واشنطن تجدد الاعتراف بمغربية الصحراء.. وترامب يدعو لتسريع حل الملف في إطار الحكم الذاتي    الجزائر والعداء مع الدول المجاورة.. إلى أين؟    آرسنال يُذل ريال مدريد بثلاثية مدوية في قمة الأبطال    الجيش الملكي يهزم بيراميدز ويودع دوري أبطال إفريقيا    المنتخب المغربي في مجموعة صعبة ببطولة العالم لكرة اليد للناشئين    مراكش: البحث مع فتاة من ذوي السوابق على خلفية محتوى رقمي تحريضي وتشهيري    33 قتيلا و3059 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    أسباب الأزمة بين مالي والجزائر: الحقيقة وراء النزاع حول تينزاواتن    المغرب وكوريا الجنوبية يسرعان مفاوضات الشراكة الاقتصادية    سلطات ميناء طنجة تنفي علمها بعبور سفينة أسلحة لإسرائيل    تتويج وكالة "الاستثمارات والصادرات"    وزارة التشغيل تخرج عن صمتها وتوضح بشأن عملية الاختراق    الرباط.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الغامبي    الدولي المغربي رومان سايس يستكمل بروتوكول علاجه بالمغرب    الوزير قيوح: المغرب يعزز أمنه الجوي ويقود جهود التعاون الدولي لمواجهة التحديات في مناطق النزاع    بعد هاشتاع كلنا سلمى .. النيابة العامة تأمر بفتح تحقيق عاجل    لليوم الثاني.. مظاهرات طلابية بالمغرب دعما لغزة ورفضا للإبادة    رسوم ترامب ضد الصين ترتفع إلى 104%    توقيع اتفاقية لتعزيز تجهيزات مقرات الأمن بكل طنجة وتطوان والحسيمة    منخفض "أوليفيي" يعيد الأمطار والثلوج إلى مختلف مناطق المملكة    المصادقة بجماعة دردارة على نقاط دورة أبريل والسبيطري يؤكد منح الأولوية للمشاريع التنموية    أخبار الساحة    خطوة واحدة تفصل نهضة بركان عن نصف نهائي كأس الكاف    «طيف» لبصيرو «مائدة» العوادي يتألقان في جائزة الشيخ زايد للكتاب    في افتتاح الدورة 25 لفعاليات عيد الكتاب بتطوان: الدورة تحتفي بالأديب مالك بنونة أحد رواد القصيدة الزجلية والشعرية بتطوان    وزارة مغربية تتعرض لهجوم سيبراني من جهة جزائرية.. وتساؤلات حول الأمن الرقمي    المغرب يتصدر التحول الرقمي الإفريقي بإنشاء مركز إقليمي للذكاء الاصطناعي    الذهب يرتفع وسط الحرب التجارية العالمية وهبوط الدولار    بغلاف مالي قدره مليار درهم.. إطلاق البرنامج الوطني لدعم البحث التنموي والابتكار    شبكةCNBC : مايكروسوفت تفصل المهندسة المغربية ابتهال لرفضها التعاون مع إسرائيل    حادث يقتل 4 أشخاص قرب كلميمة    محاولة تهريب الحشيش تقود مغربيًا إلى السجن في سبتة    الشعب المغربي يخلد ذكرى الرحلتان التاريخيتان للمغفور له محمد الخامس لطنجة وتطوان يوم 9 أبريل    شهيد يدعم تقصي "استيراد المواشي"    لطيفة رأفت تعلن عن إصابتها بفيروس في العين    موازين يبدأ الكشف عن قائمة النجوم    آيت الطالب يقارب "السيادة الصحية"    دراسة: السكري أثناء الحمل يزيد خطر إصابة الأطفال بالتوحد واضطرابات عصبية    الدولار يتراجع وسط تزايد مخاوف الركود    المغرب عضوا بمكتب لجنة الديمقراطية وحقوق الإنسان للاتحاد البرلماني الدولي    عرض ماسة زرقاء نادرة قيمتها 20 مليون دولار في أبوظبي    القناة الأولى تكشف عن موعد انطلاق الموسم الجديد من برنامج "لالة العروسة"    تقليل الألم وزيادة الفعالية.. تقنية البلورات الدوائية تبشر بعصر جديد للعلاجات طويلة الأمد    إشادة واسعة بخالد آيت الطالب خلال الأيام الإفريقية وتكريمه تقديراً لإسهاماته في القطاع الصحي (صور)    الوداد بلا هوية .. و"الوينرز" تدق ناقوس الخطر    الأخضر يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    دراسة: أدوية الاكتئاب تزيد مخاطر الوفاة بالنوبات القلبية    بونو: أتمنى عدم مواجهة الوداد في كأس العالم للأندية    برنامج الأغذية العالمي يحذر من أن خفض التمويل الأمريكي يهدد حياة الملايين    بنك المغرب يستهدف الشباب لتعزيز الكفاءات المالية في إطار للأسبوع الدولي للثقافة المالية    "قمرة" يساند تطوير سينما قطر    ارتفاع ملحوظ في عدد الرحلات السياحية الداخلية بالصين خلال عطلة مهرجان تشينغمينغ    بين نور المعرفة وظلال الجهل    العيد: بين الألم والأمل دعوة للسلام والتسامح    أجواء روحانية في صلاة العيد بالعيون    طواسينُ الخير    تعرف على كيفية أداء صلاة العيد ووقتها الشرعي حسب الهدي النبوي    الكسوف الجزئي يحجب أشعة الشمس بنسبة تقل عن 18% في المغرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المَغُول العربي.. وسقوط الأندلسيات.. سوريا..اليمن.. وغدا قطر
نشر في هسبريس يوم 15 - 07 - 2017

قصيدة "أحد عشر كوكبا" التي تنْزِفُ بفائض المعنى.. وتجْترِحُها الانزياحات الدلالية والخرق الناعم للغة الشعرية.. بشاعرية دافقة تنساب زخّاتٍ من جُرحِ شاعر الفسفة وفيلسوف الشعر محمود درويش.. هي رثاء سياسي للمشهد القبائلي العربي للإخوة الأعداء، الذين يعيشون حالة من العمى السياسي التاريخي، ويستعير درويش سقوط الأندلس وقصة "إخوة يوسف" للتأكيد على أن تراجيديا الإخوة هي من صنيعِهم، وتقليص منسوبِ ضجيج خطاب نظرية المؤامرات.. صراع الإخوة الذي لا ينتهي هو الذي أفضى إلى سقوط الأندلس، فلسطين، العراق، اليمن، سوريا وغدا قطر والبقية تأتي، يَئِنُّ محمود درويش في "أحد عشر كوكبا":
كَيْفَ أَكْتُبُ فَوْقَ السَّحابِ وَصِيَّةَ أَهْلي؟
وأهْلي يتركون الزمان كما يتركون معاطِفهم في البيوت..
وأهلي كُلما شيّدوا قلعة هدموها لكي يرفعوا فوقها خيمةً للحنينِ.. إلى أوَّلِ النخل..
أهْلي يَخونون أهْلي.. في حروب الدفاع عن المِلح..
المشهد السياسي يعيد نفسه في حركةٍ سيزيفيةٍ لا تنتهي، تُفصِح عن "قصور" العقل السياسي بالمعنى الكانطي للقُصور، الناتج عن المخاوف الوهمية والأنانية النرجسية، وبالتالي عدم القدرة على الاستخدام السليم العقل، والسقوط في المزيد من التشرذم والتشظي والتفتُّت والتّشتُّت..
ماذا ربح "إخوة يوسف" بتحالفهم ضد العراق، وضد سوريا، وضد ليبيا، وضد اليمن؟؟؟
هل أصبحت هذه "الأندلسيات" بعد تدميرها أكثر رخاء؟ أكثر قوة؟ أكثر سعادة؟؟؟
يضيف درويش:
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت الأندلس هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في القصيدة؟
وأستعير منه القصيد، لأقول:
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت العراق هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت سوريا هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كانت اليمن هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
وسنسْألُ أنفسنا في النهاية: هل كُنّا هَهُنا أم هناك؟ على الأرض أم في الخريطة؟
المشهد السياسي هو تراجيديا الاغتراب بامتياز، مرارة الغربة في الوطن الكبير، حيث تنمو خريطة التّبعثُر والتعثُّر والفُقْدان وحصاد الخسائر المُفجعة، يتنهّد درويش بمرارة:
مَرَّ الغَريبُ
حَامِلاً سَبْعَمائَةِ عامٍ مِنَ الْخَيْلِ..
مَرَّ الْغَريبُ هَهُنا، كيْ يَمْرَّ الْغَريبُ هناك..
سَأخرُجُ بَعْدَ قَليل مِنْ تَجاعيدِ وَقتي.. غَريباً عَنِ الشَّامِ وَالأَنْدَلُسْ
هذهِ الأَرضُ لَيْستْ سَمائي، ولَكِنَّ هذا الْمَساءُ مَسائي
وَالمفاتيحَ لي، وَالْمآذِنَ لي، وَالْمصَابيحَ لي،
وأَنا لِيَ أيْضاً..
أَنا آدَمُ الْجَنَّتَيْنِ، فَقدتُهُما مَرَّتَينْ..
هل تحققت نبوءة الشاعر العراقي مظفر النواب حين قال:
سيكون خرابا.. سيكون خرابا..
هذا الأمة لا بد لها أن تأخذ درسا في التخريب !!
حين أتأمل وضع وطننا الكبير بين الغنى الطبيعي والثقافي والبشري، ومستوى التخلُّف والعنف وسحق ثقافة الاختلاف، وعزل وإقصاء الرأي المخالف وقمع حرية التعبير، وهي ممارسات معاكِسَة لغايات الممارسة السياسية الذكية، التي تنبني على التدبير العقلاني للاختلاف، لضمان التعايش والعيش المشترك الخارجي والداخلي، ومقاربة "صِفر مشاكل" مع دول الجوار.
تدمير أندلسيات سوريا، ليبيا، اليمن.. بمشاهد الجوع والعطش واللاجئين والاغتصاب وانتشار الأمراض والأوبئة وفتك الكوليرا بمئات الأبرياء.. حتما سيُخلف جراحات لن تندمل بسهولة، وعدم التبصر بخسائر "حرب البسوس" التي لا تنتهي، والتي يُعمِّقُها إعلام "سوق عكاظ"، حيث صارت بعض وسائل الإعلام العربي إلى سوق نخاسة، سوق لا يهمُّها إلا الربح المادي، ولو على حساب تحريض "إخوة يوسف" على قتله ونعته بالخيانة والعمالة، وتضليل الرأي العام، وهذا الإعلام الموجه يُصبِحُ طرفا خطيرا في الأزمات العربية بتأجيج المنتظم الدولي، بدل أن يكون شريكا في تنوير الرأي العام، واقتراح الحلول السلمية.
الإعلام المستقل والنزيه ينأى بنفسه عن السقوط الفج، وخسارة ثقة الجماهير، في زمن التدفق المهول للمعلومة والأخبار، وإمكانية قيام الجماهير بالمقارنة لبلوغ الحقيقة، بينما يتحول الإعلام الأصفر إلى مجرد قنوات موجهة، تكون إما رشاشات نارية تقذف الخصوم والأعداء أوباقات أزهار تُجامِل الحلفاء والأصدقاء.
وهذا يحول دون قيام الإعلام بدوره في التنوير بالحقيقة، وإسماع صوت الشعوب ودق نواقيس الخطر قبل قدوم العاصفة وحدوث الكارثة، إنه إعلام نشر "العمى" كما هو الحال في رواية الروائي البرتغالي خوصيه سراماغو، الذي استعار "العمى" كدلالة على انتقال عدوى عمى انهيار القيم، وهذا ما تقوم به الكثير من القنوات الفضائية العربية، بحيث تُعمِّق الصراع بين "الإخوة" في الوقت الذي يجب عليها التعريف بأوطاننا ومدننا وأريافنا وثرواتنا وعاداتنا، وتربية المواطنين على قيم التحاور والتسامح والتعايش.. وتقوية الروابط بين ربوع وطننا الكبير، الذي تعرفنا على الكثير من مدنه وقُراه للأسف، وهي تنهار كالموصل في العراق، وحلب في سوريا، والزنتان في ليبيا والقائمة طويلة.
المطالبة بإغلاق وإسكات صوت مخالف لصوتنا وإيديولوجياتنا، يُسقِط الداعين إلى الإغلاق في "مركزية الصوت" بتعبير الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، بمعنى ممارسة الوصاية على حرية التعبير، لأن الوصي يعتبر نفسه من يمتلك حق الكلام والخطاب، ولا صوت يعلو على صوته، وما يرافق هذا السلوك بإحساس الشعب الذي يمارس عليه هذا الفعل من مهانة وإذلال، إنه إحساس أشبه بعبودية الاحتلال، وحال تفعيل هذا المطلب سيشرع مسلسل إغلاق كل وسائل الإعلام التي لا تروق للحكام في الوطن العربي، والإبقاء على نمط إعلامي متشابه كحبات الأرز، إعلام الانبطاح والترفيه والإلهاء.. يعني إقبار الاختلاف، ودفن حرية التعبير.
الوضع العالمي شديد التشابك والتعقيد، تُصنع فيه الأزمات والحروب لبيع الأسلحة وابتزاز الدول التي تتميز بالغنى الطبيعي والفشل الديمقراطي، وقد أدركت دولة قطر اعتمادا على تقارير بعض مراكز البحث والدراسات القطرية التي كان لها الدور الكبير في التنبؤ برغبة إسرائيل في تغيير النظام الحاكم بقطر، بالتنسيق مع القاعدة العسكرية الأمريكية، لسبب واضح هو وجود كبار قادة المقاومة لحركة حماس بقطر، وانكشاف الخطة الإسرائيلية\الأمريكية، هو ما جعل المسؤولين القطريين يستعجلون استقدام قاعدة عسكرية تركية، التي نصَّتْ المطالب الموجهة إلى الدوحة بضرورة طردها، باختصار "الإخوة الأشقاء" يطلبون منك أن تصبح أعزلا عاريا، لُقمة صائغة إذا أردت أن تكون جارا وأخا وصديقا، وهؤلاء يجيبهم الشاعر الكبير أمل دنقل في قصيدته "لا تصالِح" مع انتقائي للأبيات الشعرية التي تُقدِّم توصيفا للأخُوّةِ العربية:
أتَرى حين أفْقأُ عيْنَيك..
ثمَّ أُثبِّتُ جوهرتين مكانهما..
هل ترى..؟
هي أشياء لا تُشْترى
أقلبُ الغريب كقلب أخيك؟
أعيناه عينا أخيك؟
وهل تتساوى يدٌ سيفُها كان لك
بيد سيفها أثْكلك؟
سيقولون:
جئناك كي تحقن الدم..
جئناك.. كن –يا أمير- الحَكَم
سيقولون:
ها نحن أبناء عم.
قل لهم: إنهم لم يراعوا العمومة في من هَلَك..
إن سهما أتاني من الخَلْف..
سوف يجيئُك من ألف خلْف..
أن تكون السعودية دولة قوية، والإمارات وقطر والعراق وسوريا ومصر والمغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا وكل دول العالم الإسلامي، هو حلم المسلمين الكبير، دول قوية وديمقراطية، تصون الحقوق والحريات وتُشجّع البحث العلمي، وهذا هو الطريق الصحيح للتقدم والتنمية والاستقرار،لا تحويل دول عربية إلى خراب وأعشاش يسكنها البوم، وبعضها إلى "مُركَّبات سياحية" والاعتقاد الوهمي أن بناء بعض الأبراج العاجية والفنادق والمطاعم والأسواق الممتازة، هو انتقال إلى دول الحداثة، مع تكريس منطق القبيلة وجلد المعارضين، الحداثة ليست مجرد بنى تحتية (دون إنكار أهميتها) وطائرات ومطارات وسيارات رباعية الدفع ويخوت فاخرة، وكل ما ينضوي في خانة التقنية، التي هي مظاهر للتحديث، أما الحداثة فهي توأمة الديمقراطية.
هكذا فالكيان الاستعماري الإسرائيلي بناء على هذا التصور، هو كيان يتعامل بديمقراطية مع أبناء جلدته، يسمح للمعارضة بانتقاده، دون تصفيتها جسديا أو سحق حرية التعبير حتى تُجاه اليهود الذين ينعتون الكيان الإسرائيلي بالمحتل الصهيوني، لأن إسرائيل تعي جيدا أن تصفية الجسد سيمنح الفكرة المُعارضة أنصارا كُثْرا، وتكميم الأفواه سيدفع المعارضين اليهود إلى البحث عن الحقيقة، ناهيك عن إفرازات قمع حرية التعبير المتمثلة في الإضرار بالتماسك والانسجام والتوافق الاجتماعي، ونهيار المشروع المجتمعي، وهذا حال وطننا الكبير جرّاء سيادة العمى السياسي.
هذا يذكرني باللوحة الرائعة للرسام الهولندي بيتر بروغل المعروفة ب "أعمى يقود أعمى" والتي رسمها سنة 1568م، تُجسّدُ الواقع السياسي العربي بامتياز، حيث يقود العمى بعض القادة المصابين بعمى الألوان وعدم القدرة على التمييز بين الأصدقاء والأعداء، نتيجة ضبابية رؤية عقلهم السياسي وتخبطهم الهيستيري إلى اتخاذ قرارات ستُفضي إلى نفس مصير العُميان في لوحة الرسام بروغل، الذين سقطوا تِباعًا في المُنحدر السّحيق لأنهم أوكلوا قيادتهم إلى شخص أعمى، والخطير أن يصبح "العمى الأخلاقي" معيارا للعلاقات والتحالفات الدولية في زمن "القانون الأعمى" حيث يفرض العَمى الجمْعي على الأقلية المُبصِرة أن تتغاضى عن جرائم الكيان الإسرائيلي ومجازر البوديين ضد المسلمين في بورما، عليك ألا تكون مُبصِرا، إذا أردت أن تحيا في "أرض العميان" أرض رواية الكاتب البريطاني هربرت جورج ويلز، وإلا فإن أصحاب القرار في أرض العميان سيُخْضِعون المُبصِر لعملية اقتلاع العينين، سيما إذا كان رائيا راويا لمرئيات، رواياتها تُزعج وتزعزع مصالح أشراف وسادات القبيلة.
إن المخطط الصهيو\إمبريالي، شرع في تدمير دول العالم الإسلامي، وهذه حقيقة واضحة، تكفي مشاهدة الخراب في اليمن وسوريا وليبيا والعراق ومآسي الكثير من الدول الإسلامية بدءا من تراجيديا فلسطين، مرورا بتصفية الأقلية المسلمة في إفريقيا الوسطى (رحم الله الجنود المغاربة شهداء الواجب الإنساني والوطني الذين اغتالتهم الميليشيات المسيحية هناك) وصولا إلى مشاهد الإبادة الجماعية للمسلمين في بورما..
الفيلم الأمريكي "رامبو 4" يُصوِّر مجازر الظلم العسكري الوحشي في بورما الذي يقتل الأطفال الأبرياء والشباب والمُسنين من الرجال والنساء على حد سواء، وتصل الجرائم ضد الإنسانية التي تقوم بها الميليشيات البودية قمة الهمجية بإحراق الضحايا، ومن بينهم مجموعة من دعاة التبشير المسيحية الغربية، وهنا ستعاقب أمريكا القتلة البورميين إذ لا مجال للعبث مع حياة المواطن الأمريكي أو المنظمات الأمريكية، إنها خط أحمر.
هكذا سيقوم "رامبو" معية فريقه بتصفية الذين تطاولوا على البعثة المسيحية، فما دمت تقتل المسلمين أو تُنكِّلُ بهم لا مشكل يواجهك أمام أمريكا والمنتظم الدولي، لكن حذار من العبث مع معيار الإنسانية الأمريكي الذي يستثني الإنسان المسلم من انتمائه إلى الدائرة الإنسانية، وهذا ما يجعلنا نتحدث عن أمركة القيم الإنسانية، فمفاهيم الحق والحقيقة والعدل والعدالة والسلم والسلام والصدق والصداقة.. حسب الفهم الأمريكي تنبع من تغليب المصلحة والنفعية والبراغماتية والفيلم هو مجرد ورقة "دعائية" استباقية تستخدمها أمريكا لتخويف الدول القاصرة، والتي تعاني من العمى أو قِصر بعد النظر، وهو ما لم تُعِرْه كوريا الشمالية أدني اعتبار، لأنها دولة تستثمر مواردها في بناء قُدراتها لا تخريب ركائزها.
إن القواعد الديبلوماسية الفعَّالة هي التي تجعل من الممارسة السياسية مجالا للمُمكِنات والماينبغيات والمرونة والقدرة على التمييز بين الصلابة والتصلب، وتمتين العلاقات مع شركاء التاريخ والدين والهوية، وصيانة الجوار، والحفاظ على "شعرة معاوية" من أهم مقومات الديبلوماسية الخارجية حتى مع الأعداء، وهذه الشعرة تعمل تصريحات بعض وسائل الإعلام على تمزيقها بخطاب السخرية والكراهية، وتجييش الرأي العالمي لفرض الحصارعلى قطر ونعتها بداعمة الإرهاب والفوضى واستهداف استقرار الجيران، وهي تُهَم تليق بالكيان الإسرائيلي لا بدولة قطر، وهو ما قد يؤدي إلى ميلاد شريعة استبدال قوة القانون بخطاب قانون القوة في منطقة أتت فيها النيران على الأخضر واليابس على أوطاننا.
شيطنة وتخوين بعض الدول العربية، واتهامها بتمويل التطرف والإرهاب، يعطي الشرعية الدولية لمحاصرتها وتدميرها وإضعاف مؤسساتها المدنية والعسكرية، والتي ستُفضي إلى المزيد من إنهاك "الرجل المريض" العالم الإسلامي، والحل لن يكون عبر الإطاحة بالمزيد من الدول، واستعانة "الإخوة الأعداء" بأمريكا وأوربا وروسيا .. من أجل تخريب "بيت العائلة" والتنكيل بأفرادها، والكثير من أبناء عائلة الوطن الكبير يعيشون تحت عتبة الفقر، بلا مأوى ولا تعليم ولا عمل، لا يجدون طعاما ولا ماء ولا دواء.
السياق التاريخي اليوم خطير وحرِجٌ جدا، يستدعي إرادة المصالحة وتكثيف الجهود من أجل تفادي السقوط والانهيار، خصوصا وأن الذئب الإسرائيلي يتحين هذه الفرصة ومخالبه وأنيابه جاهزة للانقضاض، مما يتطلب تغليب مصلحة الوطن الكبير، وتعميق التعاون وفتح أوراش الاستثمار ومساعدة دول العالم الإسلامي الغنية للدول الفقيرة، لا الانزلاق في خراب العراق، سوريا، اليمن وليبيا.. وعزل قطر، قطر اليوم في خطر.. ومآلات هذا الوضع قد يحول الخليج إلى " خماسية مدن الملح" باستلهام رواية الأديب السعودي عبد الرحمن منيف.. دول تُعمق آلم جراح "التيه" العربي والسقوط في "الأخدود" حيث تتشابه مآسي "تقاسيم الليل والنهار" وتتحول القبيلة إلى "المنبت" الكبير للمحاصرين والمنفيين، ويغدو الخليج إلى "بادية الظلمات" بادية اغتيال الهوية والانتماء.. سيما وأن المنطقة استراتيجية بموقعها ومواردها ودماء اليمن والعراق وسوريا مازالت جارية بأيدي الإخوة الأعداء، يصدح درويش في قصيدته "أحد عشر كوكبا":
كُنْ لِجيتارَتي وَتَراً أَيُّها الْمَاءُ..
لامِصْرَ في مِصْرَ..
لا فاسَ في فاسَ..
وَالشّامُ تَنْأَى..
لانَهْرَ شَرْقَ النَّخيلِ الْمُحاصَرْ بِخُيولِ الْمَغولِ السَّريعَةِ..
في أيِّ أَنْدَلُسٍ أَنْتَهي؟ هاهُنا أمْ هُناكَ؟
سأَعْرِف أَنّي هَلَكْتُ وأَنّي تَركْتُ هُنا
خَيْرَ مافِيَّ: ماضِيَّ..
لَمْ يَبْقَ لي غَيْرُ جيتارتي
كُنْ لِجيتارَتي وَتراً أَيُّها الْماءُ..
اليوم الواقع مؤلم والمعنى بئيس، لأن المغول المُعاصر هو شريحة قاصرة تستوطن العقل العربي، وتريد إسكات صوت الحكماء المنتشرين في كل ربوع هذا الوطن الشاسع، أليس عارا أن تحاصَر سوريا واليمن وقطر... بخيول المغول العربية؟؟؟
أمريكا وروسيا وكل الذين يبيعون السلاح "لشيوخ العائلة" ينهبون خيراتنا ويُعمِّقون مسافة الخلاف العائلي.. إلى درجة استباحة دماء أفراد العائلة، وما يفعله الجيش الأمريكي والروسي في سوريا ليس ببعيد.. نعم قد نختلف مع أفراد العائلة، لكن يستحيل أن نفرض عليهم الحصار ونستعين بالأعداء لتصفيتهم.. وقد تُخالفني الرأي لكني مستعدٌّ للموت من أجلك.. لا لحصارك وتدميرك..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.