويتضمن البرنامج أيضا ورشات وندوات أخرى تتمحور حول قضايا "تجليات المنهج الصوفي في الأدب والفنون"، و"مفهوم الجهاد والتضحية في نشر الدين -نشر الإسلام في إفريقيا نموذجا"، و"قراءة في الخطاب الشعري الصوفي".