- هي هواتف.. وجواسيس.. جواسيس في جيوبنا.. رقمية.. إلكترونية.. عنكبوتية.. ألفناها.. ولم نعد نعبأ بها، حتى وهي تواصل التنصت علينا، وتسجيل حركاتنا وسكناتنا.. وتبلغ عنا "أين نحن؟ وكيف نحن؟ وماذا نحن فاعلون؟ ".. جواسيس تستقر بجوارنا ونحن نائمون.. وفي جيوبنا، ونحن مستيقظون.. تقوم بما هي عليه مبرمجة.. ولا تعبأ بأن نفرح أو نقلق، فهي أصلا بدون مشاعر.. آلات صغيرة تسجل ما ترى وما تسمع.. وتتعرف على بصماتنا الصوتية والبصرية... ألفنا هذه "الكائنات" لدرجة أننا لم نعد نعبأ بها.. - وليكن ما يكون! ولكننا أصبحنا مرتبطين بهذه الجواسيس الجيبية أيما ارتباط.. هي تقدم لنا خدمات مهمة.. بها نتواصل مع بعضنا، ومع غيرنا، ونوثق أحداثنا بالصوت والصورة، الثابتة والمتحركة، فتصل كما هي، بلا زيادة ولا نقصان، وبسرعة البرق، إلى وجهتنا المقصودة.. وبفضلها، يصبح العالم قاطبة على علم بأن مجتمعنا يتحرك للمطالبة بحقوق اجتماعية مشروعة، وبأن حراكنا الوطني هو حراك مسالم.. وإلى هذا الجاسوس الصغير، المدسوس في جيوبنا، يبث كل فرد منا شكواه، ورأيه، وما يعلم، وما يتوقع... ثم يتولى الجاسوس الصغير إرسال هذه المعلومات، بلا زيادة ولا نقصان، إلى وجهتنا المقصودة.. وهو من أوصل بالفعل شكوانا الاجتماعية إلى القريب والبعيد.. وطبعا إلى مسؤولينا.. وإلى مختلف أرجاء العالم.. وبفضله أصبح العالم متفاعلا معنا، مؤازرا لحقوقنا، ومشكلا ضغطا إضافيا على "جهاتنا المسؤولة"، من أجل الاستجابة لمطالبنا المشروعة.. - وليتجسس علينا هذا "المخلوق" كما يشاء! المهم هو أنه ينشر في كل الأرجاء شكوانا، ومن خلاله يتعرف هذا العالم علينا، وعلى قيمة وقيم بلادنا.. ويعلم أننا شعب مسالم.. متحضر.. منفتح.. وطني حتى النخاع.. معتز بالاختلاف.. ونعتبر اختلافاتنا تنوعا مفيدا.. وكنزا لنا جميعا.. ويدرك العالم أننا شعب التعايش والتآزر والتضامن والكرم والإنسانية.. ونقول في أنفسنا: من منا يستفيد أكثر؟ نحن؟ أم هذا الجاسوس الصغير؟ ويأتينا الجواب: نحن مستفيدون! أما الجاسوس الصغير فأداة لجعل كل العالم، في متناول اليد.. - هواتفنا المحمولة تراقبنا.. تتجسس علينا! هي شرائح تعريفية صغيرة (Puces)، بعضها لا يرى بالعين المجردة.. موجودة في الهاتف المحمول، وبطاقة التعريف، ورخصة السياقة، وجواز السفر، وغيرها... ويتم زرع مثل هذه الشرائح في بقر وأكباش وحيوانات أخرى، لضبط تحركاتها.. وهذه التقنيات موجودة عندنا، وهي قابلة للتطوير، لكي لا تبقى حبيسة دورها الأمني.. وفي بعض الدول، تتواصل عملية زرعها تحت جلد أي مولود، وأي متطورع، بانتظار تعميمها لكي تكون هي نفسها، في المستقبل، بطاقتنا التعريفية، فيسهل بها على كل الجهات المختصة التعرف علينا، والتقاط أحاديثنا الخاصة والعامة.. وهذه التقنية الشرائحية الجديدة تتطور أكثر فأكثر، ونحن مقبلون على استعمالات الشبكة العنكبوتية، وبالمجان، في أي مكان من العالم.. وهكذا يتحول أي واحد منا إلى إنسان عالمي.. كل الناس في العالم سيتم التعرف عليهم بسرعة البرق، وتتم معرفة سلوكاتهم كيف كانت، وبالتدرج، في سنوات ماضية، واستحضار تصريحات صدرت منهم، بخصوص نواياهم وتخطيطاتهم المستقبلية.. إن البشر قد انتقل من الفضاء التقليدي، إلى فضاء عالمي، وقريبا يندمج في منظومة كونية.. ولن نبقى مجرد تابعين لمحيط محلي أو وطني، لأن هذا المحيط المحلي والوطني سينفتح أكثر فأكثر على عوالم حولنا، وسنكون نحن أكثر فعالية.. العوالم حولنا تتقلص.. والمؤهلات التقنية للبشر تكبر وتكبر، ولم تعد لها حدود.. وفي هذا السياق، وهذه التوقعات، نحمل في جيوبنا جواسيسنا الصغيرة، ونوظفها لمصالحنا، وتوظفنا هي لمصالح غيرنا.. - وواضح أننا لم نعد خارج المراقبة.. وليس فينا أي فرد لا تراقبه تلك "الكائنات" الإلكترونية، سواء كانت بجانبه أو في جيبه.. وقد أصبح الهاتف المحمول فاعلا من نوع خاص.. بكل أرجاء العالم.. يتدخل بتعاليق مكتوبة ومسموعة وبصرية، في كل الأحداث، محلية كانت أو وطنية أو دولية.. - ولم يتمكن أي نظام سياسي في العالم، من قهره ومنعه من التواصل مع الغير، في الداخل والخارج، مهما كانت له من مراقبات ومن قدرات على القرصنة، ومن تصوير وتسجيل عبر الأقمار الاصطناعية.. أجل، تستطيع أجهزة الاستخبارات معرفة من أنت، ومكان وجودك، وتسجيل ما أنت فاعل في وقتك الحالي، وحتى بالصوت والصورة، ولكنها لا تستطيع أن تضبط ما بقلبك وروحك وعقلك.. النوايا أنت تملكها.. وأنت توجهها.. في حين تواصل شبكة المراقبة الرقمية، الإلكترونية، تتبع الناس من كل أنحاء العالم.. الاستخبارات من كل الأرجاء تتلقى معلومات، من جواسيس "الجيوب"، وقد تستعين أيضا بما لدى الشبكة العنكبوتية العالمية، وفيها شركات: غوغل، فيسبوك، أبل، ميكروسوفت، أمازون، وتنظيمات أخرى... وهذه المؤسسات، العابرة لكل الحدود، مقبلة على تطوير أدمغتها للتمكن من استغلال معلوماتها، من أجل استقراء ما سوف يأتي: استقراء ما سوف يحدث.. وهذه الشبكة الأنترنيتية العملاقة لا تعبأ بحرية التعبير.. وحرية التصوير والتسجيل.. لك كل الحرية في أن تبلغها أنت ما تشاء.. ولكن ما يصلها منك، هي تحافظ عليه لنفسها.. ولاستخداماتها.. تستغله كما تشاء.. وقد تبيع هذه معلوماتك لغيرك، ولا يهمهما أن تصاب انت بالقلق.. ولا حتى أن يكون سلوكها هذا مخلا بحقوق الإنسان، أو مضرا بالديمقراطية، أو مسيئا لمصالح بلدك.. كل هذا لا يهمها.. يهمها فقط، أن تشغل أنت هاتفك المحمول.. والباقي هي تتلقفه وتوظفه.. ولا قوانين في العالم تستطيع بها استرجاع ما أنت نشرته على الملأ، وما قام "أصدقاؤك" بإعادة نشره ومناقشته.. وتكنولوجيا التصوير تتطور ايضا.. وباتت مؤهلة للتعرف على وجوه الناس، على بعد مئات الأمتار.. إنه الهاتف الذكي يرافقنا حتى في حياتنا الخاصة.. الحياة الحميمية.. ويجعل مسؤوليتنا تكبر، أكثر فأكثر، في استخدامات أجهزة صغيرة صديقة، وما هي في واقعها إلا جواسيس كبيرة! [email protected]