منذ أن ثم العفو على السيد الفزازي والذي كان معتقلا بسبب تنظيره ، وشحنه للشبيبة السلفية الجهادية ، وبعد أن تمت الموافقة على استعطافه لأولي الأمر ،وخرج من السجن ،وهو يهلوس في ردهات السياسة، معتبرا نفسه فقيها تارة، وواعظا وعالما تارة أخرى، وسياسيا وداعية للتسامح ،أو منشطا للحركات الاحتجاجية ،ضد أو مع فئات من الشعب ، ويكفر فريقا من حركة احتجاجية ' ويدعم فريقا آخر ، ويخبط خبط عشواء ،لكن الملاحظ هو سرعة تقلباته، كما عهدنا منه عندما كانت تأتينا فتاويه من السجن ، فهاهو يرسل في ظرف وجيز رسالتين ، الأولى ينصح فيها جماعة العدل والإحسان ، والتي لا تحتاج إلى نصحه ، لو كان على دراية بفكر هذه الجماعة ،وأدبياتها السياسية ،وأسس تكوينها وصراعها مع السلطة، قديما وحديثا ، وهذا ما يؤكد بلاهته ، وجهله بالحركات الدينية ، والسياسية في المغرب ، ولازال مداد رسالته الأولى لم يجف بعد ، حتى أرسل رسالة بلهاء إلى جلالة الملك ينصحه فيها بالتدخل من أجل إطلاق سراح باقي السلفيين الجهاديين ، بنبرة فيها من غرور الناصح ما فيها ، ومن سذاجة عقل المخاطب لملك البلاد ما يندى له الجبين ، وفيها من قلة الخبرة ما يجعل صاحبها عرضة للاستهزاء في كل المحافل ، الدينية والسياسية ، فقبل أن نخوض فيما قاله صاحب الرسالة لابد من توضيح موقف إنساني ثابت لدى كل المغاربة والحمد لله .ففي البداية نحن كمغاربة مع أن تمسح الدمعة من عيون طفل فقد أباه ،سواء في أحداث 16 مايو، أو في السجن ، ومع أن يكفر المخطئون عن خطئهم ، والاعتذار لشعب أرهب ، بسبب فكر وفهم قاصر للدين ، ومع أن يثوب كل من كان مغررا به من طرف فقهاء الظلام ، الذين عن لهم، أنهم قد يطهرون البلدان الإسلامية من كل من يخالفهم الرأي، ومع أن تعانق الأم ابنها التائب إلى الله والوطن والشعب وأولي الأمر ، ومع أن تحضن المرأة زوجها ،المعترف باقترافه جنحة التكفير تجاه إخوته من بني هذا الوطن ، والله يغفر لمن غفر الوطن له ،وهذا شأن لا يختلف عليه ، لا ضحايا 16 مايو ، ولا ضحايا التغرير القابعين في السجن ، ونحن مع الجميع ، ولكن السيد الفزازي يقول في رسالته ،عفا الله عنه ،مخاطبا صاحب الجلالة :" باعتباركم صاحب الحل والعقد الأول ، وأنتم صاحب الأمر المطاع ..." كمن يقول أن جلالة الملك هو النمرود بن كنعان ، ليست له مؤسسات دستورية ، وقضائية ، وسياسية يحكم عبرها ، فهو من أمر باعتقال هؤلاء وهو من يطلق سراحهم ، متوهما (الفزازي طبعا)أنه أحد المصلحين الذين يتدخلون عند سلطان جائر ،لثنيه على ما فعل بخصومه، فلتعلم أيها السيد المتنعم بكهفك ، أن المغرب له مؤسسات تحكم قضائيا ، ولا تدحض أحكامها إلا أحكام قضائية ، وجلالة الملك لا يسقط الأحكام ،بقدر ما يعفوا على المحكومين بصفته الدينية ،كأمير للمؤمنين التي تخالفونه فيها، وتسقطونها عنه .وتقول :" انطلاقا من معرفتي الدقيقة، بحقيقة جل هذه الملفات..." هل كنت قاضيا ؟ أم متحريا عن تحركات كل من قدموا للمحاكمة؟ وكل من حكم لهم بالبراءة وإخلاء السبيل، وكل من تبثث إدانتهم ، وصرحوا غير ما مرة بأنهم ضد كل الممارسات، والتي تخالف نهجهم التكفيري ؟ أم أنك تعلم ما في السريرة والسرائر؟ معاذ الله .وتضيف قائلا :" منهم مظلومين كثر يستصرخونكم من أجل إنقاذهم. " متشبثا بسذاجتك القانونية ، والسيكولوجية حول مفهوم الظلم والظالم، وتكمل الطريق نحو الغرور الأعظم عندما تقول :" كل هذا يؤهلني للتقدم بين يديكم بهذه المبادرة التصالحية..." ولنقف عند" التصالحية " تصالح من مع من ؟ هل يجب على الملك أن يصالح جماعة من المغرر بهم دينيا ؟ أم يجب عليه أن يقبل بشروط معينة كي يتصالحوا معه ؟ أم ماذا تعني ؟ فما فهمته من خطابك، هو أن الملك يتوجب عليه أن يقبل بشرط وضع هؤلاء لسلاحهم ، ونبذ العنف ،كما جاء في قولك :"قناعة كثير من هؤلاء المعتقلين بنبذ العنف ، والاعتراف بمكونات الأمة المغربية." هذا هو المقابل من أجل العفو عنهم ، يا سبحان الله ؟ كأننا نحاور عدوا في ردهات الأممالمتحدة ؟ عدو من طينةالجزائر أو ليبيا ، وأنت أيها الفزازي هو المبعوث بين الملك وهؤلاء الخصوم ،من أدب مخاطبة الملوك والرؤساء ، أن نخاطبهم بالموضوع العام ، وليس بمنطق ألتفصيل الممل لتقنيات ملف ، يجب أن يضطلع به التقنيون ، في جميع حيثياته ، كقولكم :" الذين نلتمس من جلالتكم الإفراج عنهم يمكن معرفتهم ، وتحديد أسمائهم بكل سهولة ... غير أن الباقين من السجناء ليسوا ميئوسا منهم ، ولكنهم في حاجة فقط إلى فتح حوار معهم مباشرة " يا سبحان الله ؟ على الملك أن يأخذ منك اللائحة بأسمائهم ، ويأمر بالحوار معهم ، فهم ليس ميئوس منهم ، أي منطق سياسي هذا ، أو فقهي ، أو اجتماعي حتى ؟ استغربت العديد من الأخطاء ، ولكن هذا الخطأ لم أستسغه في رسالة استعطاف ، فكيف يعقل أن تخاطب رئيس المجلس الأعلى للعلماء ، بقولك :" من هنا أهيب بكم فتح السجون لعلماء الأمة وحقوقييها المتطوعين المقبولين من طرف هؤلاء السجناء أنفسهم ، حيث لا فائدة من حوار غير مرغوب في أحد أطرافه ." يا للعجب ؟ تريد من أمة عبر قائدها أن ترضخ لشروط سلفيين جهاديين ، يقتلون النفس الذي حرم الله ،وتحاورهم عبر ما يشتهون من كلام، ومن بشر يختارونه هم ؟ لم أسمع ببلادة مثل هذه منذ أن سمعت بتناطح المسلمين ، بعد خلاف علي ومعاوية رضي الله عنهما ، ولم تكن هناك شروط مثل هذه ، لأن الخلاف كان بين عمالقة الحظوة الدينية ، والفقهية ، فما بالك بشرذمة من المغرر بهم ، وأغلبهم لا يفقه حتى المغزى من آية التوحيد ؟ أما الطامة الكبرى لهذه الرسالة فهي قولك بلهجة تهديديه :" هؤلاء السجناء لابد أن يخرجوا من السجن يوما إذا قدر الله أن يتموا محكوميتهم . فأولى لنا جميعا أن يخرج هؤلاء تائبين مسالمين ، خير لنا أن يخرجوا أكثر تطرفا ، وتنطعا وحقدا وكراهية ... وربما ليعودوا مرة أخرى إلى السجن لا قدر الله." فماذا أدخلهم السجن غير هذه الصفات القبيحة ، أي التنطع والكراهية والحقد والناتج عن التطرف ؟ فهذا يعتبر تهديدا ضمنيا لسلامة الأمة ، ومن يتستر على ذلك نعرف جميعا عقوبته ، عند الله أولا وفي القوانين ثانيا. ولتأكيد الغرور أسوق قولك :" إني رهن إشارتكم متى ارتأيتم أن نشرع في تحضير مشروع المصالحة ومباشرة أطواره داخل السجون" فبقولكم " أن نشرع " تأكد أنك صاحب فضل على الملك وعلى الأمة. منذ أن قرأت هذه الرسالة وأنا أتساءل : هل السيد الفزازي يرغب في تأسيس حزب ديني من جماعته التي يطلب لها العفو، لكي يتحكم بعد ذلك في رقابها إذا ما تحقق له العفو عنهم ، ولم يكتف بجماعته بل طلب العفو كذلك لأصحاب الحق العام ، فهل هم من سيكون حطبه في حملاته الانتخابية ؟ الله أعلم ؟ سيدي السجين السابق، أطلب لك الهداية .