بالرغم من ظهور أشكال جديدة للتسوق، وغزو المتاجر الكبرى حيث التناول الحر، وغير ذلك من التقدم الحاصل في التجارة والأداء؛ فإن الأسواق الأسبوعية لا تزال تحتفظ بوهجها في مناطق عديدة بالمغرب. ولا تخرج زاكورة عن هذا المنوال؛ فالأسواق الأسبوعية بالإقليم تعدّ محجا أسبوعيا يتبضع منه القرويون، ويلتقون في جنباته ولهم فيه مآرب أخرى.. تشغل الأسواق الأسبوعية بزاكورة ستة أيام في الأسبوع، باستثناء يوم الجمعة؛ فالأيام المتبقية تتوزع في كل جهات الإقليم، وتعطي الفرصة للتجار من أجل التنقل بشكل يومي من هذا السوق نحو ذاك، لعرض السلع والبحث عن الربح. الاثنين بتاغبالت والمحاميد وتنزولين، والثلاثاء بتِغْمّار، والأربعاء بتازرين ومركز زاكورة، والخميس بأكذر وبني زولي وتاڭنيت، ويوم السبت بتامڭروت، والأحد بالنقوب ومركز زاكورة كذلك. سلع قديمة تتميز هذه الأسواق بعرضها لسلع لا يمكن الحصول عليها في أغلبية المتاجر ومحلات البقالة، إذ يعرضها تجار بأثمنة مناسبة، كما هو الشأن بالنسبة إلى أعشاب طبية أو لأوان فخارية تقليدية ومكانس خاصة يتم جلبها مباشرة من الجبال، وغيرها من السلع القديمة. كما توفر هذه الأسواق الحبوب والتمور والتين الجاف ومواد العلف. كما تعد هذه الأسواق فرصة للراغبين في شراء الشياه ومختلف البهائم التي يتم عرضها في هذه الأسواق الأسبوعية، وإن كان هناك من يخصص لها يوما قبل السوق، كما هو الشأن في النقوب، إذ يتم تخصيص يوم السبت لهذا الغرض، والشيء نفسه يوم الثلاثاء بتازارين. غياب الحلقة من النادر أن تجد حلقة للفرجة، على الأقل في السنوات الأخيرة؛ فلم تعد هذه المواعيد الأسبوعية تستهوي "الحلايقية" وصانعي الفرجة من مروضي الأفاعي وغيرهم، إذ أصبح من النادر جدا أن تجد رجلا يتحلق حوله المتفرجون ويغدقون عليه الدراهم وهو يحاول إضحاكهم وإمتاعهم ببعض المستملحات. ويؤكد الكثير ممن استقصينا آراءهم أن ظاهرة الحلقة اندثرت، بعدما كانت جزءًا من السوق في أيام خلت؛ ف"المتسوقون لم يعودوا يملكون الكثير من الوقت للجلوس والاستماع للنكت والمستملحات في السوق، نحن في عصر السرعة، والنكت موجودة في الأنترنيت وفيديوهات الترفيه تغنيك عن الجلوس أمام حلايقي، لذلك لم يعد الحلايقية يأتون إلى هذه الأسواق"، يقول أحمد من النقوب. ويضيف المتحدث: "أذكر رجلا كان يأتي إلى السوق هنا، ونعطيه نصف درهم مقابل أن ننظر في آلة مربعة ونرى صورا عادية، يقدمها لنا بمكر ومبالغة، فكان يصيح في السوق: تعالوا لتروا زوجة جورج بوش وهي عارية مع كلبها.. وعندما تنظر في ذلك الجهاز البسيط، ترى صورة عادية لامرأة مع كلب؛ لكن هذا الجيل لا يمكن أن تضحك عليه بالحلية سالفة الذكر". فرصة للتواصل لا يقتصر السوق الأسبوعي على شراء السلع والحاجيات؛ فكثير من قاصدي هذه المرافق من الدواوير المجاورة يذهب للقاء أشخاص وتبادل معلومات في المقاهي، وقضاء مختلف الأغراض الإدارية، خاصة بالنسبة إلى المراكز القروية التي يكون فيها السوق الأسبوعي في أيام العمل. لقد كانت هذه الأسواق في العقود الماضية مصدرا للأخبار والمستجدات، إذ "يتم الإعلان في السوق بواسطة براح عن اختفاء شخص، أو فقدان مال أو بهيمة، أو أمر مهم من المخزن"، يقول أحد المسنين من تازارين لهسبريس، ثم يضيف: "أما اليوم، فالهواتف ووسائل أخرى تقوم بهذا الدور، وحتى السلع تصل إلى الدواوير، ومن يريد شخصا يتصل به دون انتظار يوم السوق للسؤال عنه". عرقلة السير بعض الأسواق في زاكورة تسهم في عرقلة السير والجولان، لا سيما في أيام السوق مثلما هو الأمر في النقوب وتازارين؛ فالعربات لا تجد مكانا للوقوف سوى الشارع الوحيد الذي يخترق البلدتين. كما أن الفوضى هي السمة الرئيسية التي تميز تازارين يومي الثلاثاء والأربعاء، والحال عينه في مركز النقوب يومي السبت والأحد، حيث يركن السائقون السيارات في أي مكان وجدوه فارغا، ويعرض أي بائع تجارته في أي مكان. في انتظار أن يتم تحويل السوقين الأسبوعيين نحو مكان آخر، أو تحويل الطريق الرئيسية للتخفيف من الضغط الذي يعرفه مركز النقوب وتازارين، بالرغم من رفض مجموعة من أصحاب المحلات القريبة من السوقين، لما يشكله تحويل هذا الموعد الأسبوعي من تهديد لمصالحهم ونشاطهم التجاري. تغيير الأماكن والعقليات إذا كانت أسواق لم تبرح أماكنها منذ عقود، مثل سوق النقوب وسوق تازارين، فهناك جماعات نجحت في تنقيل فضاء السوق إلى مكان أرحب، ليلائم متطلبات العارضين ويواكب التقدم العمراني الذي تعرفه البلدة، مثل سوق أكذز، الذي تم تحويل مكانه منذ 1992، وكذلك سوق تنيزولين الذي جرى تغيير مكانه سنة 1995، وسوق تيغمار أيضا تم تحويل مكانه مؤخرا، بعد بناء سوق جديد، بديل عن السوق القديم المعمول به منذ سنة 1978. كما أن هناك من يسجل حضور العنصر النسوي في السوق، وهو الأمر الذي كان غائبا في العقود الماضية، عندما كان التسوق حكرا على الرجال. وكان دخول امرأة إلى سوق أسبوعي محط اشمئزاز الذكور، ممن يعتبر فضاء السوق مكانا ذكوريا بامتياز؛ غير أن الحاجة ساوت بين الجميع، وأصبح للنساء مكان في أسواق البدويين. إذا كان مسيرو بعض الجماعات القروية بزاكورة نجحوا في تنقيل مجموعة من الأسواق نحو وجهات أرحب، لتخفيف الضغط على حركة السير والجولان، وتوفير فضاء مناسب لعرض السلع وابتياعها؛ فإن فضاءَات السوق في بلدات أخرى بقيت مجرد ساحات بدون ماء أو كهرباء أو مراحيض، وتعرض فيها السلع والمأكولات في ظروف غير صحية، تزداد فيها معاناة المتسوقين والتجار كلما هطلت الأمطار وساءت أحوال الجو، وتنتشر في جنباتها روائح كريهة، بسبب غياب المراحيض، وتخلص المتسوقين من فضلاتهم في الأزقة وتحت الحيطان القريبة من الأسواق.