في أقل من ثلاثة أسابيع، تعرضت شحنتان من الفوسفاط المستخرج من تراب الصحراء وقامت بتصديرهما شركة "فوسبوكراع" لعمليتي حجز في كل من بناما وجنوب أفريقيا، وصدر بخصوصهما حكمان لهما بعدان وأهميتان مختلفتان. فيوم فاتح ماي 2017، قامت سلطات جنوب إفريقيا، بناء على طلب من البوليساريو، باستغلال فرصة دخول سفينة "شيري بلوسوم" إلى ميناء "بورت إليزابيث" وحجز شحنتها التي تصل إلى 55.000 طن من الفوسفاط التي كانت تنقلها إلى نيوزيلندا، وبمصادرة وثائق إبحارها؛ وذلك في انتظار صدور حكم قضائي. ويوم 17 ماي 2017، صدر أمر من المحكمة البحرية لبناما في حق سفينة دنماركية أخرى هي "أولطا إنوفاسيون" كانت تحمل شحنة 50.000 طن من الفوسفاط لفائدة الشركة الكندية "أكريوم"؛ وذلك خلال عبورها لقناة هذا البلد وهي في طريقها إلى مدينة فانكوفر. وقد أعلنت المحكمة البنامية في حكمها الصادر في 5 يونيو أنها غير مؤهلة للبت في هذه القضية لأنها تتعلق بمسألة سياسية ذات بعد دولي، ورفضت دعوى البوليساريو وطلبت منه أن يثبت أنه هو صاحب تلك الشحنة. في المقابل تماما، أعلنت المحكمة الجنوب إفريقية عن قبول الدعوى في 15 يونيو؛ حيث اعتبرت: "أن البوليساريو يمثل معظم ساكنة الصحراء"، وأن استخراج الفوسفاط من تراب هذه الجهة "لا يتم لصالح هذه الساكنة". وخلال مداولاتها المقبلة، سيكون على القاضي الجنوب إفريقي تحديد هوية مالك شحنة "شيري بلوسوم" وإمكانية تطبيق حصانة الاختصاص القضائي الذي طالب به محامو الطرف المغربي من أجل دفع هذه المحكمة إلى التخلي عن متابعة هذه القضية. وقد أثار هذا الحكم ردود فعل قوية في المغرب وانتقادات حتى داخل جنوب إفريقيا؛ حيث سجل، وعن حق، "معهد الدراسات الأمنية" (ISS) في بريتوريا في تعليقه على قرار محكمة جنوب إفريقيا: "تورط وزارة الشؤون الخارجية لجنوب إفريقيا كطرف في هذه القضية"، وفسر القرار بأنه "رد فعل على النجاح الذي يحققه المغرب في القارة الإفريقية". إن القرار الأولي الصادر عن محكمة جنوب إفريقيا يأتي معاكسا تماما للحكم الصادر، قبل أسبوعين فقط، عن محكمة بناما. ويأتي في سياق يتميز بتوتر العلاقات بين الرباطوبريتوريا التي كان من آخر تجلياتها المواقف المتخذة من قبل إفريقيا الجنوبية خلال طلب المغرب الانضمام إلى الإتحاد الإفريقي في يناير الماضي. وفي انتظار معرفة الحيثيات والأسس التي سيستند إليها القرار المقبل للمحكمة الجنوب إفريقية، يمكن أن ندلي، من الآن، ببعض الملاحظات والتعاليق على حجج محكمة "بورت إليزابيث" التي بررت بها إبقاء الحجز على حمولة وعلى وثائق إبحار السفينة الدانماركية. وسوف نركز في هذا التحليل على المفاهيم التي تم استخدامها، وعلى المنهجية المتبعة، وعلى تحديد نطاق اختصاص المحكمة، وكذا على مضمون قرارها. 1. على المستوى المفاهيمي، استبعدت المحكمة مصطلحات الأممالمتحدة، أو استعملت توصيفات غير صحيحة من الناحية القانونية؛ حيث استعملت، مثلا، مصطلح "احتلال" (الفقرة 28 والفقرة 40)، الذي لا تستعمله الجمعية العامة ولا مجلس الأمن الدولي في سياق الجهود المبذولة لإيجاد حل سياسي للنزاع بشأن استرجاع المغرب لصحرائه. وعلاوة على ذلك، أشارت المحكمة إلى توقيع اتفاق ثلاثي بين المغرب والأممالمتحدة وجبهة البوليساريو (الفقرة 6) قد يشكل اعترافا متبادلا، بحكم القانون، من كلا الطرفين، بينما يتعلق الأمر في الواقع بمقترحات قدمها الأمين العام للأمم المتحدة في غشت 1988 قبلها الطرفان، بشكل منفصل، وتم إدراجها في وثيقة تسمى مخطط التسوية. وقد اعتمدت هاته الوثيقة من قبل مجلس الأمن في قراره رقم 658 (1990) الصادر في 27 يونيو 1990. 2. من حيث المنهجية، يبدو أن المحكمة لا تحتفظ سوى بالأدلة الواقعية والتاريخية التي تزكي الموقف الرسمي لجنوب أفريقيا وفي كل ما ينسجم مع مواقف الجزائر والبوليساريو. فعلى سبيل المثال، فإن عملية التفاوض الجارية منذ 2007 لا نجد لها مكانا في مرجعيات المحكمة، كما لا نجد إشارة إلى جهود التنمية التي يبذلها المغرب في الجهة. والأمر نفسه ينطبق على مطلب إحصاء سكان مخيمات تندوف الذي يطالب به مجلس الأمن منذ ست سنوات والذي لم يلق أي رد من قبل الجزائر والبوليساريو. وهناك مثال آخر يتمثل في كون المحكمة حمّلت المغرب مسؤولية رفض الاستفتاء المنصوص عليه في مخطط التسوية، في حين إن الأممالمتحدة هي التي سجلت هذه النتيجة منذ 2000 بسبب استحالة إنهاء عملية تحديد الهوية. وأخيرا، وبدلا من الاعتماد على عناصر موضوعية أو على منطق قانوني لبناء حجتها، اقتصرت المحكمة على بيانات لا رابط بينها، مثل ما جاء في الفقرة الأولى التي تقول: "إن إقليم الصحراء الغربية هي الأرض الإفريقية الوحيدة التي ما تزال تحت نظام استعماري". 3. من حيث نطاق الاختصاص، لا تملك جنوب إفريقيا صفة الزبون ولا الناقل ولا مالك السفينة لكي تكون لها مصلحة للتدخل في القضية. كما أنه لا قانون المعاهدات ولا القانون العرفي، ولا حتى قانون جنوب إفريقيا، يسمح بالقول إن سفينة "شيري بلوسوم" قد ارتكبت أي خرق لقوانين جنوب إفريقيا أو للقواعد الدولية مما يسمح بحجزها وبمصادرة حمولتها ووثائق إبحارها. لقد كان دخولها إلى ميناء "بورت إليزابيث" عملا روتينيا قامت به، بحسن نية، وبدون أية مخاوف أو شكوك حول سلوك السلطات الجنوب إفريقية. وعلاوة على ذلك، لم يقم المغرب بأي إجراء يضر بمصالح جنوب إفريقيا قد يبرر اتخاذ إجراءات انتقامية ضده. والواقع أن السفينة لم ترتكب أي مخالفة داخل المياه الخاضعة لسيادة جنوب إفريقيا من شأنها أن تثير مسؤوليتها طبقا لاتفاقية الأممالمتحدة لقانون البحار. كما أنها لا تدين بأي ديون قد تبرر حجزها طبقا لاتفاقية بروكسيل في 1952 الخاصة بتوحيد قواعد الحجز التحفظي. وهكذا، وفي غياب مرجعية لاتفاقية تبرر اختصاصها، استندت محكمة "بورت اليزابيث" إلى قانون جنوب إفريقيا الخاص بتنفيذ نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية في 12 يوليوز 2002 الذي ينص على الولاية القضائية العالمية. لكن من المعروف أن هذا الاختصاص لا يمكن الحجاج به في إطار نزاع تجاري، ويبقى محصورا صراحة في نطاق الجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والتعذيب. 4. من حيث مضمون الحكم، نسجل ثلاث نقاط رئيسية يبدو أنها تستحق اهتماما خاصا وهي: تمثيلية سكان الصحراء، وضع المغرب في ما يتعلق بجهة الصحراء، وشرعية استغلال المغرب للموارد الطبيعية للجهة. أ-تمثيلية سكان الصحراء طوال مدة المحاكمة، أشارت محكمة جنوب إفريقيا إلى أن البوليساريو هي "حركة تحرير وطني (...) تمثل شعب الصحراء الغربية" و"معترف بها من قبل الأممالمتحدة" (الفقرتان 5 و6). في حين إن هذه الصفة لم يتم تكريسها لا من قبل الأممالمتحدة ولا من قبل المنظمة الإفريقية ولا من قبل حركة عدم الانحياز. فعلى الصعيد الإفريقي، كان منح صفة "حركة التحرير" يدخل دائما ضمن دائرة الاختصاص الحصري للجنة التحرير التابعة لمنظمة الوحدة الإفريقية. وهكذا تم، على سبيل المثال، الاعتراف لمنظمتي "سوابو" و"حزب المؤتمر الوطني الإفريقي" بهذه الصفة التي أعطتهما شكلا من التمثيلية داخل منظمة الوحدة الإفريقية والأممالمتحدة ومنحتهما صفة مراقب. وخلال مرحلة وجود هذه اللجنة، من 1963، تاريخ إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية، إلى 1995 تاريخ اختفائها، لم يتم أبدا منح البوليساريو صفة حركة للتحرير. ويرجع ذلك، بدون شك، إلى وجود حركات أخرى ذات توجه وحدوي، وإلى غياب دعم داخل منظمة الوحدة الإفريقية من أجل منح هذه الصفة. وعلى مستوى الأممالمتحدة، لا يعتبر البوليساريو "حركة للتحرير" ولا "ممثلا وحيدا وشرعيا". ولكنه يعتبر فقط صاحب ملتمس داخل اللجنة الرابعة، وداخل اللجنة الرابعة والعشرين. وفي إطار مسلسل المفاوضات الحالية الرامية إلى إيجاد حل سياسي، يعتبر البوليساريو مجرد "محاور"، وهي صفة محصورة في الوقت وفي الوظيفة دون أن تكون لها آثار قانونية تسمح له بالمشاركة في المفاوضات وبدون أن يكون بإمكانه التحدث بأي صفة كانت، سواء في مجلس الأمن أو في الجمعية العامة أو في اللجان الرئيسية الخمسة. وقد تم تكريس هذه الخلاصة المتعلقة بعدم تمثيلية البوليساريو أيضا من قبل محكمة العدل الأوروبية عند تحديدها لنطاق تطبيق اتفاقية الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي. ويحق لنا في هذا الصدد أن نتساءل عن الأسباب التي دفعت البوليساريو إلى تقديم طلبه إلى محكمة جنوب إفريقية باسمه وباسم "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، في حين إن الطلب الذي قدمه إلى محكمة العدل الأوروبية كان فقط باسم جبهة البوليساريو. وهو خيار يمكن تفسيره بالصلاحية التي أعطيت لقاضي جنوب إفريقيا ليستغل الصفتين معا من أجل توجيه طريقة تفكيره وقراره. كما يمكن أن نسجل عدم دقة نسبة سكان الصحراء المتواجدين شرق الجدار وفي مخيمات تندوف في الجزائر. فمحكمة جنوب إفريقيا تقول إن هذه النسبة تشكل غالبية سكان الصحراء. وكان من الممكن لقراءة واقعية ومحايدة لتاريخ الصراع أن تنير القاضي الجنوب إفريقي حول حقيقة مفادها أن غالبية سكان جهة الصحراء يعيشون في المغرب كما تشهد على ذلك، منذ مدة طويلة، لجنة تحديد الهوية للأمم المتحدة. وبالتالي، فإن هذه الساكنة لا يمكن أن تقبل مصادرة حقها في التمثيلية من قبل البوليساريو. ب-وضعية المغرب إزاء الصحراء اعتبرت المحكمة الجنوب إفريقية في حكمها أن المغرب استرجع الصحراء عبر استخدام القوة (الفقرة 19) وأن سكان هذه الجهة يتميزون (الفقرة 18) عن باقي ساكنة المغرب، وأن أقصى ما يمكن قبوله هو اعتبار المغرب "سلطة مشرفة على الإدارة" الفعلية وفقا لحاجيات مداولات المحكمة. وتؤكد المحكمة الجنوب إفريقية، اعتمادا على المبدأ العام للقانون الدولي بشأن عدم شرعية حيازة الأراضي بالقوة، أن المغرب احتل جهة الصحراء بالقوة وأن إسبانيا قد "أهدت/قدمت" (الفقرة 19 والفقرة 41) تلك الأراضي للمغرب. وهي تصريحات بعيدة كل البعد عن الواقع ولا تصمد أمام الحقائق المؤكدة والمسجلة، بالشكل المناسب، في الصكوك القانونية الدولية. والحقيقة هي أن المغرب استرجع صحراءه بوسائل سلمية تماما دون اللجوء، في أي وقت من الأوقات، إلى القوة المسلحة، وأن القوات المسلحة الملكية دخلت إلى هذه الجهة بموجب اتفاق تم التفاوض عليه مع المستعمر السابق، وتم تسجيله لدى الأممالمتحدة والمصادقة عليه بقرار من الجمعية العامة. ثم هل من الضروري التذكير بأن المسيرة الخضراء، وهي أسلوب ضغط سلمي وحضاري لإقناع إسبانيا بالتفاوض مع المغرب حول استرجاع صحرائه، لم تسفر عن أي مواجهة مسلحة، أو حتى عن حادثة عسكرية بسيطة؟ وهل من الضروري أيضا التذكير بأن مسلسل إنهاء الاستعمار في المغرب هو حالة فريدة من نوعها لأن احتلال الأراضي تم على مراحل، كما أن استعادته لكامل أراضيه تم أيضا بشكل تدريجي في انتظار استكمالها نهائيا. إن ما شكل في الواقع مسألة ثابتة في نهج المغرب هو تصميمه على تحقيق الوحدة الترابية الكاملة والتامة لأراضيه عبر التفاوض وانسجاما مع الشرعية الدولية. وأخيرا، هل من الضروري أن نذكر بأن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية اعترف بأواصر البيعة بين قبائل الصحراء وسلاطين المغرب، وبأن المسيرة الخضراء أدت إلى مفاوضات توجت باتفاق مدريد في 14 نونبر 1975 وبالعودة النهائية والمنسجمة مع القانون الدولي ومع ميثاق الأممالمتحدة للصحراء الإسبانية سابقا إلى الوطن الأم؟ وهو اتفاق تم تسجيله في 9 ديسمبر 1976 لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة طبقا للمادة 102 من ميثاق الأممالمتحدة، وأقرته الجمعية العامة في قرارها رقم 3458 (B) المؤرخ في 10 دجنبر 1979. لقد اختارت محكمة جنوب إفريقيا عدم الاهتمام بكل هذه التطورات وذهبت إلى حد القول إن سكان الصحراء يختلفون عن سكان المغرب وأن اللغة "الحسانية" هي أقرب إلى موريتانيا منها إلى المغرب (الفقرة 18). وهو قول يكشف عن جهل تام بتاريخ وسوسيولوجيا وديموغرافيا منطقة الجنوب المغربي بكاملها، بما في ذلك منطقة الصحراء، وجهل خاص بدرجة اندماج القبائل الجنوبية في المجتمع المغربي. ج-استغلال الموارد الطبيعية للصحراء منذ تقديم المغرب لمبادرة الحكم الذاتي في أبريل 2007، أقدمت الجزائر والبوليساريو على عدة إجراءات للحد من الدينامية التي خلقها مقترح الحكم الذاتي؛ حيث كانت هناك محاولات، على مدى ثماني سنوات، ترمي إلى إدراج بعد حقوق الإنسان في مهمة بعثة المينورسو. ونتيجة فشل هذه المحاولات، تحول البوليساريو إلى إثارة مسألة الموارد الطبيعية للصحراء التي يشترط أن يتم استغلالها عبر التشاور مع سكان مخيمات تندوف، أو عبر استخدام عائداتها بشكل حصري لصالح هؤلاء السكان. وفي الحقيقة، فإن هدف البوليساريو مختلف تماما: فأمام الاحتجاجات المتزايدة لسكان مخيمات تندوف على صعوبة الظروف الإنسانية التي يعيشون في ظلها، يهدف البوليساريو إلى جر مستوى العيش إلى الأسفل عبر حرمان سكان جهة الصحراء من جميع مزايا استغلال الموارد الطبيعية المحلية وجرهم إلى وضعية الهشاشة نفسها التي يعيشها سكان مخيمات تندوف. وعلى أرض الواقع، وبفضل تبادل الزيارات العائلية بين جهة الصحراء ومخيمات تندوف، تمكن الزوار من أن يلاحظوا بأنفسهم التطور غير مسبوق المسجل خلال السنوات الأخيرة في المنطقة، الذي يتناقض مع الوضع الإنساني الصعب الذي يضطرون للعيش في ظله في المخيمات. إن المحكمة بتبنيها لأطروحة البوليساريو المتعلقة بحجم السكان في مخيمات تندوف، فإنها تعتبر أن "الذين يمكنهم الاستفادة من استخراج الفوسفاط ليسوا سكان المنطقة ولكنهم، في الغالب، هم المستوطنون المغاربة" (الفقرة 48)، وأن "ملكية شحنة السفينة تعود إلى البوليساريو" (الفقرة 49). وهي بذلك، تستند أساسا إلى قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإلى رأي مستشارها القانوني؛ وذلك في محاولة للطعن في شرعية استغلال المغرب للموارد الطبيعية في الصحراء. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى السياق الذي اعتمدت فيه هذه القرارات والذي تميز برغبة بلدان العالم الثالث، بدعم من الكتلة الاشتراكية، في استعادة سيادتها الكاملة، بما في ذلك الوسائل التي تضمن لها استقلالها السياسي ونموها الاقتصادي والاجتماعي. وقد أسفرت هذه العملية عن سلسلة من القرارات التي اتخذتها الجمعية العامة للأمم المتحدة انطلاقا من 1952 حتى أواخر السبعينيات. ويمكن أن نلخص جوهر هذه الصكوك القانونية في ثلاثة معايير هي: - عدم التمييز بين سكان الجهة. - تحسين مستوى عيش هذه الساكنة وتعزيز استدامة بيئتها. - عدم استغلال موارد الجهة في تجاهل أو ضد مصالح سكانها. إن التأكيد على هذه المبادئ يمكن تفسيره بالسياق التاريخي الذي عرفته تصفية الاستعمار التي تميزت بالاستغلال المفرط من قبل القوى الاستعمارية السابقة للموارد الطبيعية لأراضيها الموجودة في الخارج لتستفيد منها، حصريا، السلطة الاستعمارية المركزية بدون اعتبار لمصالح السكان الأصليين، كما تميزت برغبة البلدان المستقلة حديثا في التخلص من أي تأثير خارجي. أما بالنسبة لرأي المستشار القانوني للأمم المتحدة، هانز كوريل، يقول المسؤول سنة 2002 إن "تحليل أحكام ميثاق الأممالمتحدة وقرارات الجمع العام والسوابق القضائية لمحكمة العدل الدولية وممارسات الدول" يبين أن "الاستغلال يكون غير قانوني إذا أجري في تجاهل لاحتياجات ومصالح سكان الاقاليم المعنية". إن تطبيق تلك المبادئ الثلاث على وضعية سكان الصحراء يسمح بتسجيل الملاحظات التالية: - الطفرة النوعية التي عرفتها جهة الصحراء تظهر بالفعل وجود تمييز، ولكنه تمييز إيجابي لصالح السكان المحليين. وقد أملته ضرورة تدارك العجز المتراكم منذ 1975 في جميع قطاعات التنمية. وفيما يلي بعض الأرقام الرمزية الدالة على ذلك: تمتد الطرق في جهة الصحراء حاليا على مسافة تفوق 3379 كلم مقابل 850 كلم في 1975. وتبلغ نسبة الربط الكهربائي 92٪، في حين إن المعدل الوطني في هذا المجال هو 71٪، كما أن هناك 74 مؤسسة تعليمية مقابل 6 في 1975، و50 مرفقا صحيا مقابل 10، كما ارتفع مؤشر التنمية البشرية من 0.408 في1975 إلى 0.729 حاليا (في حين إن المؤشر الوطني هو 0.672). وكشفت دراسة أجرتها شركة الاستشارات الشهيرة KPMG في يوليوز 2015، ركزت بشكل خاص على دور وتأثير شركة "فوسبكراع" في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في جهة الصحراء، (كشفت) ما يلي: ▪ "فوسبوكراع" هي أكبر مشغل في المنطقة بما مجموعه 2200 مستخدم، إضافة إلى 627 وظيفة تم خلقها من قبل 50 شركة مناولة تعمل في المنطقة. ▪ كتلة الأجور تقدر ب 177 مليون دولار. ▪ تزايد نسبة المستخدمين من أبناء المنطقة من 4٪ في 1975 إلى 76٪ في 2017. ▪ في 2016، تم تشغيل 500 شخص كلهم من أبناء المنطقة. ▪ تضم الإدارة العليا للشركة في 2017 عشرين من كبار المسؤولين كلهم من أبناء المنطقة مقابل مسؤول واحد كبير في 2003. ▪ في ما يخص الاستثمار، كل الأرباح التي تحققها شركة "فوسبوكراع" يتم استثمارها بالكامل محليا. ▪ يعتزم المكتب الشريف للفوسفاط استثمار 250 مليون دولار ما بين 2013 و2022 في تنمية المنطقة. وهكذا يتبين بالبرهان الملموس أن الفوسفاط المستخرج من تراب الصحراء لا يتم تصديره "في غياب" أو "على حساب" السكان المحليين ولكنه يعود بالنفع، في جزء كبير منه، على هذه الساكنة. وعلاوة على ذلك، يؤدي واجب التضامن الوطني المغربي مع سكانه الصحراويين إلى تخصيص ميزانية الدولة لموارد إضافية تتجاوز، إلى حد كبير، مداخيل الفوسفاط والصيد البحري؛ بحيث إن كل دولار يستخلص من موارد المنطقة تقابله سبعة دولارات يتم استثمارها من قبل القطاعين العام والخاص المغربيين. ومن أجل فهم أفضل لأبعاد الحكم الصادر عن محكمة جنوب إفريقيا، من المهم أن نربطه بالسياق الذي ورد فيه والذي يتميز بالمحددات التالية: - عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي والدور الذي يمكن أن يلعبه في تعزيز دينامية الهياكل التنظيمية للاتحاد وتحسين قدراتها. - المكانة التي صار المغرب يحتلها حاليا على المستوى القاري ومبادراته الملموسة للتنمية المشتركة التي تركز، من بين جوانب أخرى، على قطاع الفوسفاط كمحرك لها. - آفاق حدوث انتعاش في المستقبل لمسلسل إيجاد حل سياسي واقعي، في ظل القيادة الجديدة للأمم المتحدة. - الصراع الذي يطبع العلاقات الثنائية بين الرباطوبريتوريا بسبب قضية الصحراء. ومن المحتمل جدا أن تكون هذه العناصر هي التي فكرت فيها محكمة جنوب إفريقيا حينما أشارت، مرارا وتكرارا في حكمها، إلى تعقد وجدة هذه القضية المعروضة عليها. ومع ذلك، وعكس ما ذهبت إليه المحكمة البحرية لبناما التي قررت، للأسباب المذكورة نفسها، عدم قبول طلب البوليساريو، فإن محكمة جنوب إفريقيا قررت أن تحيل قضية سفينة "شيري بلوسوم" على الحكم الذي ستصدره في الجوهر. وقد تشكل الخطوة المقبلة فرصة لمحكمة جنوب إفريقيا لتدارك التعثر الذي وقعت فيه في 15 يونيو، ولإصلاح الضرر الذي ألحقته بالعلاقات بين المغرب وجنوب إفريقيا. كما ستكون فرصة لقياس درجة استقلال القضاء في هذا البلد وعدم تأثره بالضغوط والتأثيرات الخارجية. إن الرهان الحقيقي في هذه القضية يتجاوز، كثيرا، مسألة الحجز على 50.000 طن من الفوسفاط. فالقضية الحقيقية التي تهم المجتمع الدولي بكامله هي الأثر السلبي لمثل هذه الإجراءات على الثقة بين الدول، وعلى مدى احترام سيادة الدول، بما في ذلك حصانتها من المقاضاة وتنفيذ الأحكام، فضلا عن ضرورة تطوير التعاون الدولي حتى يتم ضمان سيولة المعاملات التجارية وأمن الطرق البحرية. ما هو على المحك، في الحقيقة، هو الأمن والسلامة والقدرة على التنبؤ التي ما تزال مرتبطة أشد الارتباط بسيادة القانون، ومن باب أولى، بقواعد القانون الدولي الذي يهدف إلى تنظيم العلاقات بين الدول ذات السيادة، وإلى تجنب الإجراءات التعسفية وأحادية الجانب وتسييس القضايا. ويبقى الأمل، في نهاية المطاف، في أن تكون السيادة للحق، ولروح المسؤولية، وللمنطق والحس السليم. * السفير المغربي السابق لدى الأممالمتحدة في نيويورك وجنيف