منذ سنة 2012 تصدرت أخبار العنف التي يتعرض لها مسلمو عرقية الروهينغا في ميانمار اهتمامات نشطاء وسائط الاتصال الاجتماعي وعدد من وسائل الإعلام الدولية، غير أن الصورة الكاملة لما يجري في ذلك البلد القابع جنوب شرق آسيا لم تتضح بشكل كاف، وكلما عادت دورة العنف، عادت موجات من التضامن، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تحولت إلى منصات لخلط الحقيقة بالإشاعة لاعتبارات مختلفة أو للانتقاص منها وعدم الوقوف الجاد على خطورة ما يقع هناك. وبقي شعب الروهينغا يؤدي الثمن وسط صمت أممي مخجل. الواقع أن الأحداث المؤلمة التي يعرفها إقليم "راخين"، حيث تستقر عرقية الروهينغا المسلمة، والتي تشكل حوالي 70% من سكانه، تتداخل فيها عوامل مختلفة، منها التاريخي والاقتصادي والديني والسياسي والأمني، بالإضافة إلى تعقيدات التركيبة الإثنية حيث تعيش في ميانمار حوالي 140 إثنية مختلفة. ويشكل المسلمون نسبة مهمة من تعداد السكان الإجمالي الذي يبلغ 50 مليون نسمة. وأهم إثنيتين في البلاد هما "بامار" و"شان" البوذيتان، وتشكلان معا 77 % من مجموع السكان. لكن نسبة المسلمين في ميانمار تبقى محط خلاف، فإذا كانت إحصائيات منسوبة للمخابرات الأمريكية CIA تحصرهم في 4% وهي نفس نسبة المسيحيين، فإن المواقع الرسمية للروهينغا تحدد هذه النسبة في 15%. وفي غياب أرقام صادرة عن جهات مختصة يبقى من الضروري التعامل بحذر مع هذه النسب، لكن المؤكد هو أن الروهينغا يمثلون جزءا من مجموع مسلمي ميانمار، وأكثرية المسلمين فيها، على غرار دول أخرى في جنوب شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسا، ينحدرون من أصول عربية من اليمن وباقي مناطق الجزيرة العربية، بينما أصول عدد منها تعود إلى الفرس. العنف الذي تتعرض له أقلية الروهينغا فيه جوانب دينية مؤكدة، رغم أن الديانة البوذية من مبادئها وثوابتها نبذ العنف سواء اتجاه الإنسان أو الحيوانات أو النباتات، كما أنها تدعو إلى التسامح مع المعتقدات الأخرى. وفي ذلك يقول الملك أسوكا البوذي ثالث أباطرة الهند في القرن الثالث قبل الميلاد: "عندما توقر ديانات الآخرين فإنك بذلك توقر ديانتك". ويبقى جوهر الصراع عرقيا وليس طائفيا في العمق، لكنه في الوقائع اتخذ غطاء دينيا، وهو صراع قديم جدا يعود لنهاية القرن 17، وتجدد في الأربعينات ثم تم إحياؤه منذ بداية الثمانينيات، وتفجر بشكله الحالي سنة 2012. الانتقال الديمقراطي المعاق انفصلت ميانمار، أو بورما كاسم سابق للدولة، عن حكومة الهند البريطانية عام 1937 بعد استفتاء شعبي، وتشكلت كدولة تحت اسم "جمهورية اتحاد ميانمار"، وهي دولة متعددة الأعراق واللغات والأديان..اللغة الأساسية هي البورمانية، ويطلق على المتحدثين بها وهم أزيد من ثلثي السكان البورمان. عندما منحت بريطانيا الاستقلال لميانمار سنة 1948 اشترطت أن تمنح لكل العرقيات الاستقلال بعد 10 سنوات إذا رغبت في ذلك، لكن بعد حصول ميانمار على الاستقلال تم نقض ذلك الالتزام، وما يعيشه إقليم راخين ذو الغالبية المسلمة اليوم هو واحد من تبعات نقض ذلك الالتزام. ميانمار هي بلد المناضلة والحقوقية السابقة "أونغ سان سو تشي"، زعيمة الرابطة الوطنية للديمقراطية في ميانمار، ونجلة الجنرال أونغ سو الملقب ب"أبو الاستقلال"، والذي تم اغتياله عام 1947؛ تبلغ من العمر 70 سنة، وفائزة بجائزة نوبل للسلام سنة 1991.. قادت نضالا مثيرا للإعجاب في بلدها ضد المجلس العسكري لمدة 20 سنة، قضت منها 15 سنة في السجن، منها 6 سنوات سجنا انفراديا؛ وقد فاز حزبها بالانتخابات عام 1990 لكن المجلس العسكري انقلب على النتائج. لكن الرابطة الوطنية عادت لتفوز في آخر انتخابات سنة 2013 وحصلت على الأغلبية في البرلمان. وقد ترشحت الزعيمة سان سو تشي وفازت بمقعد برلماني عن مقاطعة كاوهمو. والتزمت الرابطة بمعالجة إرث سنوات حكم المجلس العسكري وتعزيز الممارسة الديمقراطية وحماية الحريات عاشت ميانمار لزمن طويل تحت حكم ديكتاتورية عسكرية لا تفرق في قمعها بين المسلمين من أقلية الروهينغا وبين الأغلبية المطلقة للسكان البوذيين، بل حتى الرهبان ورغم المكانة المعنوية والاجتماعية التي يتمتعون بها لا يتم استثناؤهم من حملات القمع. منذ 2013 بدا أن ميانمار اختارت المدخل الانتخابي للانتقال الديمقراطي عبر الاعتراف بنتائج الانتخابات والإقرار بفوز المعارضة التاريخية ممثلة في حزب أونغ سان سو تشي، لكن ذلك غير واضح تماما ولا يمثل تطبيقا للنموذج البرازيلي الذي مثل فيه المدخل الانتخابي مدخلا متوافقا عليه مع المؤسسة العسكرية لتدشين مسار ديمقراطي مبني على شرعية صناديق الاقتراع التي تفرز تعددية حقيقية؛ فرغم فوز حزب الرابطة بثلثي مقاعد البرلمان فإن الجيش بموجب الدستور له نسبة 25% من مقاعد البرلمان، وله سيطرة على ثلاثة قطاعات وزارية هامة جدا..تشرف على الشرطة والجيش وشؤون الحدود ومستويات مختلفة من البيروقراطية، إضافة إلى تمتع الجيش الذي يملك أكبر الجيوش البرية في جنوب شرق آسيا بسلطات استثنائية، وذلك وفقا للدستور، وهو ما يمكنه من السيطرة على البلاد لأسباب فضفاضة، مثل "الأمن القومي" و"الوحدة الوطنية"؛ وذلك في استنساخ لما كانت تعرفه تركيا من صلاحيات للجيش في حماية "علمانية الدولة"، والتي كانت سببا في عدد من الانقلابات التي عاشتها. إن الديمقراطية توجد في وضعية هشة جدا داخل ميانمار، ومن الصعب نزع الطابع الديكتاتوري عن تسيير البلاد، وهنا ترتفع أسئلة كثيرة حول مبررات قبول حزب الرابطة بهذه الوضعية بعد سنوات نضالية نموذجية في مواجهة المجلس العسكري، وما يتعرض له الروهينغا يقوم دليلا على أننا لسنا أمام دولة ديمقراطية. من هم الروهينغا؟ الروهينغا هم من عرق بنغالي يعتنقون الإسلام ويبلغ تعدادهم ما بين 800 ألف ومليون نسمة، وهي نسبة تمثل 0.15% من مجموع سكان ميانمار، يستقرون شمال إقليم "راخين". وينتشر الروهينغا بالإضافة إلى ميانمار في عدد من الدول، كالسعودية التي يبلغ تعدادهم فيها حوالي نصف مليون نسمة، وفي بنغلاديشوباكستان وتايلاند وماليزيا والإمارات العربية المتحدة. هناك عدة أقليات في بورما، ومنها أقلية الروهينغا، وهي أقلية عند الحديث عن اتحاد ميانمار، أما في إقليمها "راخين" فهي تمثل الغالبية بحوالي 70%. هذه العرقية تعيش وضعية "البدون" التي تعرفها عدد من بلدان الخليج أيضا، إذ يعتبرهم قانون الجنسية البورمي الصادر سنة 1982غير بورميين، وهم بذلك لا يتوفرون على بطاقات شخصية ولا يعملون في مؤسسات الدولة التي لا تعترف بهم أصلا، بل تتعامل معهم كنازحين أجانب، وهو ما شجع متطرفين بوذيين على رفع شعار التهجير والترحيل في وجههم، وهي عمليات تمت على امتداد مراحل تاريخية كانت مرفوقة بعنف كبير جدا، بل بعد صدور قانون الجنسية منعوا حتى من امتلاك الأراضي وطلب منهم الالتزام بأن لا يكون لهم أكثر من طفلين، وقيدت حريتهم في السفر ليس فقط إلى خارج البلاد بل داخل البلاد أيضا. وضعية التمييز نفسها تعيشها أقلية "كاشين" المسيحية، بل إن هذه الأقلية رفعت السلاح في وجه الحكومة البورمية للاعتراف بها وبما تعرضت له من إبادة وكذلك بعاصمتها لايزا. خلفيات الصراع بين الروهينغا والبوذيين.. تعود جذور الكراهية بين مسلمي الروهينغا في "راخين" والبوذيين إلى قرون عدة، إذ شكل وصول الإسلام والتجار العرب إلى المنطقة وتأسيس كيان جامع للمسلمين مقدمة لصراع طويل بخلفيات اقتصادية، لكن أيضا بمبررات دينية، إذ كان البوذيون منزعجين من تمدد الإسلام والهندوسية أيضا التي حملها الهنود. واستمر هذا الصراع بين البنغاليين المسلمين الممثلين في الروهينغا، والهندوس من جهة، والبوذيين من جهة أخرى إلى فترة الاستعمار البريطاني لمنطقة الهند الكبرى، وتواصل بعد ذلك بصيغ مختلفة. لقد عملت بريطانيا عام 1826 على ضم الجزء الشمالي الغربي من ميانمار، إضافة إلى إقليم "راخين" الذي يستقر به اليوم ما تبقى من الروهينغا، إلى نفوذ حكومة الهند البريطانية، وسمحت عبر تشريعات مرنة بتدفق المسلمين البنغال إلى الإقليم، وهو الأساس الذي تعتمده اليوم حكومة ميانمار لاعتبار الروهينغا أجانب نازحين من بنغلاديش الحالية. كما عينت الإدارة الاستعمارية البريطانية أثرياء هنود كبيروقراطية في الإقليم، عملوا على تعزيز ثرواتهم وبسط نفوذهم، كل ذلك على حساب البوذيين من السكان الأصليين، ما جعل أحقادا كثيرة يتم توارثها جيلا عن جيل؛ لذلك فإن ما يحدث اليوم فيه جزء من تصفية حسابات قديمة يلعب فيها العامل الاقتصادي والعرقي دورا رئيسيا. يجب التذكير أن العامل الديني لعب دورا مهما في تفكيك الهند الكبرى نفسها، إذ انفصلت كل من باكستانوبنغلاديش على هذا الأساس، وتشكلت كدول إسلامية مستقلة، والبوذيون في ميانمار يعملون بنفس الخلفية تقريبا، لجعل دولتهم دولة بوذية خالصة. تجدر الإشارة إلى أن البوذية لعبت دورا رئيسيا في حشد الشعور الوطني والتعبئة من أجل استقلال بورما، فأصبح هناك نوع من التطابق بين الهوية الوطنية والهوية الدينية في بعدها البوذي، أو هذا ما سعى النظام الديكتاتوري إلى ترسيخه. من هنا أصبحت النظرة للأقلية المسلمة وباقي الأقليات نظرة خاصة مشوبة بكثير من الحذر الذي سيتحول في بعض المناطق إلى عنف وعنف متبادل، كما يقع في إقليم "راخين"، في دولة عاشت طويلا في ظل ديكتاتورية عسكرية، لم تعزز قيم المواطنة ولم تعمل على تحديد الانتماء إلى الوطن على ذلك الأساس. بل إن الحكام العسكريين هناك تحالفوا مع الرهبان البوذيين لتأمين غطاء أخلاقي لسلطتهم المطلقة، وفي مقابل ذلك تم تمكين المتطرفين البوذيين من غطاء أمني وعسكري في مواجهة الروهينغا. تعيش ميانمار تحت تأثير متصاعد للحركة البوذية القومية المتطرفة "ما با ثا" (رابطة حماية العرق والدين) بزعامة رهبان بوذيين، وهي" تعزز مشاعر العداء للمسلمين، ولها تأثير كبير على صياغة القوانين والتشريعات التي تعزز عزلة الأقليات". ويتزعم العداء للمسلمين الراهب اشين ويراثو، الذي يتزعم جماعة تدعى(969)، ويلقب نفسه ب"ابن لادن البوذي"، وهي تسمية تكشف وجود سلفية بودية متطرفة. هذا الراهب تم اعتقاله سنة 2003 وتم الحكم عليه بتهمة التحريض على الكراهية الدينية، وغادر السجن سنة 2012 وهي السنة نفسها التي اندلعت فيها الأحداث الدموية في إقليم "راخين". وكرد فعل على كل ذلك، وبعد انتباه تيارات سياسية إسلامية للوضع في "راخين"، تأسس عام 2016 ما يسمى "جيش خلاص روهينغا أركان"، وقد شن يوم الخميس 24 غشت 2017 هجمات متفرقة على 24 موقعا أمنيا في ولاية "راخين"، خلف عددا من القتلى في صفوف رجال الشرطة؛ وهو السبب المباشر في اندلاع الموجة الجديدة من العنف. هذه الجماعة يتم وصفها بالإرهابية من قبل سلطات ميانمار. وهناك تيارات إسلاماوية متطرفة اخترقت أقلية الروهينغا وتحاول أن تجعل من إقليم "راخين" منطقة صراع جديدة في آسيا وبؤرة للحشد والتعبئة في صفوف الشباب المسلم، تماما كما حدث في أفغانستان بمبرر مواجهة الشيوعية ممثلة في الاتحاد السوفياتي أو في العراق بمبرر مواجهة الشيطان الأكبر ممثلا في الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو في نصرة أهل سوريا من نظام الأسد، مستثمرة المآسي التي تعرض ويتعرض لها مسلمو الروهينغا على يد البوذيين. ويبدو أن هذا الاختيار سوف لن يزيد سوى من مأساة الروهينغا، على اعتبار أنهم يشكلون أقلية في مجتمع بوذي. كما أن تدخل عناصر مسلحة خارجية من شأنه أن يكون مقدمة فقط لخلق تنظيمات متطرفة تحمل شعار "الدفاع عن مسلمي الروهينغا"، كما تم إحداث طالبان والقاعدة وداعش في فترات سابقة وبمبررات مثل التي يتم تقديمها اليوم بخصوص الروهينغا. ويبدو الصمت الأممي والدول الغربية والأسيوية الكبرى حيال ما يجري في إقليم "راخين" تشجيعا عمليا على تحويل الصراع من إقليم "راخين" بكل الخلفيات التي تحدثنا عنها وسياقاتها التاريخية إلى صراع بين المسلمين والبوذيين في كل العالم. وكأن هناك جهة ما تحاول تغيير اتجاه المواجهة من الغرب إلى الشرق... إلى جانب الأسباب الدينية والعرقية التي تقدم كمبررات للتصفية العرقية التي يتعرض لها الروهينغا منذ قرون باعتبارها خزانا مثاليا لا ينضب، ظهرت أسباب أخرى جديدة لا تساهم سوى في تأزيم الوضع أكثر وجعل الأمر مستعصيا عن الحل، خاصة أن منطقة "راخين" التي يستوطنها الروهينغا تعد من أكثر المناطق فقرا في ميانمار، حيث يعيش 43% من السكان تحت خط الفقر، وهو ما يجعل الصراع حول الموارد المحدودة عنيفا للغاية. في ظل هذه الوضعية الاقتصادية المتدهورة، سيكشف برنامج الأممالمتحدة الإنمائي سنة 2011 العثور على احتياطات كبيرة من الغاز الطبيعي تقدر بملايير الدولارات في خليج البنغال، قبالة سواحل إقليم "راخين" وهو ما ستكون له عائدات على سكان الإقليم، بل إن شركات عالمية عملاقة في المجال باشرت فعلا استثمارات مهمة للاستغلال التجاري لتلك الحقول. وهو مازاد في رغبة تهجير الروهينغا من تلك المناطق؛ وما يسهل هذه العملية هو عدم الاعتراف القانوني بهم واستمرار التعامل معهم كمجرد نازحين أجانب لا يتمتعون بحقوق المواطنة عكس باقي المسلمين في ميانمار، وهو ما ينذر باستمرار معاناة الروهينغا إذا لم يكن هناك تدخل أممي جاد. لماذا تصمت أونغ سان سو تشي؟ لقد اعتبرت تقارير للأمم المتحدة أن الجرائم التي يتعرض لها الروهينغا في إقليم "راخين" تبلغ درجة جرائم ضد الإنسانية؛ وهي جرائم تسببت في موجات هجرة كبيرة، خاصة في اتجاه بنغلاديش، حيث تصنف عدد من المنظمات الدولية أحد المخيمات الذي يضم 30 ألف لاجئ على الحدود مع بنغلاديش على أنه من أكثر مخيمات اللاجئين قذارة حول العالم، كما أن السلطات في ميانمار تمنع وصول المساعدات الإنسانية للاجئين. لقد رفضت حكومة ميانمار رسميا تنفيذ قرار أصدره مجلس حقوق الإنسان في مارس سنة 2017. وقد كان القرار يقضي بتشكيل فريق تابع للأمم المتحدة للتحقيق في مزاعم قتل واغتصاب وتعذيب ارتكبتها قوات الأمن في ميانمار ضد أقلية الروهينغا المسلمة، حيث نقلت "رويترز" عن كياو زيا السكرتير الدائم بوزارة الخارجية في حكومة ميانمار قوله: "إذا كانوا سيوفدون أحدا في ما يتعلق ببعثة تقصي الحقائق فلن يكون هناك ما يدعونا لأن نسمح لهم بالدخول". إن هذه الوضعية تثير استغراب ودهشة العالم، إذ إن ذلك يجري في بلد فازت مستشارة الدولة فيه - منصب تم إحداثه خصيصا لها- أونغ سان سو تشي، بجائزة نوبل للسلام، نظير مقاومتها التاريخية للمجلس العسكري ورفضها لاختيار العنف لإحداث تغيير سياسي في بلادها، وهي سيدة لها سمعة دولية كبيرة كحقوقية بارزة، وهو ما يجعل كثيرا من الحقوقيين عبر العالم يتساءلون عن سبب صمت أنونغ حول ما يجري في بلادها، بل الأمر لم يتوقف عند صمتها، بل في نفيها لما يجري هناك، فقد سبق أن صرحت لهيئة الإذاعة البريطانية bbc بقولها: " لا أعتقد أن هناك تطهيرا عرقيا في ميانمار، وأعتقد أن التطهير العرقي تعبير أشد من اللازم لوصف ما يحدث"، "أعتقد أن هناك العديد والعديد من البوذيين الذين أيضا غادروا البلاد لمختلف الأسباب (...) هذا نتيجة لمعاناتنا في ظل نظام ديكتاتوري". هذا الموقف جر على أنوغ سان سو تشي انتقادات شديدة بسبب عجزها عن وقف عمليات التطهير العرقي الذي تتعرض له أقلية الروهينغا، بل إن البعض تساءل هل تستحق فعلا الحصول على جائزة نوبل للسلام؟ وذهب البعض إلى حد المطالبة بسحب الجائزة منها، واعتبرها الرئيس التونسي السابق والحقوقي منصف المرزوقي بأنها "سيدة لا تستحق الاحترام". ويبرر المرزوقي ذلك من خلال تدوينة له على حسابه الشخصي على "فيسبوك"، قائلا: "إن الحقوقيين في العالم أجمع وقفوا مع سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام سنة 1991، عندما كانت تتعرض للقمع من قبل الدكتاتورية في ميانمار، لكنها ومنذ حصول حزبها على الأغلبية في الانتخابات الرئاسية لم تقم بشيء لإنهاء مأساة الروهينغا". يبدو أن أونغ مقتنعة بأن ما يحدث في إقليم "راخين" فيه خرق سافر للحقوق والحريات وللمواثيق الدولية ذات الصلة، إذ يصعب الاعتقاد أن مناضلة من طينتها، يمكن أن تتجاهل معرفة الواقع الذي تعرفه بلادها، غير أنها ووفقا لدستور البلاد لا تملك سلطة على الجيش وجهاز الشرطة، وهي المؤسسات المسؤولة عبر المشاركة المباشرة في أحداث الشغب، أو عبر توفير غطاء امني وعسكري للمتطرفين البوذيين. كما أن هشاشة الوضع الديمقراطي، والمخاوف من العودة السافرة للنفوذ الكامل للمجلس العسكري، إضافة إلى أن الأمر يتعلق بأغلبية سكان ميانمار البوذيين في مقابل أقلية مسلمة، ولأن حزب سو تشي راهن منذ البداية على المدخل الانتخابي، فإن صمت زعيمته لا يمكن تفسيره سوى برغبتها في تجنب خسارة قاعدة انتخابية كبرى. لكن هل كل هذه المبررات قادرة على الصمود أمام تزايد أعمال العنف؟ وإلى متى ستظل أونغ سان سوتي صامتة والعالم كله يتابع المجازر التي يتعرض لها الروهينغا؟