ألمانيا تدعم الشراكة الاستراتيجية والمتعددة الأبعاد والمتميزة مع المغرب بعد قرار العدل الأوربية    بوريطة يجري مباحثات مع وفد جنوب إفريقي من المؤتمر الوطني الإفريقي        أخنوش: ارتفاع مداخيل جماعة أكادير بنسبة 50% خلال ثلاث سنوات    ألمانيا ترد على أحكام محكمة العدل الأوروبية: العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تتسم بالاستمرارية والتوسع    المغرب و البرتغال يصدران طابعين بريديين احتفاء بالعلاقات التاريخية    بورصة الدارالبيضاء تستهل تداولاتها على وقع الارتفاع    وقفة احتجاجية لأرباب المخابز الأسبوع القادم بالرباط    المغرب.. نمو الاقتصاد بنسبة 2,8 في المائة خلال الفصل الثالث من 2024    الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال أحد قادة حزب الله بغارة دقيقة    الجيش الإسرائيلي يعلن بدء عمليات ضد حزب الله في جنوب غرب لبنان    ماسك يؤكد تأييد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية    المنتخب الوطني يخوض أول حصة تدريبية استعدادا لملاقاة إفريقيا الوسطى    تنبيه من العصبة الوطنية لكرة القدم الاحترافية    مباريات مشوقة في الجولة الثالثة من منافسات كأس التميز    براهيم دياز يعود لتدريبات ريال مدريد    الرجاء الرياضي يتعاقد مع البرتغالي سابينتو لقيادة الفريق خلفًا للبوسني سفيكو    أقسام بدون أساتذة يضع عدد من المؤسسات على صفيح ساخن بالجديدة ومطالب لمدير الأكاديمية الجهوية بالتدخل    طقس الثلاثاء.. نزول أمطار ضعيفة وسحب ببعض مناطق المملكة    معزوز يستعرض حصيلة نصف الولاية الانتدابية لمجلس جهة الدار البيضاء سطات    مرتيل: المجلس الجماعي يصادق على الميزانية التعديلية لسنة 2024 في الجلسة الأولى لدورة أكتوبر    نجمة "الغوسبل" سيسي هيوستن تغادر دنيا الناس عن 91 عاما        قطاع الانتقال الطاقي سيحدث أزيد من 400 ألف منصب شغل بحلول سنة 2040    مسيرة حاشدة بمكناس تنديدًا باستمرار حرب الإبادة في غزة والعدوان على لبنان    إدارة سجن العرجات توضح حقيقة تعرض محمد زيان لنوبات قلبية    كيوسك الثلاثاء | المغرب يتفوق على الدول المغاربية في البنية التحتية ويتقدم 6 درجات عالميا    تراجع طفيف لأسعار النفط بعد بلوغها أعلى مستوى في أكثر من شهر    المملكة العربية السعودية تجدد تأكيد دعمها لمبادرة الحكم الذاتي وللوحدة الترابية للمغرب    اختراع نبات صناعي يولد الكهرباء لشحن الهاتف    أنقرة تتحرك لإجلاء الأتراك من لبنان    النفط يرتفع لأكثر من 80 دولارا للبرميل مدفوعا بالتوترات في الشرق الأوسط    القضاء يلزم "غوغل" بفتح المتجر الإلكتروني أمام المنافسة    الرجاء يتفق مع المدرب البرتغالي سابينتو    تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"    تطوان تحيي ذكرى 7 أكتوبر بالدعوة إلى التراجع عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل    الرئيس التونسي قيس سعيد يخلف نفسه بعد فوزه بأكثر من 90% من الاصوات    إقصائيات كأس إفريقيا 2025.. الركراكي يوجه الدعوة للاعب "الرجاء" بالعامري مكان مزراوي المصاب    الرجاء والجيش الملكي في مجموعة واحدة بدوري أبطال إفريقيا    النادي السينمائي لسيدي عثمان ينظم مهرجانه ال10 بالبيضاء    زهير زائر يعرض "زائر واحد زائر مشكل" بالدار البيضاء ومدن أخرى    تعليقاً على قرار محكمة العدل الأوروبية، وما بعده!!    اسئلة وملاحظات على هامش قرار المحكمة الاوروبية    المنتدى العربي للفكر في دورته 11    اغتيال حسن نصر الله.. قراءة في التوقيت و التصعيد و التداعيات    أهمية التشخيص المبكر لفشل أو قصور وظيفة القلب    جائزة نوبل للطب تختار عالمين أمريكيين هذه السنة    جائزة كتارا تختار الروائي المغربي التهامي الوزاني شخصية العام    بنحدو يصدر ديوانا في شعر الملحون    رواندا تطلق حملة تطعيم واسعة ضد فيروس "ماربورغ" القاتل    معاناة 40 بالمائة من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050 (دراسة)    دراسة تكشف معاناة 40 % من أطفال العالم من قصر النظر بحلول 2050    تسجيل حالة إصابة جديدة ب"كوفيد-19″    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبادة مسلمي بورما ومؤشرات انهيار العالم الإسلامي
نشر في هسبريس يوم 11 - 09 - 2017

قد يبدو هذا العنوان مبالغا فيه للبعض ومستفزا للبعض الآخر من القراء الكرام، بيد أن قراءة التاريخ تُفصح لنا عن قوانين حتمية، متى توافرت أفرزت نتائج حتمية، الأمر أشبه بحتمية تبخر الماء متى بلغت درجة غليانه المائة، وما ينجزه المخطط الصهيو\إمبريالي من استهداف وتدمير دول العالم الإسلامي هو حقيقة واضحة تؤكد أن الهوية الإسلامية توجد فوق صفيح ساخن نحو المائة درجة وبالتالي تبخر ما يُسمى بالعالم الإسلامي، وتعرضه مستقبلا لمختلف أشكال العنف من حروب طائفية وأهلية واستعمارية وإبادات وعبودية.. القادم مُفجع يدعمه التخلف الشامل لمعظم الدول االإسلامية التي تعاني أغلب شعوبها من استبداد سياسي تُبارٍكه القوى العالمية لكونه يحقق ويحمي مصالحها الراهنة والمستقبلية.
يخربون بيوتهم بأيديهم
والخطير أن يتكلف المسلمون بتخريب بيوتهم بأيديهم وخذلان الشعوب الفقيرة الجائعة التي تذبح جهارا نهارا، وتكفي مشاهدة الخراب في اليمن وسوريا وليبيا والعراق والسودان والصومال ومآسي الكثير من الدول الإسلامية بدءا من تراجيديا فلسطين، مرورا بتصفية الأقلية المسلمة في إفريقيا الوسطى (رحم الله الجنود المغاربة شهداء الواجب الإنساني والوطني الذين اغتالتهم الميليشيات المسيحية هناك) وصولا إلى مشاهد الإبادة الجماعية للمسلمين في بورما..
أمريكا خط أحمر
الفيلم الأمريكي "رامبو 4" يُصوِّر مجازر الظلم العسكري الوحشي في بورما الذي يقتل الأطفال الأبرياء والشباب والمُسنين من الرجال والنساء على حد سواء، وتصل الجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها الميليشيات البودية قمة الهمجية بإحراق الضحايا، ومن بينهم مجموعة من دعاة التبشير المسيحية الغربية، وهنا ستعاقب أمريكا القتلة البورميين إذ لا مجال للعبث مع حياة المواطن الأمريكي أو المنظمات الأمريكية، إنها خط أحمر.
هكذا سيقوم "رامبو" معية فريقه بتصفية الذين تطاولوا على البعثة المسيحية، فما دمت تقتل المسلمين أو تُنكِّلُ بهم لا مشكل يواجهك أمام أمريكا والمنتظم الدولي، لكن حذار من العبث مع معيار الإنسانية الأمريكي الذي يستثني الإنسان المسلم من انتمائه إلى الدائرة الإنسانية، وهذا ما يجعلنا نتحدث عن أمركة القيم الإنسانية، فمفاهيم الحق والحقيقة والعدل والعدالة والسلم والسلام والصدق والصداقة.. حسب الفهم الأمريكي تنبع من تغليب المصلحة والنفعية والبراغماتية والفيلم هو مجرد ورقة "دعائية" استباقية تستخدمها أمريكا لتخويف الدول القاصرة، والتي تعاني من العمى أو قِصر بعد النظر، وهو ما لم تُعِرْه الطفلة المدللة للصين "كوريا الشمالية" أدني اعتبار، لأنها دولة تستثمر مواردها في بناء قُدراتها لا تخريب ركائزها.
إني رأيت أحد عشر كوكبا
قصيدة "أحد عشر كوكبا" التي تنْزِفُ بفائض المعنى.. وتجْترِحُها الانزياحات الدلالية والخرق الناعم للغة الشعرية.. بشاعرية دافقة تنساب زخّاتٍ من جُرحِ شاعر الفسفة وفيلسوف الشعر محمود درويش.. هي رثاء سياسي للمشهد القبائلي العربي للإخوة الأعداء، الذين يعيشون حالة من العمى السياسي التاريخي، ويستعير درويش سقوط الأندلس وقصة "إخوة يوسف" للتأكيد على أن تراجيديا الإخوة هي من صنيعِهم، وتقليص منسوبِ ضجيج خطاب نظرية المؤامرات.. صراع الإخوة الذي لا ينتهي هو الذي أفضى إلى سقوط الأندلس،فلسطين،العراق، اليمن، سوريا، الصومال، الروهينجا والبقية تأتي...
- يَئِنُّ محمود درويش في "أحد عشر كوكبا" :
"كَيْفَ أَكْتُبُ فَوْقَ السَّحابِ وَصِيَّةَ أَهْلي؟
وأهْلي يتركون الزمان كما يتركون معاطِفهم في البيوت..
وأهلي كُلما شيّدوا قلعة هدموها لكي يرفعوا فوقها خيمةً للحنينِ.. إلى أوَّلِ النخل..
أهْلي يَخونون أهْلي.. في حروب الدفاع عن المِلح.."
المشهد السياسي يعيد نفسه في حركةٍ سيزيفيةٍ لا تنتهي، تُفصِح عن "قصور" العقل السياسي بالمعنى الكانطي للقُصور، الناتج عن المخاوف الوهمية والأنانية النرجسية، وبالتالي عدم القدرة على الاستخدام السليم العقل، والسقوط في المزيد من التشرذم والتشظي والتفتُّت والتّشتُّت..
- ماذا ربح "إخوة يوسف" بتحالفهم ضد العراق، وضد سوريا، وضد ليبيا، وضد اليمن وضد....
- ماذا ربح "إخوة يوسف" بوأدهم لأختهم الصومال؟؟؟
- ماذا ربح "إخوة يوسف" بصم آذانهم وخذلانهم لمسلمي الروهينجا وهم يقتلون بهمجية ويحرقون بالنار ذات الوقود وهم عليها شهود؟ أليست هي نفس قصة مجزرة أصحاب الأخدود؟؟
- هل أصبحت هذه "الأندلسيات" بعد تدميرها أكثر رخاء؟ أكثر قوة؟ أكثر سعادة؟؟؟
يضيف درويش:
"وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت الأندلس هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في القصيدة؟"
وأستعير منه القصيد، لأقول:
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت العراق هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت سوريا هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت اليمن هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت الروهينجا هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كُنّا هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
المشهد السياسي هو تراجيديا الاغتراب بامتياز، مرارة الغربة في الوطن الكبير، حيث تنمو خريطة التّبعثُر والتعثُّر والفُقْدان وحصاد الخسائر المُفجعة، يتنهّد درويش بمرارة:
"مَرَّ الغَريبُ
حَامِلاً سَبْعَمائَةِ عامٍ مِنَ الْخَيْلِ..
مَرَّ الْغَريبُ هَهُنا، كيْ يَمْرَّ الْغَريبُ هناك..
سَأخرُجُ بَعْدَ قَليل مِنْ تَجاعيدِ وَقتي.. غَريباً عَنِ الشَّامِ وَالأَنْدَلُسْ
هذهِ الأَرضُ لَيْستْ سَمائي، ولَكِنَّ هذا الْمَساءُ مَسائي
وَالمفاتيحَ لي، وَالْمآذِنَ لي، وَالْمصَابيحَ لي،
وأَنا لِيَ أيْضاً..
أَنا آدَمُ الْجَنَّتَيْنِ، فَقدتُهُما مَرَّتَينْ.."
العالم الإسلامي والاستبداد السياسي
حين أتأمل وضع وطننا الكبير بين الغنى الطبيعي والثقافي والبشري، ومستوى التخلُّف والعنف والاستبداد والفساد وتحويل الشعوب إلى قطيع من العبيد في جل دول العالم الإسلامي، وهي ممارسات معاكِسَة لغايات الممارسة السياسية الذكية، التي تنبني وتراهن على تنمية وتقوية الموارد البشرية وصناعة العباقرة والمفكرين والمبدعين، القادرين على القيام بالدراسات المستقبلية وبلورة "المشاريع الاجتماعية" لا إنتاج العبيد والمنبطحين والانتهازيين ووقطعان الأغنام والضباع والذئاب..
تراجيديا أندلسيات سوريا، ليبيا، اليمن، الروهينجا.. بمشاهد الجوع والعطش والشقاء والدماء.. واللاجئين والاغتصاب وانتشار الأمراض والأوبئة وفتك الموت بآلاف الأبرياء.. حتما سيُخلف جراحات لن تندمل بسهولة، وعدم التبصر بمآلات "التضليل الإعلامي" التي لا تنتهي، والتي يُعمِّقُها إعلام "سوق عكاظ"، حيث صارت بعض وسائل الإعلام العربي إلى سوق نخاسة، سوق لا يهمُّها إلا الربح المادي، ولو على حساب رمي"يوسف" في البئر، وبيعه بدراهم معدودة.. وتضليل الرأي العام، وهذا الإعلام الموجه يُصبِحُ طرفا خطيرا في الأزمات .. ففي الوقت الذي يجب أن يتجند "لتعفن جثث مسلمي الروهينجا" يركز على "تعفن لحوم أضاحي العيد".. وبدل أن يكون شريكا في تنوير الرأي العام، بمأساة إبادة يومية للمسلمين من طرف حكومة بورما والبوديين.. يقدم سهرات راقصة وكوميديا رديئة..
الإعلام الأصفر وصناعة العمى
الإعلام المستقل والنزيه ينأى بنفسه عن السقوط الفج، وتخدير الجماهير، وهذا يحول دون قيام الإعلام بدوره في التنوير بالحقيقة، وإسماع صوت الشعوب ودق نواقيس الخطر قبل قدوم العاصفة وحدوث الكارثة، إنه إعلام نشر "العمى" كما هو الحال في رواية الروائي البرتغالي خوصيه سراماغو، الذي استعار "العمى" كدلالة على انتقال عدوى عمى انهيار القيم.
هذا ما تقوم به الكثير من القنوات الفضائية العربية، فإلى جانب وظيفتها المركزية المتمثلة في إلهاء الجماهير وتسطيح وعيها، تقوم بتعميق الصراع بين "الإخوة" في الوقت الذي يجب عليها التعريف بأوطاننا ومدننا وأريافنا وثرواتنا وعاداتنا، وتربية المواطنين على قيم التحاور والتسامح والتعايش والتضامن.. وتقوية الروابط بين ربوع وطننا الكبير، الذي تعرفنا على الكثير من مدنه وقُراه للأسف، وهي تنهار كالموصل في العراق، وحلب في سوريا، والزنتان في ليبيا، والروهينجا في بورما والقائمة طويلة، والمحزن أن الإعلام الأصفر هو إعلام الارتزاق والتضليل، وليس إعلام مواقف، والمثال واضح بالنسبة لمأساة مسلمي الروهينجا التي تعود مجازر البوديين لها منذ ثلاثينيات القرن الماضي منذ الاستعمار البريطاني لبورما الذي وضع خطة لإبادة المسلمين مازالت تنفذ إلى اليوم، وهي قضايا إنسانية لا تهتم بها صحافة السخافة إلا من باب الاستقطاب الجماهيري.
العالم الإسلامي الرجل المريض والبقرة الحلوب
الوضع العالمي شديد التشابك والتعقيد، تُصنع فيه الأزمات والحروب لبيع الأسلحة وابتزاز الدول التي تتميز بالغنى الطبيعي والفشل الديمقراطي، والقوى العالمية تريد للعالم الإسلامي أن يصبح رجلا مريضا مشلولا حافيا عاريا، لُقمة صائغة إذا أراد أن يكون ليس من المغضوب عليهم ولا من الضالين المارقين، وهذه القوى الإمبريالية يجيبها الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته "لا تصالِح" مع انتقائي للأبيات الشعرية التي تُقدِّم توصيفا للأخُوّةِ العربية:
أتَرى حين أفْقأُ عيْنَيك..
ثمَّ أُثبِّتُ جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشْترى
إن سهما أتاني من الخَلْف..
سوف يجيئُك من ألف خلْف..
ما أكثر فواجع العالم الإسلامي، قصف وقتل المدنيين ومشاهد أشلاء الأطفال الأبرياء في اليمن في سوريا في بورما.. وملايين اللاجئين والأرامل واليتامى.. بينما الدول الإسلامية الغنية تتسابق نحو التسلح لشن الحرب على أشقائها وشعوبها.. وتقديم الهدايا بملايير الدولارات إلى أمريكا وروسيا وأباطرة الأمبريالية العالمية، وخذلان الشعوب الإسلامية الفقيرة..
الحلم المستحيل
أن تكون السعودية دولة قوية، والإمارات وقطر والعراق وسوريا ومصر والمغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وتركيا وكل دول العالم الإسلامي، هو حلم المسلمين الكبير، دول متحدة وديمقراطية، بأحلاف عسكرية قوية، تخلق لها هيبة عالمية، وتصون الحقوق والحريات العامة، وتُشجّع البحث العلمي، وهذا هو الطريق الصحيح للتقدم والتنمية والاستقرار،لا تحويل دول إسلامية إلى خراب وأعشاش يسكنها البوم، وبعضها إلى "مُركَّبات سياحية" والاعتقاد الوهمي أن بناء بعض الأبراج العاجية والفنادق والمطاعم والأسواق الممتازة، هو انتقال إلى دول الحداثة، مع تكريس منطق القبيلة وجلد المعارضين، وشن الحروب على الأشقاء..
الحداثة ليست مجرد بنى تحتية (دون إنكار أهميتها) وطائرات ومطارات وسيارات رباعية الدفع ويخوت فاخرة، وكل ما ينضوي في خانة التقنية، التي هي مظاهر للتحديث، أما الحداثة فهي توأمة الديمقراطية.
هكذا فالكيان الاستعماري الإسرائيلي بناء على هذا التصور، هو كيان يتعامل بديمقراطية مع أبناء جلدته، يسمح للمعارضة بانتقاده، دون تصفيتها جسديا أو سحق حرية التعبير حتى تُجاه اليهود الذين ينعتون الكيان الإسرائيلي بالمحتل الصهيوني، لأن إسرائيل تعي جيدا أن تصفية الجسد سيمنح الفكرة المُعارضة أنصارا كُثْرا، وتكميم الأفواه سيدفع المعارضين اليهود إلى البحث عن الحقيقة، ناهيك عن إفرازات قمع حرية التعبير المتمثلة في الإضرار بالتماسك والانسجام والتوافق الاجتماعي، وانهيار المشروع المجتمعي، وهذا حال وطننا الكبير جرّاء سيادة العمى السياسي.
حين يقود الأعمى أعمى
هذا يذكرني باللوحة الرائعة للرسام الهولندي بيتر بروغل المعروفة ب "أعمى يقود أعمى" والتي رسمها سنة 1568م، تُجسّدُ الواقع السياسي العربي بامتياز، حيث يقود العمى بعض القادة المصابين بعمى الألوان وعدم القدرة على التمييز بين الأصدقاء والأعداء، نتيجة ضبابية رؤية عقلهم السياسي وتخبطهم الهيستيري إلى اتخاذ قرارات ستُفضي إلى نفس مصير العُميان في لوحة الرسام بروغل، الذين سقطوا تِباعًا في المُنحدر السّحيق لأنهم أوكلوا قيادتهم إلى شخص أعمى، والخطير أن يصبح "العمى الأخلاقي" معيارا للعلاقات والتحالفات الدولية في زمن "القانون الأعمى" حيث يفرض العَمى الجمْعي على الأقلية المُبصِرة أن تتغاضى عن جرائم الكيان الإسرائيلي ومجازر البوديين ضد المسلمين في بورما، عليك ألا تكون مُبصِرا، إذا أردت أن تحيا في "أرض العميان" أرض رواية الكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز، وإلا فإن أصحاب القرار في أرض العميان سيُخْضِعون المُبصِر لعملية اقتلاع العينين، سيما إذا كان رائيا راويا لمرئيات، رواياتها تُزعج وتزعزع مصالح أشراف وسادات القبيلة.
اليوم الواقع مؤلم والمعنى بئيس، لأن المغول المُعاصرين هم شريحة انتهازية قاصرة تستوطن العقل العربي، وتريد إسكات صوت الحكماء المنتشرين في كل ربوع هذا الوطن الشاسع..
أليس عارا؟
- أليس عارا أن تحاصَر العراق وسوريا واليمن وليبيا... بخيول المغول العربية وبأسلحة المغول الإمبريالية؟؟؟
- أليس عارا أن تدمر الصومال وأن ينهش الجوع والألم والخوف والموت شعبها؟
- أليس عارا أن تدمر سوريا وأن ينهش الجوع والألم والخوف والموت شعبها؟
- أليس عارا أن تدمر الروهينجا وأن ينهش الجوع والألم والخوف والموت شعبها؟
إبادة مسلمي الروهينجا مقياس انهيار العالم الإسلامي
يرجع تواجد مسلمو الروهينجا في بورما إلى القرن الخامس عشر وهم أحفاد التجار المسلمين من أعراق مختلفة عربية وفارسية وتركية وصينية وهندية وبنغالية، غير أن الحكومة البورمية تعتبرهم نازحين بنغاليين قدموا إلى بورما إبان الاستعمار البريطاني، حصلت بورما على الاستقلال سنة 1948 وهي السنة التي سلمت فيها ابريطانيا دولة فلسطين هدية لليهود.
يبلغ سكان بورما 55 مليون نسمة، وانخفضت نسبة المسلمين بها 11% بسبب سنوات طويلة من التهجير والتطهير والإبادة.. ومعظم المسلمين يتواجدون بإقليم أراكان، وقد صنفت الأمم المتحدة مسلمي الروهينجا من أكثر الأقليات المضطهدة في العالم .
في سنة 1938 حين كانت بورما مستعمرة ابريطانية، قام البوديون بمساعدة الجيش البريطاني بتصفية 30 ألف من مسلمي الروهينجا، ليرتفع عدد مجزرة البوديين ضد مسلمي الروهينجا سنة 1942 إلى 100 ألف، وغداة استقلال بورما أصبح المجازر والاضطهاد وحرق النساء والأطفال وسلخ جلودهم وتقطيع أطرافهم بالسيوف دون رحمة ممارسة منتظمة أمام صمت جبان من المنتظم الدولي.
تراجيديا مسلمو الروهينجا وخذلان العالم الإسلامي لهم وهم يذبحون بهمجية من طرف البوديين.. البوديون الذين يحاول الإعلام الأمريكي أن يظهرهم بشكل ممنهج بحمائم السلام.. هذه التراجيديا هي بمثابة جهاز تقيس به الإمبريالية العالمية رد فعل العالم الإسلامي، وقد تأكدت أن الدول الإسلامية لم تعد تقوى حتى على التنديد والشجب والصراخ، وهذا أكبر مؤشر على بداية انهيار العالم الإسلامي الذي ينخره الفساد، وإمكانية عودة الاستعمار من جديد بغية توسيع القوى العالمية لمجالها الحيوي وممارسة الوصاية على الشعوب الإسلامية القاصرة.. والمبررات جاهزة أهمها محاربة الإرهاب وبناء أنظمة حكم ديمقراطية كما فعلت أمريكا ليلة دخول العراق الذي أصبح أثرا بعد عين.. ليلة سقوط غرناطة ما أشبه الأمس باليوم.
فهل يبقى العالم الإسلامي إلى 2030؟ هو موضوع المقال المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.