شكل سوق أمحيريش بمدينة كلميم، منذ أزيد من ثلاثة قرون، مركزاً اقتصادياً مهما وفضاء تجارياً معروفا على الصعيد الوطني والدولي، ويمتد على مساحة تقدر بأكثر من ثلاثة هكتارات. ويشهد هذا السوق، الذي يُعد من أشهر أسواق الإبل في المغرب، نشاطا تجاريا يومي الجمعة والسبت تعرض فيه العشرات من رؤوس الإبل والماشية بمختلف أصنافها، إضافة إلى فضاء حديث لبيع الفواكه والخضروات والحبوب وغيرها. ويعد هذا السوق مصدراً رئيسياً للحوم الإبل التي تشتهر بها مدينة كلميم ومنطقة وادنون عموما، إضافة إلى حليب الإبل ومشتقاته، وتجاوز الاحتفاء بالإبل الأدوار التجارية والاجتماعية في المنطقة، وأصبح رمزا حاضرا بقوة في المهرجانات الفنية والثقافية كجزء من التراث المحلي والموروث الثقافي والاجتماعي في بوابة الصحراء. بوجمعة رجل في عقده السادس يشتغل كسابا، يقول إنه يرتاد هذا السوق منذ السبعينيات من القرن الماضي، يأتي بقطيعه من الجمال إلى رحبة الإبل في الجهة الجنوبية للسوق الأسبوعي. ويضيف الرجل الستيني أن ظروف عمل الكسابة في المنطقة أصبحت أكثر صعوبة من ذي قبل، ولم تعد القدرة الشرائية للناس تتيح لهم شراء الإبل إلا في المناسبات والأعراس، إضافة إلى تراجع ثقافة الترحال عند سكان منطقة واد نون واستقرار أغلب الأسر التي كانت تتعاطى تربية الجمال في المنطقة. ويرى بوجمعة، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الإبل موجود في السوق في أغلب أيام الأسبوع ويشهد نشاطا تجاريا لافتا خلال يوم السبت. غير بعيد عن قطيع الجمال، يجلس علي، وهو شاب ثلاثيني، يحتسي كؤوس الشاي ويراقب من بعيد جماله بين القطيع، يقول إن تجارة الإبل في السوق تغيرت كثيرا، وأصبح اليوم الوسطاء أو ما يطلق عليه في المنطقة "البرغازة" هم من يلعب دورا كبيرا في النشاط التجاري ويأتون بالجمال من خارج السوق بعد شرائها من الرحل ومربي الإبل في الصحاري. ويضيف هذا الشاب، في تصريح لهسبريس، أن أثمنة الإبل تختلف حسب صنفها وعمرها وحجمها، ويتجاوز أحيانا سعر أجودها أكثر من 20 ألف درهم. ويشتكي بعض الكسابة من سوء التنظيم وانتشار العربات والسيارات داخل فضاء السوق؛ وهو ما يعرقل نشاطهم التجاري. دعوات لإحياء الموروث التاريخي يرى عمر ناجيه، الباحث في تاريخ وتراث الصحراء، أن النشاط التجاري في سوق كلميم بدأ منذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي، وتسلم المشعل من مدينة تكاوست التاريخية، ولعب دورا كبيرا في العلاقات التجارية مع السودان والصحراء الكبرى وكان وسيطا في التجارة الخارجية عبر ميناء الصويرة، وكانت أسواق كلميم من أكبر أسواق الإبل في الصحراء الكبرى والسودان الغربي إلى حدود القرن العشرين. ودعا المتحدث إلى تثمين هذا الموروث التاريخي وإعادة إحيائه ليلعب من جديد أدواراً ثقافية وسياحية عبر إعادة النظر في شكل فضاء سوق الإبل، وإعادة تأهيله وفق معايير تحافظ على الروح التاريخية لهذا المكان الذي لعب أدواراً كبيرة في توطين ثقافة الإبل بالمنطقة. رحبة الإبل هي سوق في مجال حضري؛ ولكن بمسحة بدوية. ولا تضم الرحبة الإبل فقط؛ بل تعج أيضا بقطعان من المواشي المختلفة، كالأغنام والخرفان والبقر. كما تعكس رحبة الإبل المزيج الثقافي واللغوي لمنطقة واد نون، حيث تتعالى هنا وهناك أصوات الكسابة والباعة في مفاوضات حول الأثمان بالأمازيغية والحسانية. بين الجموع، التقينا محمد الحياني، شيخ سبعيني قادم من أحد المداشر المجاورة لمدينة كلميم، وهو يمسك ببقرة أتى بها إلى السوق ويرفض أن يتنازل عن 7 آلاف درهم كثمن نهائي للبيع، وطالت مفاوضاته مع سيدة ترغب في شرائها دون جدوى، ولا يبالي بحرارة الشمس الحارقة في انتظار زبون جديد يبيع له البقرة بالثمن الذي يرضيه. الحياني طالب، في حديثه مع هسبريس، بأن يعمل القائمون على السوق على توفير بوابتين لتفادي الازدحام وصعوبة إخراج المواشي. أمحيريش وتراجع السياحة على جنبات السوق، قرب الإبل معروضات من الصناعة التقليدية المحلية تضم حليا وأوان وخزفا يعرضها أحد الباعة في انتظار قدوم سياح أجانب لالتقاط الصور مع قطعان الإبل أو شراء بعض التحف التقليدية. ولا يخفي البائع، في حواره مع هسبريس، استياءه الشديد من تراجع زوار هذا السوق من السياح خلال السنوات الأخيرة. ويقول الباحث عمر ناجيه إن سوق أمحيريش كان، إلى حدود نهاية الثمانينيات من القرن الماضي، وجها سياحيا لمدينة كلميم ومحطة مهمة لقوافل السياح التي تزور المنطقة؛ غير أن النشاط السياحي في هذا السوق تراجع للأسف بشكل كبير، يضيف المتحدث. وطالب ناجيه السطات المحلية ب"دعم مشروع يروم فتح متحف تاريخي دولي في كلميم متخصص في ثقافة الإبل يوثق لتاريخ المنطقة ويبرز الخصوصية المحلية"، على اعتبار أن "سوق امحيريش يشكل جزءا مهما لهذه الذاكرة التاريخية؛ لأنه كان ولا يزال فضاء تجاريا للإبل على الصعيد الوطني".