قال أحمد عصيد، الناشط الحقوقي والأمازيغي، إن المثقف الذي لا يتوفر على الشجاعة لقول الحقيقة كاملة "لا يقوم بدوره المجتمعي في تنوير الرأي العام". جاء ذلك خلال الندوة الافتتاحية لمهرجان "ثويزا" في إطار النسخة الثالثة عشر بمدينة طنجة، التي تحمل عنوان "في الحاجة إلى المثقف". وانتقد الناشط الأمازيغي في الجلسة الافتتاحية للمهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية تراجع دور المثقف المغربي في تأطير الجماهير، قائلاً: "عندما تنقصه الشجاعة ويهرب من قول الحقيقة في لحظات معينة، بكل أمانة علمية فهذا ليس بمثقف"، خصوصا عندما يتخلى عن حريته ومواقفه ودوره النقدي. "اليوم يتحدث الناس عن جبن المثقفين وهروبهم واختبائهم، ولكن الحقيقة هو أن ما يجري يكشف أن مفهوم المثقف قد تغير وهذا أمر طبيعي"، يقول أحمد عصيد، الذي عاد في مداخلته إلى الأدوار الطلائعية التي كان يلعبها المثقف. وأوضح عصيد أن المثقف ينقسم إلى أربعة أنواع: مثقف حزبي، ومثقف خبير، ومثقف أكاديمي وجامعي، وآخر مزعج أو مستقل. الأول يقول عنه الناشط الأمازيغي بأنه في المسار السياسي المغربي وقعت له انتكاسة، عندما أصبح الكثير من مثقفي الحزب يهرولون نحو المناصب بجانب الوزير الذي هو أيضاً كان مثقفاً، و"بالتالي فقد دوره الحيادي لأنه مرهون بواجب التحفظ والمنصب". وفي هذا الصدد، كشف عصيد أنه رفض الكثير من المناصب عرضت عليه، لكي لا يصبح متحكماً فيه. بينما المثقف الجامعي "أصبح شغله الشاغل كتابة بعض المطبوعات والكتب وبيعها لطلابه؛ وهو الذي كان في السابق يوجه جيلاً بأكمله داخل الجامعة ويساهم في نشر الوعي المجتمعي". صنف آخر من الخبراء المثقفين، يُضيف المتحدث، تخلى هو أيضا عن دوره وأصبح يقوم بدراسات مقابل الحصول على مبالغ محترمة، ثم لا يرى الناس نتيجة عمله؛ "لأنه لم يعد يتواصل مع الناس، بل يتهرب من لقاء الجماهير ويعتبر النقاش العمومي خاصا فقط بالسياسيين". أما المثقف المشاغب أو المستقل، فقضيته الوحيدة، يردف عصيد، هي أن "يكون حراً في مواقفه، ورأسماله الوحيد حريته التي لا تباع ولا تشترى"، مشيرا إلى أن "المجتمع يحتاج إلى هذا النوع من المثقفين رغم الضريبة التي يمكن أن يؤديها الإنسان وراء اختياره". "المثقف الرابع يُعاني من غلو السلطة التي تسعى إلى الحد من نشاطه، وغلو التيارات المحافظة التي ليس في صالحها أن يتكلم المثقف، ويعاني أيضا من جمود الأحزاب السياسية التي قتلها مثقفوها، ليجد نفسه بين نيران السلطة والمتطرفين دينياً"، يردف الناشط الحقوقي. وخلص عصيد إلى أن أسباب تراجع دور المثقف "ناتجة عن سياسات عمومية نهجتها الدولة على مر عقود من الزمن، كانت قائمة على أساس الاستبداد والتسلط؛ حيث لم تتردد في إشاعتها عبر وسائل الإعلام ومناهج التدريس ولوبيات مجتمعية"، إلا أنه وفي ظل انتشار وسائل التواصل الحديثة، يقول عصيد، "لم يعد بمقدور الدولة أن تتحكم في الجميع"، كما توقع أن يعود دور المثقف التأطيري رغم المحبطات والموانع. وأورد عصيد كمثال على ذلك، نجاح الفيديوهات التي يقوم بها بعض المثقفين والتي تحظى أحيانا بمتابعة مئات الآلاف؛ "مما يعني أن الشعب في حاجة دائمة إلى مثقف حقيقي". وأورد عصيد أن "المثقف عندما يتخلى عن دوره يجد الكثير من الناس يشتمونه ليل نهار، وعليه أن يصبر لأن سبب تلك السهام هو دوره النقدي الذي فقده بينما فضل الارتماء في حضن السلطة". واتهم الكاتب المغربي وزارة الداخلية في الوزير الراحل إدريس البصري ب"التحكم في المثقفين المغاربة"، مشيرا إلى أن البصري "جمع حوله عددا من الخبراء والمثقفين، وكان يوفر لهم وظائف عبر دراسات دقيقة يقومون بإنجازها لصالحه، وما نتج عن ذلك هو احتكار الداخلية للمعرفة؛ لأننا نعيش في دولة تعتبر المعرفة سرا من أسرار الدولة، ولا يمكن لنا أن نخرج من قوقعة التخلف في حالة استمرار دار لقمان على حالها".