وقد يتوقف بك الزمن! ويشرع قلبك الصغير في النبض بسرعة تفوق سرعة الضوء! ثم تتهاطل عليك الإحتمالات من كل حدب وصوب وأنت تدور كأحمق حول نفسك وتتحس جيوبك .. تبحث عن هاتفك للمرة المليون ظنا منك أنه ضاع أو سقط أو قمت بنسيانه في مكان ما!! الشيء الذي لن تفعله وأنت تبحث عن أي شيء آخر. وكأن المحمول حبك الأول والأخير وبضياعه قد تفقد الشيء الكثير… علاقة وطيدة باتت تربط الكائن البشري بذاك الجهاز الآسر، ارتباط قوي لا منافس له وحميمية مفرطة منقطعة النظير! شبكة عنكبوتية أقفلت قلبها على البشر وأبت إلا أن تسكنهم بداخلها إلى الأبد؛ فأصبح المحمول بشبكته اللعينة الحبيب والصديق والرفيق والصاحب في ممشى الحياة، آخر من تخلد إليه وأول من يرى لون عينيك صباحا … والجليس الوحيد لك ولو كنت بين مجمع من البشر.. لتعترف بالادمان متى أخذك التيه وأنت في منأى عنه ولتفهم في كل مرة أن السعادة، وكل السعادة لا تقتصر إلا على صبيب سريع خفيف مبهج..! حياة إلكترونية هذا ما كنا نخشاه أو بالأحرى ما لم يكن بالحسبان، أو ما تمنيناه ذات ماض قريب وكان يعد من الأحلام البعيدة ..!! لست أدري كيف أصيغ جملتي هذه المشتتة كمشاعرنا بالضبط!! شتات الكتروني، مشاعر الكترونية، كائنات لا سلكية تتجول في الأرجاء، هكذا صرنا بعد أن فتكت بنا التكنولوجيا..! أضحك لحالنا أحيانا حينما أسمع حديثا يدور حول أزرار الإعجاب والمحبة والحزن والغضب…. بقول إحداهن: “ينقر بالمحبة دوما على صوري، لعله يحبني” أو : “جعلته يموت غضبا، لم أعد أعجب بمنشوراته” بل يؤسفني حالنا وعلاقاتنا بالناس باتت حبيسة العالم الافتراضي، إضافة .. إعجاب .. رسائل .. ثم حذف .. حظر وانتهى..! علاقات منتهية منذ البداية وحياة مدفونة تحت أرض الحياة. ناهيك عن الانسياق خلف الشهرة المزيفة -موضة العصر- يكفي أن تفتح كاميرا هاتفك وتبدأ في الحديث، قل ما تشاء لا يهم! لا بل أخبر العالم بأشياء تافهة، كن تافها قدر ما استطعت ذاك سيجعلك شهيرا وسيحملك لك أكبر عدد ممكن من المتابعين كما ستتابعك المواقع وتتبعك لأخذ تصريح منك وليس بالأمر الغريب لو تمت استضافتك من أحد البرامج … قانون مخجل اتبعه سكان هذا العالم! (العالم الافتراضي) للأسف، ليصبح بين ليلة وضحاها عدد المتابعين أو عدد الإعجابات مقياس للنجاح والتمييز ودليل باعتراف الآخرين بنا! وأداة اختبار للمشاعر والأحاسيس.. لا أنكر أن الحياة اليوم صارت أسهل مما كانت عليه من قبل، لكني لا أستطيع تجاوز أمر أن لا حياة لنا من الأصل، ما يجعلني أخاف فعلا من مستقبل مجهول تحمله إلينا التكنولوجيا. وددت حقا أن ألتقي بمن أخبرنا في بادئ الأمر أن هذه الأخيرة جعلت العالم كقرية صغيرة، لأمسكه من يديه وأركض به حيث نعيش وأريه حال القرية المنكوبة التي تعيش الخراب الاجتماعي وكأن قنبلة انفجرت هنا وكأن حربا شتتت أواصرنا وكأن فيروسا فتك بها. مريم كرودي