حاول بسعي محمد توفيق، المدير العام الجديد لسلطة الضبط للبريد والاتصالات، توجيه مجرى النقاش الدائر حول شروط إطلاق خدمة الجيل الثالث في الجزائر. فبدل الحديث عن توفير الحماية الأمنية ومنع الجوسسة على الجزائريين ومعطياتهم الرقمية، راح يتحدث عن ضرورة تغيير أرقام المشتركين، متجاهلا الانعكاسات الخطيرة على الأمن الوطني جراء سحب قانون البريد والاتصالات من مكتب البرلمان بطلب من الجهاز التنفيذي لأسباب سياسية غير معلنة. ويعتبر حديث المسؤول الجديد لسلطة الضبط، المثير من نوعه في عالم الاتصالات الجوالة منذ اكتشاف الخدمة، حيث لم يسبق وأن طالبت سلطة ضبط في العالم المواطنين بتغيير الأرقام التي تعتبر في حد ذاتها عناوين تجارية ومصادر رزق لملايين الأشخاص، سواء تعلق الأمر بأصحاب الشركات أم التجار أم الخبراء والمستشارين أم الأطباء والمهندسين والتقنيين والفنيين المختلفين. وكشفت تجارب الدول التي سبقت الجزائر للانتقال إلى خدمات الجيل الثالث منذ مطلع الألفية الثالثة وحتى الجيل الرابع منذ سنوات أن الأمر يتعلق بتغيير الشريحة بهدف الاستفادة من خدمة الإنترنت الجوال والمزايا المرتبطة بذلك تقنيا وتوفير الحماية الأمنية للمعطيات والهوية الرقمية، مع الاحتفاظ بالرقم من صاحبه، مع ضرورة تغيير الشريحة مجانا من الشركة الموفرة للخدمة وهذا في الدول التي تحترم نفسها وتحترم العملاء. ويتم اشتراط تغيير الشريحة من أجل التأكيد على هوية صاحبها وحمايته، لأن الشريحة الجديدة تتوفر على بيانات رقمية على درجة استراتجية من الخطورة من الجانب الأمني والاقتصادي. وعليه يتطلب القرار وجود قانون لحماية الهوية الإلكترونية للزبون، وهو ما لا تتوفر عليه الجزائر إلى اليوم بسبب تأخرها في مجال تكنولوجيا المعلومات، وسحب مشروع قانون البريد والاتصالات من البرلمان الذي كان يتضمن صفحة ونصفا تقريبا تحدد كيفية وشروط الحماية. وتساءل العديد من الخبراء المختصين في الأمن المعلوماتي عن سبب العجلة في طرح خدمة الجيل الثالث، في ظل عدم وجود قانون جزائري لحماية الهوية الإلكترونية، وخاصة بعد سحب مشروع البريد والاتصالات من البرلمان. ويعتبر قانون حماية الهوية الإلكترونية بمثابة الأساس التشريعي والقانوني لضمان أقصى درجات الحماية لبيانات المتعاملين من خلال بطاقة الهوية على الشبكات الإلكترونية، حيث سيكون من الطبيعي لجوء أي جزائري من رئيس الجمهورية إلى غاية رئيس أكبر شرطة استراتيجية أو بنك في البلاد، إلى وضع بيانات دقيقة على هاتفه الذكي أو لوحته الشخصية وتحويلها إلى مكتب متنقل يطلع من خلاله على بريده الإلكتروني ويرسل ويستقبل بيانات عالية الدقة والخطورة. وفي حال عدم وجود قانون لحمايته فإنه من السهل اختراقه والتجسس عليه ولن يكون بإمكانه متابعة الجهة التي استهدفته أمام القضاء بسبب عدم وجود أساس قانوني بعد سحب القانون من البرلمان. وفي ظل عدم وجود قانون لا يمكن للجزائريين أيضا استعمال هذه التقنية لتطوير خدمات إلكترونية أخرى بسب عدم إصدار الشهادات الرقمية والتوقيع الإلكتروني والختم الإلكتروني. والغريب أن رئيس سلطة الضبط هو أستاذ قانون ولكنه مكبل اليد بسبب سحب القانون من البرلمان وبالتالي لا يمكن لدولة مثل الجزائر في ظروف مثل هذه أن تمضي قدما نحو تطبيق اقتصاد إلكتروني آمن في عالم أصبحت فيه البيانات الرقمية تتداول بطريقة ذكية تماما. ولا تتوفر الجزائر أيضا على بنية تحتية قادرة على تسيير الهوية الإلكترونية وحمايتها بنظم تشفير متطورة كما هو الحال بالنسبة إلى الجيل الثالث الذي يتطلب استعمال شرائح ذكية تحتوي على جميع البيانات التي تعني الزبون والتي تتطلب حماية قانونية ضرورية بالنظر إلى خطورتها، وخاصة بالنسبة إلى المهنيين والمسؤولين. وفي غياب القانون ستتحول إلى أكبر مصدر للجوسسة على الجزائر والجزائريين، مما يحتم وبسرعة فائقة إيجاد حل سريع لحماية أمن الجزائر والجزائريين قبل الشروع في طرح خدمة الجيل الثالث من طرف الحكومة في ديسمبر القادم. ومن الغريب أن سلطة الضبط حاولت فرض أمور ثانوية مثل تغيير الرقم وتناست أو تجاهلت الأمور الخطيرة جدا على أمن البلاد والعباد التي تتمثل في حماية الهوية الرقمية. وقررت الحكومة سحب المشروع الذي قدمه وزير القطاع السابق موسى بن حمادي، على الرغم من استغراب المتتبعين والخبراء المختصين للقرار حيث اعتبر سابقة في تاريخ التشريع اللجوء إلى سحب مشروع قانون من ممثلي الشعب بعد الشروع في مناقشته في جلسة علنية عامة وبعد أن تمت دراسته على مستوى لجنة النقل والاتصالات السلكية واللاسلكية.