المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34        المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير الدخيل...مسارات حياة الولي مصطفى السيد وسيدي محمد إبراهيم بصيري

نظمت الشبيبة الاتحادية يومي 9 و10 يوليوز ندوة بطانطان في موضوع «مسارات حياة الولي مصطفى السيد وسيدي محمد إبراهيم بصيري» ، تم خلالها تقديم عدة شهادات ومداخلات من بينها مداخلة البشير الدخيل التي تطرق فيها الى عدة وقائع تاريخية وسلط الاضواء على العديد من الحقائق . وفيما يلي نص شهادة هاته الشخصية التي تعد من مؤسسي البوليساريو والشاهدة على ارهاصات ميلاده وخطواته الاولى وكيف استولت عليه الجزائر لخدمة استراتيجيتها بالمنطقة المغاربية.
"Tenemos , por supuesto , el derecho a denunciar toda violencia injusta ; pero tenemos el deber de oponernos siempre a la que se comete en n uestro nombre"
(CONOR CRUISE O BRIEN)
«..لنا طبعا الحق ان نفضح اي عنف غير عادل ، ولنا ايضا الواجب دائما لمعارضة ما يفعل باسمنا»
سأحاول أن أتكلم في هده المداخلة بايجاز شديد عن سيرورة الأحداث البارزة في الصحراء المدة الاخيرة من الاستعمار الاسباني ونشأة الحركة الجنينية وتكوين لبوليساريو والوضع الراهن.
ولنقترب من معرفة اهم الاحداث المشار اليها اعلاه لابد من الاخذ بعين الاعتبار هذين الشخصين الهامين تمزج تاريخ حياتهم بالاحداث نفسها .
- ان الكلام عن الفقيد سيدي محمد إبراهيم بصبري وعن الولي مصطفى السيد هو كلام عن جيل ترعرع و عاش الوضع المزري آنذاك في الصحراء هو كلام عن جيل محكوم عليه(DAMNE) كما يحلو للولي ان يذكر دائما هو الجيل الذي تعرض للضغط الاسباني وعانى من التخطيط الجزئي ،ومن مرارة اليأس، ومن وضع غير مريح في وطنه الأم ،هو جيل عاش أحداث فلسطين، وشاهد وعايش التواجد الاسباني بالساقية الحمراء وتابع وقارن الانتصارات و الاخفقات الثورية في العالم وتضايق من التقسيم العائلي والفقر والحرمان وهو جيل الكتب الممنوعة وهو اول جيل دخل المدارس الحديثة .
فأنا بنفسي أتذكر أني قرأت سريا وتحت ضوء المصباح ليلا كتاب» المعذبون في الارض «(1) وسمعت لأول مرة راديو القاهرة بالفصحى وعاش كذلك أحداث 68 .
كغيره من الشباب هذا الجيل الذي كان يهوى الحياة الكريمة والعيش السليم فرض عليه ردود فعل من اجل تغيير الوضع المرفوض،فجيل السبعينات و الستينات كانوا هم أبناء مقاومو جيش التحرير الذي عانى ما عاناه من تهميش وضرب من طرف القوات الاستعمارية الاسبانية والفرنسية.
فجيلنا قد شب في مرحلة مهمة من تاريخ البشرية وخاصة في المنطقة التي كنا نعيش فيها نحن، حيت ان الأوضاع لم تستقر في هذا الربع من الوطن ، أجيال متلاحقة عاشت الحروب وكل أنواع التشرذم ،والعائلات الصحراوية، على وجه الخصوص، عانت الكثير ولازالت تعاني من التفرقة المفروضة وعدم السماح لها بالانصهار في دولة واحدة تضمن لها تساوي الفرص والعيش الكريم .
وللتقرب من فهم الوضع الحالي لابد من الرجوع الى دراسة ولو بسيطة لمختلف المحطات الأساسية لهذه القضية وخاصة إذا أردنا التعرف على مسارات حياة الولي مصطفى السيد والمفقود سيدي محمد بصيري.
وهذين الشابين البررة عاشوا وترعرعوا كسائر أجيالهم متأثرين بوضع ذويهم المتأزم وغير المستقر، فالوضع لم يهدا أبدا نتيجة التغلغل الاستعماري في ارض المغرب، حيث اسبانيا كانت تحتل الشمال ومعظم الأقاليم الجنوبية وفرنسا تحتل الأجزاء الأخرى من المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا الحالية .
امتاز القرن التاسع عشر والثلاثينيات من القرن العشرين بمحاربة الاستعمار الفرنسي والاسباني من طرف أجدادنا وكل الغيورين على دينهم ووطنهم الكبير.
ومن ملك لحكامه (1932)أي اتفاقية السلم بين اسبانيا وفرنسا من اجل فرض الحدود لتكريس واقع التقسيم إلى بداية الخمسينات، تميزت هذه الحقبة بالسيطرة الاستعمارية على كافة التراب المغربي ،والاتفاقيات المتلاحقة بين اسبانيا وفرنسا (1900،1902) ،(1906،1912) قصد تقسيم مناطق النفود بينهم مما نتج عن ذلك خلق كيان جديد ( موريتانيا((3) وبتره من ارض الوطن وابقاء فقط 266 الف كلم من التراب الوطني تحت السيطرة الفرنكوية الرهيبة بعد التخلي عن الطنطان و الطرفاية (1958)(2) وافني (1967) .
وفي اواخر الخمسينات ،لبى الصحراويون نداء الوطن بانضمامهم الى جيش التحرير المغر بي الذي كان يقاوم الاستعمار الفرنسي على وجه الخصوص وهو الاخر تعرض لاكراهات ومناورات يراد منها استضعاف النظام المغربي والنيل من السيادة الوطنية .
وفي بداية الستينات من القرن الماضي اشتعل ما أصبح يعرف بحرب الرمال (1963) بين الدولة الثورية الجزائرية والمملكة المغربية الأصيلة وفي هذه الحرب القصيرة المدى شارك الصحراويون المغاربة مع دولتهم المغرب وعند انتهاء الحرب وقع ما وقع ، ومن بين هؤلاء الشباب من كان مؤسسا فعليا لجبهة البوليساريو1973 .
وبعد الضغوطات المتلاحقة من طرف الدبلوماسية المغربية من اجل تحرير الصحراء، (3) أي الجزء المتبقي منها، سارعت اسبانيا لوضع اسس المقاطعة رقم 53 لفصلها نهائيا عن الوطن الام وخلقت من اجل ذلك الغرض «الجمعية العامة الصحراوية» وهذه الجمعية فيما بعد كانت من بين المدافعين الاشداء في الامم المتحدة من اجل البقاء الاسباني في الأراضي المغتصبة وقد توج هذا العمل بما أصبح يعرف بعام «السنيات» (1967) .
وفي سنة 1968 طالبت لجنة الوصاية بالامم المتحدة اسبانيا بتنظيم الاستفتاء بالصحراء باشراك اللاجئين وهي نفس السنة التي جاء فيها المناضل، ابن الزاوية الشريفة، سيدي محمد ابراهيم بصيري الى السمارة المحتلة بعد انتهاء دراسته في الشرق العربي وتاسيس جريدة الشموع (الدار البيضاء) رفقة مناضل اخر باهي محمد الذي عانى بدوره مرارة السجون والتهميش .
وهذه السنة كانت اساسية في تكوين الاحداث التي وقعت في السنوات القادمة . وكانت السنة الفاصلة.
ومن سنة 1968 الى1970 برز اول تنظيم صحراوي سري ينادي بالمزيد من الحقوق للصحراويين وبالحكم الذاتي، وطبعا هذا التنظيم أي الحركة الجنينية (4) اول «حزب مسلم »كما يسميه الاستعمار، برز الى الوجود بصفة علنية في مظاهرة سلمية بخط الرملة ( الزملة بالعيون) يوم 17 يونيو 1970 وهذه التجمع السلمي والعفوي سرعان ما تم إخماده بقوة السلاح الفاشي حيث قام قبطان اللفيف الاجنبي (DIAZ ARCOCHA) برمي المتظاهرين العزل بالرصاص الحي، قتل العشرات وهرب الكثيرون الى الدول المجاورة وخاصة موريتانيا وامتلأت السجون الاستعمارية بالصحراويين الرافضين للوجود الاسباني. تحولت المنطقة اذا إلى سجن كبير ورهيب، وبرز الوجه الحقيقي للاستعمار الاسباني أي الوجه الفاشي اللعين الذي كان يتماطل في تنفيد القرارت الأممية ويتعامل بيد من حديد.
وفي يوم 18 يونيو، أي يوم واحد بعد المذبحة الرهيبة، اختطف المجاهد المناضل مؤسس الحركة المناهضة للاستعمار سيدي محمد بصيري من طرف الاستعمار الاسباني، الشريف الذي استطاع في مدة وجيزة من الزمن تحويل الوضع المرفوض الذي كان راكدا الى متحرك واشعال النقاش الوجداني في كل الأزقة والديار وخاصة لدى الشباب المتعلم في المدارس والمعاهد أي انه عبد الطريق من اجل السير الى الامام وإقبار الاستعمار إلى الأبد.
كثرة الاقاويل والردود عن مصير هذا المفقود ،اقدم مفقود في العالم، ونحن نتساءل اليوم لماذا هذا التأخر للإفصاح والمطالبة بمصير هذا البطل الوطني الذي ضحى من اجل خروج اسبانيا من الساقية الحمراء ووادي الذهب وقام بالتوجيه والتوعية الصادقة من اجل مناهضة الاستعمار الاسباني. ويعتبر اول زعيم سياسي وشاب ومثقف يقوم بتأسيس تنظيم محكم ضد التواجد الأجنبي من داخل هذا التواجد نفسه ومن بين الفوارق تأخر الاعتراف به من طرف البوليزاريو مثلا لأنه يعتبره مغربيا محضا ومخلصا ونحن بدورنا يراودنا دائما السؤال التالي لماذا هذا الصمت عن قضية رجل عظيم قاوم الاستعمار بكل ما يملك .
وكنا من الاوائل، بحكم تتبعنا لمساره و تأثيره على نفوسنا ومسار حياتنا حيث نبهنا السلطات العليا في هذا البلد الأبي لهذا الأمر وحين اذن نظمت عدة ندوات ، وحسب رأينا المتواضع انها لا تكفي لابراز الحقيقة في اختفاء أقدم مناضل ضد بقاء الاستعمار الاسباني في هاته الأرض الطيبة.
ونحن من الشباب الذي كان يعيش في الساقية الحمراء المتاثر بمسيرة سيدي ابراهيم بصيري وبنضجه وخاصة بالرد الاسباني العنيف ضد مطالب الصحراويين البسيطة وكانت هذه الضربة الفاصلة بيننا وبين الاستعمار الاسباني واصبحنا نعي باهمية ما قام به بصيري ورفاقه ونجتر بمرارة وضعنا، وعاهدنا على انفسنا انذاك ان المرة القادمة ردنا سيكون بطريقة اخرى وبوسائل أخرى .
ذلك المسلسل النضالي الحافل والنوايا الحسنة لم يجني لنا سوى بقاء البعض منا تحت وطأة الاستعمار الغاشم والبعض الآخر تحت خط الفقر ناهيك عن الجهل وقلة الإمكانيات وبعد نكسة مذبحة الزملة التاريخية تولد لدى الشباب الصحراوي في كل مكان فكرة الرد السليم على هذا الوضع المخزي.
ومن بين هؤلاء الشباب برز الى الوجود السياسي، شاب اخر نشيط، تربى في الأوساط السياسية وخاصة التقدمية منها وفي الرباط خاصة عاصمة المملكة الشريفة الا وهو الشريف الركيبي الولي الذي كان يدرس بالرباط ضمن مجموعة اخرى من الصحراويين المتعطشين الى بناء دولة كبيرة مترامية الأطراف أي استكمال وحدتها وبعد محاولات متعددة من اجل اقناع اوساط حزبية و سياسية مغربية بدعم مشروعه ، شارك رفقة أصدقاء له في مظاهرة سلمية بالطنطان سنتي 1971 و1972 حاملين الشعار« اسبانيا تمرك برا والصحرا تبقى حرة» وفي المظاهرة الاخيرة كان الرد من طرف السلطات عنيف وغير مقنع مما ادى به الى الخروج مسرعا كما خرج الكثيرون من مختلف المدن المغربية الى دول العالم.
من المغرب الى الجزائر ومن الجزائر الى تونس حيث تعرف على الصحافية ليلى شهيد الذي كتبت عنه كتابا وساعدته في الاوساط الليبية بعدما تم دعمه من طرف بعض الشخصيات المغربية المعارضة التي كانت لاجئة هناك، وخاصة المرحوم الفقيه البصري الذي مد له يد المساعدة وسهل له المأمورية حيث استقبله القذافي ووعده بالدعم من اجل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، وكتب في هذا الاتجاه في جريدة ليبية تدعى «الوحدة» نشرت له مقالا مطولا تشرح فيه مذبحة «الزملة» 1970 وتعرف بالمنطقة والصحراويين على وجه الخصوص، وللتذكير كان القذافي قد زار موريتانيا 1971 ونادى بتحرير الارض المغتصبة من طرف اسبانيا وبالمناسبة فتح بنواكشوط بنكا وكان يدعم بالمال مجموعة صغيرة من الفارين الصحراويين من العيون بعد احداث الزملة الذين انضموا فيما بعد الى البوليساريو سنة 1973 .
والدعم الليبي كان حاسما فيما بعد في نجاح الحركة الجديدة« البوليساريو» حيث كانت ليبيا سباقة في الدعم بالسلاح والمال الى سنة 1984 وبعد الاتفاقية الليبية المغربية وهذا الدعم طبعا كان يزعج النظام الجزائري الذي لم يعترف بالحركة رسميا الى اواخر 1974 .
والقذافي كان يعتبر الولي رمزا وصديقا قادرا على تحقيق الشيء الكثير عكس الجزائر التي كانت ترى فيه الرجل الغير مناسب لأهدافها الخاصة وحاولت دائما ان تتركه جنبا او ان تتغاضى عليه لكي لا يلعب دورا مهما في هذه القضية .
وفي سنة 1973 كان الاتفاق بين كل المجموعات الشبابية الآتية من كل الأقطاب المغاربية التي تتفق على قيام حركة اخرى مناهضة للاستعمار الاسباني.
ومن قلب الصحراء نفسها ومن العيون خاصة انطلقت مجموعة كبيرة تتكون من 25 شابا بسياراتها وامتعتها وبمعية ضابط اسباني صديق (ROLAND EMILE) الذي كان سيقوم بتدريب الجيش المستقبلي والذي اعدم فيما بعد من طرف السلطات الاسبانية «باوسرد» يوم 22/03/73 .
ومن الزويرات شمال موريتانيا بعثت السلطات الموريتانية مجموعة منا الى «اطار» وبعدها نواكشوط وهنا استقبلنا «المختار ول داده» رئيس الدولة الموريتانية الذي طلب منا عدم استعمال العنف تحت ذريعة ضعف موريتانيا وقوة اسبانيا (5).
والموقف الموريتاني استغل جيدا من طرف الولي مصطفى السيد وبعد عودته من ليبيا تم الاتفاق على التجمع بالزويرات في شهر ابريل 1973 وترتيب كل الاعمال اللازمة لنجاح انشاء حركة مسلحة جديدة ضد الاستعمار الاسباني وفعلا وبعد المداولات الطويلة بين المجموعة المؤسسة التي لا تتعدى 21 فردا والتي طلب من كل واحد منها اعطاء شعار خالد ومبدإ من مبادئ الثورة وهكذا تأسست الجبهة الشعبية لتحريرالساقية الحمراء ووادي الذهب يوم 28/04/1973 .
وفي اليوم الموالي طلب مني ان اركب اسما بالاسبانية سهل الاستعمال واخترعت كلمة F.POLESARIO»التي اصبحت شائعة في كل مكان في العالم بل كنت من طبعها في اول جريدة «20 ماي» في مطبعة جزائرية في ساحة الامير عبد القادر (الجزائر العاصمة ).
ماهو ملفت للنظر اننا أي تلك المجموعة الشبابية لم تأسس حركة من اجل تحرير الصحراء الغربية بل من اجل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب اما مفهوم« الصحراء الغربية» اتت به الجزائر بعد تدخلها مباشرة في الصراع .
وطبعا «الولي مصطفى» كعادته كان يتنقل بسرعة فائقة من مكان الى اخر حيث ان شخصيته كانت تتميز بالانسانية وذكاء خارق وتواضع لا متناهي وكان لا يعجز عن الوصول الى اهدافه ويمتاز بصفات القائد الفذ من دين ويقين وتفاني بعد نظر وطول النفس والتفكير غير القاصر وكان سريا للغاية وجديا للغاية ايضا، اما اديولوجيته السياسية كانت مزيجا من القومية العربية التقدمية وخاصة الوحدوية التي كانت ضد أي انشقاق او انفصال وكان يؤمن بالوحدة العربية كهدف سامي لا مناص منه حسب اعتقاده .
وهذه الحركة المسلحة التي تاسست في «الزويرات »واصدرت بيانها السياسي الاول يوم 10 ماي 1973 ومن بين مبادئها الأساسية المناداة بالحرية للساقية الحمراء ووادي الذهب متجنبة ذكر الاستقلال اوبناء دولة (6) وفي الواقع البيان السياسي الاول كان يتطابق مع روح الشعار المحمول في مظاهرات الطنطان ويفتقد لرؤية سياسية مستقبلية وانا من موقعي هذا كعضو مؤسس للبوليزاريو أكد عدم وجود أي وثيقة رسمية تدل على عكس ما سبق في السنوات الاولى .
بل اكثر من هذا، حينها ، عرض الولي مصطفى السيد» على رئيس موريتانيا المختار ولد داداه تأسيس فدرالية من اجل بناء دولة واحدة بعدما احس بالضغط الشديد من طرف الجزائر التي لا تحبه.
وكما سبق في السنوات الاولى افتقدت الحركة المسلحة لبرنامج واضح المعالم ولنظرية سياسية بعيدة المدى والهدف الأوضح المتفق عليه من طرف الجميع كان اخراج «النصارى» من البلد . وبعض الاخوة كانوا يعتقدون ان هذه الحركة الجديدة ستتبنى الفكر البصيري وستقوم بالبحث عنه، وتبين بعد ذلك انها تجاهلته كليا الى مطلع الثمانينات و بعد رضوخها لضغط عائلته وحاجة ماسة الى توجه سياستها الى الساكنة التي كانت مستعمرة من طرف اسبانيا، لتطلق اسمه على بعض الذكريات البسيطة ولم توليه اهتماما مركزيا.
فالبوليزاريو اصبحت لديه وحدات منظمة ومسلحة بالسلاح الليبي وباتت تغازلها السلطات الجزائرية حتى ان اوقعتها في الفخ الأول واستدرجتها للقيا م بمؤتمرها الثاني، من يوم 25 الى 30 غشت 1974» بام غريد» جنوب «تيندوف «(بالاراضي الجزائرية ) وهذه هي اللعبة التي كانت تعمل من اجل بلوغها السلطات الجزائرية .
وهذا المؤتمر قد احتلته مجموعات من الصحراويين الجزائريين معظمهم من الجنود شبه المتقاعدين والذين كانوا خارج الاطار التنظيمي،و الهدف من هذا الانزال هو السيطرة على دواليب الحركة الجديدة والإطاحة بالأمين العام المنتخب الولي مصطفى السيد الذي كان يحظى بشعبية كبيرة وكان من وراء وضع برنامج عمل وطني على المدى القريب والمتوسط والبعيد والفصل بين الجناحين العسكري والسياسي .
يجب ان نتذكر ان في مطلع السبعينات كانت هناك لقاءات رؤساء وملوك الدول الثلاث في (اكادير نواذيبو وتلمسان) ومن بين نتائج هذه اللقاءات البحث عن حل سليم للمستعمرات من طرف اسبانيا، والجزائر قطعت على نفسها انها ليست لها مصالح ترابية في الصحراء،ولكن في نفس الوقت بدأت تخطط للسيطرة الكلية على الحركة المسلحة الجديدة كما سبق.
وبالفعل قامت السلطات الجزائرية ولاول مرة باستدعائنا، اواخر سنة 1974 لحضور مؤتمر»الشبيبة التقدمية» الدولية المنعقد ب «تبازا» (قرب الجزائر العاصمة) وكانت المناسبة ملائمة للقاء الراحل هواري بومدين على هامش اشغال المؤتمر، وكان يتزعمنا في هذا اللقاء مع الرئيس الجزائري الولي مصطفى السيد، وطبعا قد وعدنا بالدعم الكثير ومد يد المساندة .
وعند عودتنا الى قواعدنا العسكرية بدأ تنفيذ الخطة الجزائرية بالاطاحة بالولي مصطفى السيد بعدما اجتمعت اللجنة التنفيذية، أعلى سلطة انذاك، والتي كان معظمها ضعيفا ومواليا للجزائر .
هذا العزل بدون مبرر للامين العام المنتخب فرض ردات فعل قوية من طرف القوات الحية للبوليزاريو، خاصة الجيش من اجل اعادة الأمور الى مجراها الطبيعي وبعد انذار اللجنة التنفيذية المتواطئة مع الجزائر قامت الوحدات العسكرية باعادة رد الاعتبار للامين العام المخلوع وسجن أعضاء اللجنة التنفيذية لايام قليلة .
ولما تاكدت الجزائر ان للولي دعم كبير قامت بفتح ابواب مركز التدريب العسكري بترابها (اجنين) من اجل تشتيت القوات المساندة له وقطع رؤؤسها من اجل بلوغ مطامحها، وحينها كنت رئيسا للجنة العسكرية التي كان من بين صلاحياتها التنسيق ما بين الجناحين العسكري والسياسي، وأصبحت فيما بعد رفقة اول سجين مع مجموعة كبيرة من اطر شابة تنتمي الى قبائل لا تدور في الفلك الجزائري، وبعد التعذيب وقتل شخصين رميا بالرصاص زجوا بنا في سجن:( لكصيب )المتواجد بين حدود مالي و موريتانيا والجزائر (7).
بدا المسلسل الرهيب وبدات «تزمامارت» الجزائر في تدشين عدة سجون تحت الأرض مثل: «كويرة بيل» و«الرشيد» و«عظم الريح» و«الربوني» الخ ........
هكذا بدأ مسلسل العذاب وتم إضعاف الولي مصطفى السيد ومن يدعمه في خططه حيث صرح لاحدى اقاربه:
«حفرت لي حفرة واشعلت فيها النار وطلبوا مني القفز ففعلت ، قطعت راس الحركة التي كان من بينها بشير الدخيل وواجهت الواقع ثم ذهبت الى الفروع لنعرف ماذا يرون في الحل ».
وبالفعل اشتعلت النيران في كل مكان وبدأ مسلسل التصفيات الجسدية والنفسية وسجن الابرياء واخترعت فكرة «الشبكات الرهيبة» من اجل ترهيب المواطنين العزل والنساء والاطفال، حينها امتلات مخيمات اللاجئين من الوافدين من كل مكان لتكون اول مخيمات للاجئين معسكرة ومسيسة ومنظمة وتعيش بالترهيب والعذاب .
وللتذكير لم يسجن قط في مخيمات تندوف أي كان من القبائل التي تعيش في الأراضي الجزائرية اصلا وكل المعذبين هم من الساكنة الغربية .
هكذا اذا دفن البوليزاريو الاول تحت رمال تيندوف وتحت ذريعة التخوين والعمالة للمغرب واسبانيا وولد بوليزاريو جديد بهوية مفبركة ومصنوعة ( identidad suplantada) وهدفه الوحيد ديمومة الصراع من اجل سيطرة الجزائر على مسار الاحداث ورد المكيال بمكيالين للاخوة المغاربة لان حرب الرمال مازالت في الاذهان وطبعا «لا احد يمكنه ان يعرف من اين يبدا لبوليزاريو ومن اين تنتهي الجزائر لانهم متماسكون» (8 ) .
بعد هذه الاحداث المؤلمة جاءت سنة 1976و فرض على الولي مصطفى السيد الانتحار بعد تذليله وقطع راسه ب «بنشاب » غرب مدينة نواكشوط يوم 09/06/1976 بعدما اعترف باخطائه في خطابه المشهور، يوم 20 ما ي من نفس السنة، في الربوني ،مطالبا السماح لشعبه وقال: «قد ظلمنا شعبنا » وبعدها ذهب قصرا ولم يعد.
وهكذا اذن تخلصت الجزائر من الولي مصطفى السيد، وفي نفس الوقت قامت بحملة واسعة من الاعتقالات لكي تغطي على موته وتقلل من شانها .
مات الولي مصطفى السيد مظلوما ومعزولا واستغل اعلاميا ما يكفي من اجل دغدغة العواطف، و الغريب انه لم يطالب برفاته أيا كان باستثناء ثلت من عائلته التي مازالت تنتظر الرد من اجل معرفة مكان قبره الحقيقي.
حان الوقت لرد الاعتبار لهذين الرجلين العظيمين وتسليط الاضواء على اعمالهم العجيبة وصيانة ذاكرتهم .
مرة ثانية نشكر الشبيبة الاتحادية على تحليها بالنزاهة الفكرية من اجل ابراز الحقيقة بما سبق والخروج عن النقاشات او الافكار الجاهزة والحلول غير المناسبة ودغدغة العواطف و المبادرات الفلكلورية والحلول الترقيعية . ان أي حل او طرح لا يبنى على الحقيقة ويراعي الواقع ا لمعاش نجاحه مستحيل .
فالكلام عن ديمقراطية دولة الحق والقانون يبقى فارغا اذا لم يتم فتح كل الاوراش الكبرى ومعالجتها بعقلانية وعدالة. ان هذه المشاكل والماسي لا يمكن لها ان تختصر على بيانات حسن النوايا او على جبر الضرر المادي فحسب ، بل إن الشعب المغربي في حاجة ماسة لمعرفة تاريخه المر والوقوف على الاخطاء الفادحة قصد تصحيحها وعدم تكرارها ، فالامم الاصيلة لا يمكن لها ان تكرر دائما نفس الاخطاء بل تصححها وتعترف بها .
ان ساكنة الأقاليم الجنوبية اليوم ورغم المجهودات الجبارة التي قامت بها الدولة وعلى كل الأصعدة ، مازالت بحاجة ماسة الى تطبيق التوجهات السامية لصاحب الجلالة نصره الله وأيده تطبيقا حازما ،ومراعاة الفئات الشبابية خاصة التي تحتاج إلى فرص تمكنها من العيش الكريم ، واضحة المعالم والى مؤسسات ذات نظرة شمولية وموضوعية، لان الدولة كما يقولون« يمكن لها ان تبنى على الكفر ولا يمكن لها ان تبنى على الظلم ».
فلا بد من سن سياسة موضوعية تراعي تصالح حقيقي بين كافة اطراف الشعب المغربي وتساوي الفرص للجميع، وفي هذا الملف بالذات الاخذ بعين الجد ضحايا الانتهاكات الحقوقية عامة وسياسة التهميش على وجه الخصوص بالحمادة الرهيبة.
نطالب أيضا بوضع آليات كفيلة برد الاعتبار وخاصة للوافدين حيث ان الوطن يتسع للجميع ، والكف عن الحلول الترقيعية التي لا تبنى على معطيات علمية وواقعية بل تدفع في غالب الأحيان إلى الهاوية، وحقوق الإنسان لا يمكن ترجمته فقط بالخروج من السجن .
ومن هذا المنبر المحترم نؤكد أننا لسنا مع سياسة الابتزاز ولا مع الارتزاق رافضين سياسة أيام زمان والنعرات القبلية.
هوامش:
- 1) Frane Fanon « Les Dannes de la »
-2 ) ابريل اتفاقية سيتري
-3) مطالبة المغرب اسبانيا بالتخلي عن الصحراء 1958
-4 ) التنظيم الطلائعي من اجل تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب
-5 ) لدى البوليزاريو وثيقة التزام موريتانية بالسماح للصحراويين بالعمل السياسي من اجل طرد الاستعمار الاسباني
-6 ) انظر « Alejandro Garciaالصحراء الصفحة 120
-7 ) انظر « Alejandro Garcia الصحراء الصفحة 263
- 8 ) جريدة Vicente Talon 180 1977


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.