في إحدى الورشات الكبرى للمؤتمر الدولي حول حماية البيانات الشخصية المنعقد بمراكش ما بين 21 و22 نونبر 2013، وبعد إلقاء العرض الرئيسي حول مخاطر معالجة البيانات الشخصية ومخاطر استعمال الهاتف بدل الأجهزة المعلوماتية التقليدية، خيم صمت كبير بعدما طرح منشط الورشة السؤال التالي «ما تعقيبكم حول هذا العرض، أم لكم الثقة الكاملة في هواتفكم الذكية»، قبل أن ينطلق النقاش ويصب في خانة واحدة؛ ما هي مخاطر استعمال الهواتف النقالة خاصة الذكية؟ وما العمل لتفويت الفرصة على المتاجرين بالبيانات الشخصية للأفراد والمؤسسات؟ صديق جديد الكثير منا أصبح اليوم يملك هاتفا نقالا، وجلنا لا يطفئه إلا قليلا، وتؤكد الإحصائيات أن 62 في المائة من الهواتف الذكية بدون حماية. وحسب الخبراء المشاركين فإن البيانات الشخصية في خطر كبير، لأنها معرضة للقرصنة والعرض للعموم في أية لحظة. بل الأكثر من ذلك تشكل الرسائل القصيرة المرسلة والمستقبلة، وأرقام الهاتفية المتصلة أو المتصل بها، وأيضا مدة المكالمات، ووقت وتاريخ المكالمة وعدد المكالمات المستقبلة وعدد المرات التي نفتح فيها بريدنا الإلكتروني وتواجدنا المكاني، (تشكل) معطيات قيمة للمتاجرين في البيانات الشخصية. ويبقى التساؤل مطروحا حول مدى شمولية المعلومات والبيانات المجمعة، وأسباب هذا التجميع، وسياسات الحصول على هذه المعلومات من خلال المدة والطبيعة وغير ذلك، ونوع التخزين المستعمل، وكذلك طريقة بيع تلك المعطيات إلى الآخر الذي يطلبها بأي ثمن. جاسوس في جيبك! ثمة معلومة يمكن أن ترشدنا إلى ما نحن مقبلون على البحث عنه، ذلك أن جهازا ذكيا معروفا في السوق العالمية هو «آبل» يتوفر على برامج لتجميع البيانات الشخصية وإرسالها إلى الشركة الأم. هذا ما يطرح السؤال حول حقيقة خضوع الأجهزة في السوق لقانون الحماية قبل استعمالها في الشبكة العنكبوتية؟ والأهم من ذلك، يقول الخبراء، إن هذه الأجهزة تتوفر على «حواسيب دقيقة» قادرة على معالجة الملايير من المعلومات الصغيرة وتخزينها، بل ويتعدى ذلك إلى الصوت والصورة والفيديو مع استعمال تطبيقات كثيرة. ولا يقتصر ذلك على الإسم والجنس والسن والمكانة الاجتماعية وغيرها، بل يشمل لائحة العناوين أيضا، وفي بعض الأحيان كلمات السر للحسابات الإلكترونية أو في الشبكات الاجتماعية، بل والتعريف المهني والمعلومات الاقتصادية، وجدول أعمال المعارف في إطار العمل والمهنة. مخاطر غير مرئية يؤكد المشاركون في الورشة بمراكش أن أهم المخاطر تكمن في «سرقة الهوية»، واسترداد كل المعلومات الشخصية واستعمالها لأغراض تجارية، و»زرع برامج وفيروسات للتجسس عبارة عن إشهار أو مشاركة في مسابقة، وأيضا تحديد الموقع الجغرافي أو (geotagging) وهي خاصية ربط المعلومات الجغرافية للمكان بالوسائط مثل الصور والفيديو التي غالبا ما تكون إحداثيات خط الطول والعرض ويشمل اسم المكان والمسافة، غالبا يستخدمها المصورون لتحديد مكان التقاط الصورة جغرافيا، إضافة إلى مشاركة الملفات الخاصة بالصور المميزة على الانترنيت. ويطرح السؤال التالي نفسه بقوة، من له المصلحة في تجميع البيانات الشخصية؟ يؤكد الخبراء أن «الهاكرز» ومجرمي الانترنيت هم أول من يبحثون عن هذه المعلومات، إضافة إلى الدول والحكومات، ومصالح الأمن والمصالح المخابراتية، و»تجار الإشهار»، وأيضا صانعو ومطورو الهواتف الذكية والبرامج المصاحبة، إضافة إلى شركات التأمين والقروض». مجرم متخف! يقول الخبراء إن مجرم الانترنت له أهداف خاصة وهي؛ سرقة الوثائق الخاصة سواء للدول أو المؤسسات والشخصيات المؤثرة، سرقة المعطيات البنكية، واليوم يفكك مصالح الأمن شبكات تعمل في هذا المجال، والقصص مثيرة وكثيرة، سرقة الأسماء والعناوين الالكترونية (مثال تمت سرقة 100 مليون بريد لزبناء شركة تعمل على النت)، إلى جانب تغيير بعض النتائج مثل استطلاعات الرأي، ولوائح الناجحين في المباريات، ونتائج المسابقات الرياضية، غسل الأموال بطريقة ذكية. ويشير خبراء إلى أن الدول والحكومات تلجأ إلى تجميع البيانات الشخصية لأنه يصب في مصلحة أمنها الوطني، خاصة أن الأجهزة الأمنية في العالم اليوم لا تراقب فلقط الإرهابيين بل أيضا جميع المواطنين بما فيهم المسؤولين السياسيين والمعارضين والأشخاص الذاتيين والمعنويين. ويؤكد الخبراء أنه في الأنظمة المستبدة يستعمل تجميع البيانات من أجل التقليص من حرية الوصول إلى المعلومة. وحسب العرض المقدم في الورشة، تستعمل طريقتان في الأنظمة المستبدة من أجل «حماية الأمن الوطني»؛ الطريقة الأولى وضع تطبيقات للتجسس الوطني مثل إيران والبحرين. أما الطريقة الثانية فهي استعادة المعلومات من ممولي الخدمات والتطبيقات مثل «فيسبوك» و»بريسم». ربح كبير حسب خبراء، المعلنون أو المشهرون يؤدون لصانعي ومطوري الهواتف الذكية أموالا طائلة من أجل إدخال برامج تجسس في التطبيقات، وتجميع وإرسال المعلومات كلما استعمل شخص ذلك التطبيق، ومشاركة شبكات أخرى من المشهرين أو المعلنين، وتكوين بروفايلات مفصلة عنكم. ويمكن الإشارة إلى فضيحة «آي فون» وتطبيقاته التي تسرق ال بيانات الشخصية (البريد الإلكتروني الخاص ورقم الهاتف). كما أن سرقة «تويتر» لنسخ من جهات الاتصال من الهاتف النقال على خوادمها لم يعد من الأسرار. وقد تم طرح فضيحة إدوارد سنودن، الذي كان يعمل محللا للمعلومات لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، والذي يعد من بين أبرز الأشخاص الذين فضحوا أسرار الولاياتالمتحدة، قبل أن ينتهي لاجئا في روسيا من دون أن تتوقف تداعيات تسريباته، كما طرحت فضيحة «بريزم» وهو برنامج لوكالة الأمن القومي ومكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركيين يتيح ولوج الخوادم الرئيسة لشركات إنترنت كبرى بشكل مباشر واستخلاص محادثات مسموعة ومرئية وصور فوتوغرافية ورسائل بريد إلكتروني ووثائق وسجلات اتصال تمكن المحللين من تعقب أهداف أجنبية. طريق ثالث إن السؤال الأخير الذي يطرح نفسه، وهو التوفيق بين استخدام تكنولوجيات الإعلام والاتصال وحماية الحياة الشخصية للأفراد. كثير من المشاركين في الورشة رأوا أنه هناك ربما طريق آخر، بعدما أكدوا أن السنة الحالية تميزت بمعطيين أساسيين؛ الأول هو انخراط مختلف دول ومناطق العالم في منافسة لوضع إطار قانوني على مستوى حماية المعطيات الخاصة، فيما تتعلق الثانية بتفجر قضايا أكدت وجود الأفراد تحت رحمة أشخاص ومؤسسات ذات طابع اقتصادي وسياسي. والمعطى الثاني تحولت التكنولوجيا من أداة لتيسير التواصل إلى سلطة في يد السلطات وأصحاب المنفعة، وهذا الواقع المعقد والحساس صار يبعث على التخوف من توظيف التكنولوجيا ضد الأفراد، بدل أن تكون في صالحهم. ومن تم طرح طريق ثالث يلائم بين تقدم التكنولوجيا فيما يحفظ للأفراد حريتهم ومعطياتهم الشخصية، وذلك من خلال ثلاثة عناصر تهم التقنين الشفاف، والتربية الرقمية، والتعاون الدولي بين المؤسسات المعنية بأمر حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي. **** تعريفات المعطيات ذات الطابع الشخصي: كل معلومة كيفما كانت طبيعتها تكمن من التحديد المباشر أو غير المباشر لهوية شخص ذاتي (رقم بطاقة التعريف الوطنية، صورة، رقم الهاتف، البريد الالكتروني.. المعطيات الحساسة: هي معطيات ذات طابع شخصي تكشف الأصل المعرفي أوالإثني أو الآراء السياسية أو المعتقدات الدينية أو الفلسفية أو الانتماء النقابي أو المعطيات المرتبطة بالصحة بما فيها المعطيات الجينية. معالجة المعطيات ذات الطابع الشخصي: هي كل عملية تتعلق على الخصوص بتجميع المعطيات الشخصية وتسجيلها وحفظها وتعديلها وملاءمتها ومسخها وإتلافها.. الحماية ضد الرسائل الإشهارية يؤكد كتيب صادر عن اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات الشخصية أن الاستقراء المباشر للزبناء غير مرخص به إلا إذا كان المتلقي موافقا بشكل صريح أو إذا تم جمع المعلومات الخاصة به (عنوان، رقم الهاتف،..) عبر الاتصال به مباشرة في إطار بيع منتوجات آو خدمات مماثلة لما يقترح عليه في الرسائل الاشهارية، ويجب أن تتضمن هذه الأخيرة وسيلة تمكن المتلقي من وضع حد لتوصله مستقبلا بمثل تلك الرسائل. لجنة مراقبة حماية البيانات الشخصية تأسست اللجنة الوطنية لمراقبة حماية البيانات الشخصية (CNDP) بموجب القانون رقم 09-08 من 18 فبراير 2009 بشأن حماية الأفراد فيما يتعلق بمعالجة البيانات الشخصية. وهي مسؤولة عن ضمان أن معالجة البيانات الشخصية مشروعة وقانونية وعدم انتهاك الخصوصية والحريات الأساسية وحقوق الإنسان. وتتكون اللجنة من شخصيات معروفة لنزاهتهم والاستقامة الأخلاقية والكفاءة في المجال القانوني والقضائي ومجال تقنية المعلومات.