الإيليزيه: الحكومة الفرنسية الجديدة ستُعلن مساء اليوم الإثنين    فيديو "مريضة على نعش" يثير الاستياء في مواقع التواصل الاجتماعي    الكرملين يكشف حقيقة طلب أسماء الأسد الطلاق ومغادرة روسيا    المغرب-الاتحاد الأوروبي.. مرحلة مفصلية لشراكة استراتيجية مرجعية    توقيف المتورط في ارتكاب جريمة الإيذاء العمدي عن طريق الدهس بالسيارة في الدار البيضاء    الجزائريون يبحثون عن متنفس في أنحاء الغرب التونسي    نيسان تراهن على توحيد الجهود مع هوندا وميتسوبيشي    سوس ماسة… اختيار 35 مشروعًا صغيرًا ومتوسطًا لدعم مشاريع ذكية    النفط يرتفع مدعوما بآمال تيسير السياسة النقدية الأمريكية    أسعار اللحوم الحمراء تحلق في السماء!    الناظور بدون أطباء القطاع العام لمدة ثلاثة أيام    غضب في الجارة الجنوبية بعد توغل الجيش الجزائري داخل الأراضي الموريتانية    بنما تطالب دونالد ترامب بالاحترام    نُبْلُ ياسر عرفات والقضية الفلسطينية    الإيليزي يستعد لإعلان حكومة بايرو        محمد صلاح: لا يوجد أي جديد بشأن مُستقبلي    تعيين مدرب نيجيري لتدريب الدفاع الحسني الجديدي لكرة الطائرة    نادي قضاة المغرب…تعزيز استقلال القضاء ودعم النجاعة القضائية        توقعات أحوال الطقس اليوم الإثنين    "سونيك ذي هيدجهوغ 3" يتصدر ترتيب شباك التذاكر    تواشجات المدرسة.. الكتابة.. الأسرة/ الأب    أبرز توصيات المشاركين في المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة بطنجة    حقي بالقانون.. شنو هي جريمة الاتجار بالبشر؟ أنواعها والعقوبات المترتبة عنها؟ (فيديو)    شكاية ضد منتحل صفة يفرض إتاوات على تجار سوق الجملة بالبيضاء    الحلم الأوروبي يدفع شبابا للمخاطرة بحياتهم..    تنظيم كأس العالم 2030 رافعة قوية نحو المجد المغربي.. بقلم / / عبده حقي    تصنيف التنافسية المستدامة يضع المغرب على رأس دول المغرب العربي    إعلامية فرنسية تتعرض لتنمر الجزائريين بسبب ارتدائها القفطان المغربي    إدريس الروخ يكتب: الممثل والوضع الاعتباري    السلطات تمنع تنقل جماهير الجيش الملكي إلى تطوان    شركة Apple تضيف المغرب إلى خدمة "Look Around" في تطبيق آبل مابس.. نحو تحسين السياحة والتنقل    شركات الطيران ليست مستعدة للاستغناء عن "الكيروسين"    الموساد يعلق على "خداع حزب الله"    "إسرائيليون" حضروا مؤتمر الأممية الاشتراكية في الرباط.. هل حلت بالمغرب عائلات أسرى الحرب أيضا؟    معهد "بروميثيوس" يدعو مندوبية التخطيط إلى تحديث البيانات المتعلقة بتنفيذ أهداف التنمية المستدامة على على منصتها    كيوسك الإثنين | إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار    أنشيلوتي يشيد بأداء مبابي ضد إشبيلية:"أحيانًا أكون على حق وفترة تكيف مبابي مع ريال قد انتهت"    حكيم زياش يثير الجدل قبل الميركاتو.. الوجهة بين الخليج وأوروبا    من يحمي ادريس الراضي من محاكمته؟    اختتام أشغال الدورة ال10 العادية للجنة الفنية المعنية بالعدالة والشؤون القانونية واعتماد تقريرها من قبل وزراء العدل في الاتحاد الإفريقي    مواجهة نوبات الهلع .. استراتيجية الإلهاء ترافق الاستشفاء    إنقاذ مواطن فرنسي علق بحافة مقلع مهجور نواحي أكادير    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نمط التواصل اليومي في المجتمع المغربي .. عتَب وعصبية وصخب
نشر في هسبريس يوم 03 - 09 - 2017

إذا كنت تتوفر على شيء من دقة الملاحظة، ستبدأ في ملاحظة الاختلالات التي تعوق تواصل المغاربة مع بعضهم البعض في حياتهم اليومية عندما تقارن طريقة تواصلهم مع طريقة تواصل الأجانب في المجتمعات المتقدمة. فبينما يميل الأجانب في الدول المتقدمة إلى التواصل بهدوء وعقلانية، يميل المغاربة في تواصلهم إلى الصخب ومقاطعة بعضهم البعض، والتكلم في نفس الوقت.
هدفي من خلال هذا المقال هو أن أسلط الضوء على بعض مظاهر الاختلال في الأنماط التواصلية للمغاربة وعلى بعض نتائجها الهدامة. سأبدأ بتعريف "النمط التواصلي" وإعطاء مثال توضيحي يمثله، لأنتقل بعد ذلك إلى توصيف ثلاثة مظاهر من مظاهر اللاعقلانية في الأنماط التواصلية في المغرب وهي "نقل الكلام بشكل موجه"، و"النفي الموقفي"، و"الالتباس المعجمي". وسأختم مقالي بتقديم اقتراح عملي للحد من هذه الاختلالات التواصلية.
كل الأمثلة التي سأقدمها في هذا المقال مأخوذة من الدارجة المغربية، ولكن المشاكل التي سأصفها مشتركة بين متكلمي الدارجة والأمازيغية والحسانية رغم وجود بعض الاختلافات غير الجوهرية في الصور اللسانية التي تتخذها هذه الاختلالات عند التواصل بكل لغة من هذه اللغات الثلاثة.
ما هو "النمط التواصلي"؟
"النمط التواصلي" communication pattern هو عادة كلامية (أو كتابية) نسقية systematic تظهر في استعمال الفرد للغته الأم في السياقات الاجتماعية التي يتداول فيها لغته مع أقرانه.
من خصائص "النمط التواصلي" أنه متواتر اجتماعيا ( = يخترق كلام معظم الأفراد بشكل دائم)، وأن مستعملي اللغة لا يكونون واعين به ، فلا يظهر إلا إذا كشف عنه الخبير اللساني وصرح بوجوده. من خصائصه أيضا أنه متعلق بالثقافة التي ظهر فيها، فلا يكفي الأجنبي أن يتعلم نحو لغة من اللغات ومعجمها ليتقن استعمال أنماطها التواصلية. النحو والمعجم ظواهر لسانية، أما "النمط التواصلي" فهو ظاهرة لسانية ثقافية.
الخاصية الثالثة للنمط التواصلي أنه يظهر من خلال أنماط لسانية مطردة كاستعمال كلمات بعينها، أو استعمال أنواع من الصمت معلومة، أو تمديد أصوات محددة، أو تكرار تعابير بعينها، إلخ. هذه الأنماط اللسانية هي "الرداء" اللغوي الذي "يرتديه" النمط التواصلي ويتعيّن من خلاله.
رابع خصائص "النمط التواصلي" أنه قد يكون نافعا في التواصل الفعال فينبغي دعمه في التربية التواصلية، وقد يكون عائقا تواصليا بدرجات مختلفة من المخاطر التواصلية، خصوصا إذا كان هذا العائق مانعا للتواصل الفعال في مجال التواصل الأسري (بين الزوجة والزوجة، أو بين الآباء والأبناء مثلا)، أو في مجال التعليم والتعلّم (على مستوى تدريس المضامين للتلاميذ، أو مستوى فهم التلاميذ لهذه المضامين مثلا)، أو في مجال التفاعل في الفضاءات العمومية (المناقشات بين الأفراد في فضاءات التواصل الاجتماعي مثلا).
ما هي العلوم التي تدرس "الأنماط التواصلية"؟
دراسة "الأنماط التواصلية" هي مهمة مشتركة يتعاون فيها المتخصصون من مجموعة من العلوم اللسانية المختلفة، وهي:
1- علم التداوليات Pragmatics، الذي يدرس كل ما يتعلق بالأغراض التواصلية للغة في سياقات مخصوصة، نحتاجه لدراسة أشكال خروج التواصل عن شكله الفعال.
2- علم التداوليات التحررية Emancipatrory Pragmatics، الذي يدرس كيف تختلف الثقافات عن بعضها البعض في تحقيق شروط التواصل، نحتاجه لكي لا نسقط في التمركز الإثني على الذات فنعتقد أن الطريقة التي نتواصل بها نحن أو يتواصل بها الغربيون هي الطريقة السليمة الوحيدة للتواصل.
3- علم "البلاغيات المقارنة " Contrastive Rhetoric، وهو العلم الذي يدرس كيف تختلف الثقافات في تحقيق شرط الإقناع في النصوص المكتوبة أو الخطابات العمومية، يفيدنا في فهم الأساليب النمطية التي نبدأ بها نصوصنا وننهيها بها، ونرتب بها حُجَجَنا، وننتقي بها "براهيننا"، ونعرض بها أفكارنا، إلخ.
4- علم التحليل النقدي للخطاب Critical Discourse Analysis، وهو العلم الذي يدرس تأثير التفاوت في السلطة التي يمتلكها المتخاطبون أو الأيديولوجيات التي تحكمهم أو الأوهام التي تتمكهم في العلاقة بين الخطاب (سواء أكان نصا مكتوبا أم كلاما جاريا على الألسن) والواقع الذي يدعي هذا الخطاب الحديث عنه. نحتاج لهذا العلم في وصف الإختلالات النسقية التي تعتور الخطاب شكلا (كالميل لاستعمال الفردات الجامعة التي لا تحدد موضوعها ك"الناس"، و"بنادم"، ...) ومضمونا (كالميل للسقوط في الالتباس والغموض والتعميم الضار).
مثال على النمط التواصلي
من الأمثلة عن ”الأنماط التواصلية“ المستعملة في السياق المغربي (عند مستعملي الأمازيغية والدارجة والحسانية جميعهم) والتي ينذر وجودها في الثقافات الأخرى نمط "تبادل التحايات الطويلة". وفي ما يلي حوار بين شخصين (شاب وشابة) يبرز بعض سمات هذا النمط التواصلي:
أ و فاء .. بيخير
ب حمد حْمد .. ساڤا.
أ كي دايرا آختي، كلشي لاباس
ب لاباس آ خويا، وكيداير نتا ڭاع لاباس؟
أ لاباس يسقسي في الخير .. كي دايرة الحاجة .. كي ولات؟ شويا؟
ب لا باس الحمد لله .. ها هي مسكينة.
أ إيوا الله يشافيها ويعفو عليها .. كي دايرا مع شي عمل؟
ب (مقاطعة) ياربي آمين .. لاباس الحمدو لله .. كي دايرا بشرى (زوجة أحمد) .. باقا فديك الخدمة ؟
......
ب إيوا سلم على بشرى والدراري ..
أ مبلغ .. إسلم عليك الخير. سلمي عل الحاجة ..
ب مبلغ .. الله يسر ليك
أ آمين بارك الله فيك .. السلام عليكم ..
يتميز "نمط تبادل التحايا الطويلة" في المغرب بخصائص متعددة منها طوله النسبي، وأنه يميل إلى البدء بذكر اسم المخاطَب، وأنه يبالغ في الأسئلة ويقلل من الأجوبة، وأنه يتجنب الفراغ بطرح المزيد من الأسئلة حتى ولو كانت مكررة، وأنه عادة ما يُختم بدعاء قصير.
من إيجابيات هذا النمط التواصلي أنه يقوي العلاقة بين الأفراد ويمنحهم فرصة للتخابر حول أحوالهم الشخصية وأحوال أهلهم. ومن سلبياته أنه يشجع على طرح الأسئلة ويعوّد الفرد على طرح مزيد من الأسئلة دون الإنتباه لأسئلة الطرف الآخر ومحاولة الإجابة عنها بما يجعل التواصل أبلغ في التعبير عن الإهتمام الحقيقي.
نقل الكلام بشكل موجه Perspectival Reports
"نقل الكلام" هو أن تقوم بنقل كلام سبق لشخص أن كلمك به لشخص ثالث. و"نقل الكلام بشكل موجه" هو أن تنقل هذا الكلام بشكل يشكل يحرف بعضا منه بقصد تعييب المنقول منه. نجد مثالا على بعض خصائص هذا النمط التواصلي في الحوار التالي بين شابّتين:
أ ما فراسك جات عندي ديك المسمومة ديال نجوى ..
ب إمتا؟ .. بوحدها؟
أ البارح .. (ضحك) .. شحال وهي كتتكلم ليا على خوها والسفر ..
ب ديما (ضحك).
أ ڭالت ليك آشنو .. آ .. حڭّا ما حڭّا .. خوها ما كاينش بحالو .. (تقولها وهي تقلّد وجه المنقول عنها بشكل يعيّبها) (ضحك..).
ب (ضحك) إيوا زيدي ..
أ إيوا بقات عليا طاطا ما طاطا .. هادي ما هادي ... ڭلت ليها شوفي آلالّا (بنبرة منخفضة) .. خوك راه كولّنا كنعرفوه ... باراكا من الزفوط ..
استعمال ألفاظ التردد مثل "آ"، وألفاظ التشكك ك "حڭّا ما حڭّا"، وتعابير المبالغة ك"ماكاينش بحالو"، وتقليد وجه المنقول بشكل يعيّب طريقته في الكلام وسائل خِطابية تستعمل لنقل الكلام بشكل يشوه الكلام الأصلي ويضيّع مقاصده. فالأرجح أن نجوى تحدثت عن أخيها فقالت عنه كلاما لم تذكره المتكلمة، أو أنها لم تقل كل ما أدرجته المتكلمة في منقولها، أو أن غرض نجوى لم يكن مدح أخيها أصلا. فاستعمال أدوات تحريف الكلام عادة ما يكون دليلا على ضياع جزء من المنقول بسبب رغبة الناقل في تعييب المنقول عنه.
تمعن المتكلمة (أ) في استعمال أساليب "التوجيه" في النقل عندما تقول "إيوا بقات عليا طاطا ما طاطا .. هادي ما هادي" مستعملة ألفاظ التسطيح "طاطا ما طاطا" و"هادي ماهادي" فهي تقصي من منقولها كلاما قد يكون كثيرا ومنسجما في كلام المنقول منه إمعانا في تشويهه وعدم إظهاره للمخاطَب وإضفاء طابع كاريكاتوتي عليه. وعندما تقول المتكلمة "ڭلت ليها شوفي آلالّا"، فإنها تتكلم بنبرة منخفضة توهم بالإتزان في الكلام والحكمة في الموقف بغاية إضفاء طابع مثالي على المتكلم.
"لا .. غير فخاطري".
هناك نوع آخر سلبي من "نقل الكلام بشكل موجه" ينقل فيه المتكلم كلامه الشخصي مع شخص آخر ثالث يميل فيه إلى إقحام كلام كثير لم يصدر عنه أصلا وذلك لإضفاء طابع مثالي على كلامه. وفي ما يلي مثال على ذلك:
أ مشيتي مازال تجيب ديك الورقة من الإدارة
ب مشيت عندهوم وبداو كيسخسخو فيا .. سير حتى لغدّا .. سير حتى لبعد غدّا!
أ إيوا آش ڭلتي ليهوم؟
ب ڭلت ليهوم .. شوف آسيدي .. أوالله ما نخرج من هنا حتى تعطيوني وراقي .. سحاب ليكوم أنا طوبيس نبقا غير غادي جاي؟ .. وزايدون، ڭلت ليهوم، آش كتديرون نتوما هنا؟ واش محنّيين؟ .. راه أنا مواطن وعندي الحق تعطيوني وراقي فالبلاصة ..
أ ڭلتيها ليهوما هاكّا؟ (بتعجّب).
ب لّا غير فخاطري .. سحاب ليهوم غادي نسكت ليهوم .. والله لا سكتّ ليهوم ..
أ آودّي الله يعفو علينا من هاد البلاد وصافي.
عندما أجاب (ب) مخاطِبه (أ) عن سؤاله حول ما إذا كان بالفعل قد وجه كلامه بالطريقة التي وصفها وقال له: "لّا غير فخاطري" فإنه جوابه يستلزم أن وصفه كاذب وأنه وصفٌ لما كان يريد أن يقوله لا لما قاله بالفعل. والمثير في مثل هذه المواقف أن المتكلمين يتساهلون مع هذا النوع من الكذب كما يتضخ من خلال استرسال (ب) في الكلام دون توضيح أو اعتذار عن الكذب، ومن تعليق (أ) الذي يقتضي تعاطفه مع (ب). فكأنما يسمح موقف الغضب للفرد أن يضفي طابعا بطوليا على كلامه.
من مخاطر "نقل الكلام بشكل موجه" أنه نوع من الكذب له نفس مضار الكذب (مثل تضليل الناس عن اتخاذ القرارت الجيدة) يزيد عليه أنه يوتّر العلاقة بين الناس (كأن يتعامل المنقول إليه مع المنقول منه على أساس هذا المنقول وهو غير دقيق وفيه تعييب)، ويرسّخ الكذب بصفته شيئا جائزا (فالتفكه المرافق للنقل الموجه يحببه ويجعل الناس يستلطفونه)، ويخلق عند من يستعمله ميلا إلى التقليل من أهمية عدم الدقة في نقل المعلومة وهذا من أخطر المواقف النفسية المعيقة للتعلُّم في السياق البيداغوجي.
النفي الموقفي attitudinal Negativity
"النفي الموقفي" نمط تواصلي يعبر به المتلقي من خلال مساهمته الحوارية عن نفيه المتواصل لكل ما يقوله المتكلم بنبرة يغلب عليها التشاؤم ونقص الإنتباه لجل ما يقوله المتكلم. في ما يلي حوار يبرز بعض خصائص النفي الموقفي.
أ بدات نعيمة كتجمع راسها .. لقات خدمة مزيانة وغادية فيها مزيان.
ب أودّي الله يهديك آش من مزيانة والا ...
أ لاّ راه خدمتها الجديدة حسن من خدمة راجلها وكتّوشي مزيا ا ان ..
ب أودّي ما كاين لا كتّوشي والا ... غير الهضرة الخاوية وصافي .
أ كيفاش الهضرة الخاوية؟ .. راه كتّخلّص 12000 درهم .. هادي هي الهضرة الخاوية؟
ب أودّي خلّيني من 12000 درهم ولّا ديك الهضرة .. بقات ليك فالدراهم ..
أ وفاش بقات؟
ب بقات فبزّا ا ا ف دالحوايج ..
أ بحال آش؟
ب بزّا ا ف .. واش خدامة مزيان؟ .. بشحال خدامة؟ .. وفين خدامة .. بزّاف بزّاف ..
أ خدامة فشركة ديال الديجيتال وكتخلص 12000 درهم وعندها شهراين كونجي ..
ب أودّي الله يهديك آش من كونجي .. والا ...
أ والله ما فهمت آش بغيتي تڭول.
ب ياودّي ما بغيت نڭول والو .. لي خدم يخدم وانا مالي ڭاع!
يظهر المتلقي (ب) "النفي الموقفي" من خلال الخصائص اللسانية التالية:
* يبدأ جل مساهماته بالتعبير "آودّي" وينتهي بجمل غير مكتملة ("والا ...").
* يميل إلى نفي كل ما يقوله مخاطبه.
* لا يعطي سببا واضحا لنفيه. مثلا لا يصرح باعتراضه على "الكونجي" ("أودّي الله يهديك آش من كونجي).
* تميل التعابير التي يستعملها والمقاصد التداولية التي تفهم من كلامه للغموض، لذلك يصرح مخاطبه في نهاية الحوار بأنه لم يفهم كلامه ("والله ما فهمت آش بغيتي تڭول.
* تسيطر على كلامه نبرة تشاؤمية غير مبررة بشكل جيد.
* يدل كلامه على عدم الانتباه لما يقوله مخاطبه. لذلك فإنه يطرح السؤال "بشحال خدامة" رغم أن مخاطبه أجاب عن هذا السؤال قبلا.
من سلبيات النفي الموقفي أنه يشجع على عدم الانتباه في الحوار، وأنه يتسامح مع الكلام المبهم غير المكتمل، وأنه يرسخ قيم "الخبط" في النقاش (أي النقاش الذي لا يلتفت إلى حجج المخاطب ولا يقيمها بعناية)، وأنه يسمح بالكسل الذهني و التشاؤم الغير مبرر.
الالتباس المعجمي
"الالتباس المعجمي" هو أن تحتمل الكلمة أكثر من معنى واحد. هذه ظاهرة تتميز بها جميع اللغات الطبيعية، ولكن التواصل الفعال يلجأ إلى استراتيجيات مختلفة لتجنبه في الحوار. خذ على سبيل المثال استعمال لفظة "شرا" التي تعني "اشترى" في الحوار التالي:
أ فاين عمر؟
ب مشا يشري ليا سروال.
أ ومنين جاوه لفلوس؟
ب لا، راه أنا لي عطيتو الفلوس باش يشريه ليا.
عندما استعمل (ب) لفظة "يشري" لم ينتبه إلى أن معنى هذه اللفظة ملتبس بين معنى "يشتري باستعمال نقود أنا من أعطيته إياها" ومعنى "أن يشتري باستعمال نقوده الخاصة". ولو كان واعيا بهذا الإلتباس وأراد أن يتفاداه، لقال مثلا: "عطيتو الفلوس يشري ليا سروال."
من حالات الإلتباس السائدة في المجتمع المغربي استعمال الأفراد لما يسمى ب"الأسوار المنطقية" (أي تلك الألفاظ التي تدل على التكثير ك"بزاف" والتقليل ك"شويّا" والتبعيض ك"شي" وغيرها). للتوضيح، لنعتبر استعمال "بزاف" في الحوار التالي:
أ صاوبتي التمارين ديال الماط آولدي؟
ب مازال ما ساليتهوم آ بابا .. راه عطاونا بزّاف ديال التمارين اليوم.
"بزّاف" في كلام (ب) ملتبسة بين معان متعددة. فقد تعني "بزاف" بالمقارنة مع حجم التمارين التي ننجزها عادة، أو "بزاف" باعتبار أن اليوم إجازة ولا ينبغي أن نقضي يوم الإجازة في إنجاز التمارين، أو "بزاف" بالمقارنة مع المواد الأخرى، أو "بزّاف". "بزاف" سور منطقي كثيرا ما يحتاج لتحديد مجال تطبيقه لتقدير معناه. لذلك يمكن للأب أن يستوضح ابنه بأن يسأله: "بزّاف دالتمارين علا آش؟ واش بزّاف على داكشي لي كيعطيوكوم ديما ولاّ آش؟"
تحديات اكتشاف الأنماط التواصلية الهدامة ووصفها
يتضح إذن أن تواصلنا اليومي تنخره اختلالات تواصلية غير عقلانية متعددة تشجع على الكذب، وعدم الدقة في التعبير، والالتباس، والغموض، والتعميمات الغير مبررة، وعدم الإنتباه، ومظاهر الكسل الذهني، وتوتير العلاقات الاجتماعية، وغيرها من الأمراض الاجتماعية. من التحديات التي تطرحها هذه الاختلالات التواصلية أنها:
1 ليست كونية، لذلك فاكتشافها وتشخيصها يحتاج لتدخل أكاديمي على المستوى المحلي. نحتاج لمجموعات بحث ومختبرات بحث جامعية تركز مجهوداتها الأكاديمية على توصيف هذه الاختلالات.
2 تميل إلى إخفاء نفسها في تفاصيل الحوار اليومي بحيث لا يكاد ينتبه لها الذهن الواعي. فهي من مظاهر "اللاوعي التواصلي" الذي يحتاج في اكتشافه إلى درجة عالية من دقة الملاحظة عند الباحث، وإلى تكوين مكثف في مجالات البحث العلمي التي ذكرتها أعلاه.
كيف نحد من الأنماط التواصلية السلبية؟
تحتاج مقاومة الأنماط التواصلية السلبية إلى نوعين من التدخلات على المستوى التربوي:
أولهما أن يصوغ صانع القرار منهاجا دراسيا يجمع بين ثلاثة محاور وهي "الفكر النقدي" و"الثقافة الابتكارية" و"والتواصل الفعال". فهذه الأبعاد الثلاثة مترابطة وداعمة لبعضها البعض (بشكل لا نستطيع التفصيل فيه في هذا المقال)، على أن تُدرج المادة التي يُدرّس فيها هذا المنهاج من السنة الأولى في التعليم الأولي إلى مستوى الباكالوريا.
ثانيهما أن هذا المنهاج الدراسي الذي نقترحه ينبغي أن يكون تصحيحيا corrective، بمعنى أن تكون مضامينه مصححة للاختلالات التواصلية التي يعاني منها المجتمع لا مجرد صيغ مجردة لا علاقة لها بالمشاكل التواصلية للناس.
ثالثهما أن يصوغ صانع القرار منهاجا تكوينيا لتدريب المدرسين في معاهد تكوين المدرسين على قيم "الفكر النقدي" و"الثقافة الابتكارية" و"التواصل الفعال"، فهذه الأبعاد مترابطة وداعمة لبعضها البعض كما أسلفنا، و لا يمكن أن ينجح تعليم هذه القيم للتلاميذ إلا إذا تشربها المدرسون أنفسهم وتدربوا بشكل جيد على تدريسها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.