بات قرار تعويم الدرهم المؤجل يثير تخوفات لدى المقاولات المغربية التي تعمل على استيراد مواد من الخارج، بسبب التأثير المرتقب لذلك القرار على قيمة العملة الوطنية. وبسبب تلك التخوفات، لجأ العديد من المتعاملين بالعملة الصعبة إلى التحوط للتعويض عن التعرض المحتمل لتقلبات الأسعار. وكالة الأنباء "بلومبيرغ"، المتخصصة في أخبار الأسواق المالية، تطرقت لهذا الموضوع الذي أثار جدلاً واسعاً في المغرب منذ أسابيع، وجرى تأجيل إقراره إلى أجل غير مسمى، حيث أوردت الوكالة الأمريكية تصريحات لأرباب مقاولات أبدوا تخوفهم من ذلك القرار وآخرين رؤوا في القرار منافع لهم. ويبدي سعيد بنموسى، المدير العام لشركة "كرياج المغرب" بالدار البيضاء ، قلقه إزاء المخاطر المحدقة بقرار التعويم، وقال لبلومبيرغ: "لأول مرة في تاريخنا، نلجأ إلى التحوط". ويرى مدير الشركة، التي تستورد أسلاك الفولاذ من الخارج، أن "التأجيلات المتكررة لقرار التعويم تفاقم خطر التقلبات"، لافتا إلى أن "تردد السلطات بخصوص هذا القرار يثير عدم اليقين". وقد تسببت المخاوف من ضعف قيمة الدرهم بعد تحرير سعره في انخفاض احتياطات المغرب من العملة الصعبة بلغ 3 ملايير درهم في الثلاثة أشهر الماضية. ويرى شارلز روبرتسون، أحد كبار الاقتصاديين في شركة "رونيسانس كابيتال" في لندن، إن تأجيل اعتماد تعويم الدرهم سيؤدي "إلى إضاعة الوقت المثالي الذي يكون فيه الاقتصاد جيداً". وأضاف روبرتسون، الذي قام برحلة عمل إلى المغرب الشهر الماضي، أن هناك "خوفاً من المجهول وتشاؤماً لدى الشركات المغربية من هذا القرار"، كما أشار إلى ملاحظته لحضور تجربة مصر في تفكير المغاربة، خصوصاً بعدما فقدت نصف قيمتها مقارنة مع الدولار بعد التعويم. وفي الوقت الذي سبق أن أعلن فيه عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، أن التعويم سيكون تدريجياً ابتداءً من النصف الثاني من العام الجاري، يبقى من غير الواضح الآن متى سيتم تحرير سعر صرف الدرهم. وكان سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة، قد أشار إلى أن المرحلة الأولى من تحرير العملة ستكون بنسبة 5 في المائة يومياً، مقابل 0.6 في المائة حالياً. ويحدد سعر صرف الدرهم حالياً على أساس سلة عملات مكونة من 60 في المائة من الأورو و40 في المائة من الدولار. وأجلت الحكومة دخول هذا القرار حيز التنفيذ إلى حين دراسة أي تقلب قد يصيب القدرة الشرائية للمغاربة والشركات المتعاملة مع الخارج. في الجانب الآخر، يقول عبد الهادي بيسا، المدير العام لشركة سوميتكس العاملة في مجال النسيج والملابس، إنه يأمل "انخفاضاً في قيمة الدرهم بعد التحرير، هذا من شأنه أن يساعد المنتجات المغربية على منافسة السلع التركية والصينية". وأضاف بيسا، في تصريح لوكالة بلومبيرغ، أن "السلطات تريد من الشركات المغربية تعزيز صادراتها، والتوسع في دول إفريقيا جنوب الصحراء؛ لكننا لسنا قادرين على المنافسة بما فيه الكفاية". ويرى ريكاردو فابياني، المحلل المتخصص في شمال إفريقيا بمجموعة أوروآسيا، أن الاحتجاجات التي عرفتها الحسيمة من أكتوبر الماضي قد يكون لها دور طفيف في تأجيل قرار التعويم. ومع ذلك، تقول الوكالة، فإن الاقتصاد المغربي في مرحلة جيدة من أجل تحرير سعر الدرهم. وخلافاً لمصر، فإن المغرب يتمتع بتصنيف ائتماني من الدرجة الاستثمارية وتوسع القطاع الخاص، إضافة إلى توقعات تحقيق النمو لنسبة في حدود 4.1 في المائة خلال العامين الجاري والمقبل. ومن المتوقع أن يتفوق على باقي الاقتصادات العربية، بما فيها مصر وتونس والسعودية والإمارات. ومن المنتظر أن ينخفض عجز الميزانية إلى 3.1 في المائة هذا العام مقابل 4.2 في المائة المسجلة السنة الماضية؛ فيما سيكون التضخم أقل من 2 في المائة، حسب تقديرات وكالة بلومبيرغ.