إن التعذيب بطبيعته يفترض وجود طرفين: الطرف المعذب والمعذب، الجلاد والضحية. وكانت المعادلة بين هذين الطرفين بدرب مولاي الشريف آنذاك تعتبر مواجهة بين أفراد مجردين من أي شيء إلا أفكارهم ومبادئهم من جهة، ومن جهة أخرى القوة غير المحدودة للدولة. وكانت هذه المواجهة تتم في الظلام، وراء الشمس، بعيدا عن العيون...لذا كانت دائما بمثابة انتصار للطرف الأول ( الضحية ) مهما كانت النتيجة. لهذا يشعر ضيوف الدرب بنشوة انتصار خاص على قوة الإرهاب والترهيب والظلم وخنق الكلمة الصادقة، انتصار خاص كفيل بالافتخار به، لأنه بقدر ما يعظمهم أمام جلاديهم فإنه يجعل الجلادين صغارا في أعينهم لا يكادون يبينون. في درب مولاي الشريف يصبح التعذيب للعيش وقواما من قوامات الحياة اليومية بالنسبة للمعتقل، إنه حاضر على الدوام، يمارسه جلادو الدرب على المستنطقين، وكذلك الحراس الدائمون " الحجاج" المكلفون بحراسة الضيوف 24 ساعة على 24 ساعة. والتعذيب الممارس بالدرب أشكال وأنواع، مادي جسدي ومعنوي نفسي. يكاد المرء بالدرب يختنق في فضاء ضيق...أنفاسه تتنافس مع أنفاس الآخرين ذات اليمين وذات الشمال في أقبية وزنازين وممرات تحتضن أكواما من البشر.