في الوقت الذي تباشر فيه الدولة المغربية مجموعة من التدابير الرامية إلى الاهتمام أكثر بالجانب البيئي، سواء بإصدار قانون يمنع صنع واستيراد وتصدير وتسويق واستعمال الأكياس البلاستيكية، أو بتنظيم الدورة الأخيرة لمؤتمر الأطراف في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية "كوب 22"، لا يزال المدخل الجنوبي لعاصمة الفوسفاط يرزح تحت وطأة التلوث البيئي، بسبب وجود مطرح عشوائي على مساحة 80 هكتارا. وانتقلت جريدة هسبريس الإلكترونية إلى مطرح الأزبال الواقع على بُعد حوالي ثلاثة كيلومترات من مدينة خريبكة في اتجاه البروج، حيث لوحظ، قبل الوصول إلى المكان المقصود، انتشار واسع للأكياس البلاستيكية بمختلف الأحجام والألوان، وانبعاث روائح كريهة ناتجة عن اختلاط النفايات الصلبة والسائلة والدخان وروائح جثث المواشي النافقة. محمد صمودي، رئيس فيدرالية جمعيات التنمية والبيئة وشؤون الهجرة، قال إن "المطرح يقع فوق أراضي الجموع، قبل أن يتم تفويته إلى بلدية خريبكة قصد إنشاء مطرح للنفايات الصلبة؛ لكن العملية لم تتم وفق المعايير والشروط الخاصة بالمطارح العصرية وما يرتبط بها من عمليات إعادة التدوير والاستعمال في التدفئة وغيرها، بل تم إنشاء مطرح عشوائي بكل من تحمل الكلمة من معنى". وأضاف المتحدث، في تصريح لهسبريس، أن "المطرح العشوائي تسبب في تلوث بيئي كبير بالجماعتين القرويتين أولاد عبدون والفقراء، نظرا لاقتصار المكلفين بتدبير القطاع على رمي الأزبال وحرقها، دون الاكتراث إلى ما يُسفر عنه الدخان من اختناق وأمراض صحية لا تُحصى، خاصة عندما يتعلق الأمر بالأدوية والمواد البلاستيكية وحفاظات الأطفال وباقي المواد المضرة". وأكّد محمد صمودي أن "الدخان الناتج عن إضرام النار في الأزبال كل مساء يمنع مستعملي الطريق الإقليمية رقم 3514 من التنقل بين خريبكة وجماعة الفقراء"، مضيفا أن "عشوائية المطرح تتسبب في تلويث الفرشة المائية بالمنطقة؛ وهو ما يُعتبر كارثة بيئية وصحية عظمى، في ظل البرامج الملكية التي يُطلقها عاهل المملكة لمحاربة التلوث، آخرها تنظيم كوب 22 الذي نال تأييدا عالميا". ولفت المتحدث ذاته إلى أن "وجود مؤسسة سجنية قرب المطرح يؤدّي إلى إصابة السجناء بأمراض ناتجة عن الروائح الكريهة المنبعثة بالليل والنهار، كما أن الأموات لم يسلموا بدورهم من مشاكل المطرح الواقع على بعد خطوات من مقبرة الرحمة"، مشدّدا في سياق آخر على أن "الكلاب الضالة التي تعيش في المطرح تعترض طريق راكبي الدراجات النارية والعادية، كما تهدد سلامة التلاميذ خلال تنقلهم بين مساكنهم ومؤسساتهم التعليمية". وختم صمودي تصريحه بالتأكيد على أن "زوار المنطقة وأفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج يضطرون، خاصة في فصل الصيف، للذهاب إلى أولاد عبدون والفقراء وبني وكيل والفقيه بن صالح وسوق السبت وبني ملال وخميس بني شكدال عبر الطريق الإقليمية رقم 3514، ويشاهدون بدهشة وامتعاض مناظر الأزبال و"الميكا" والصرف الصحي والدخان... وهكذا نستقبل زوارنا"، حسب تعبيره. من جهته، أوضح عبد الهادي سعداني، رئيس مجموعة الجماعات "ورديغة" لتدبير النفايات الصلبة والمماثلة لها بإقليم خريبكة، أن "المطرح يُسيّر ويُدبّر في الوقت الراهن من لدن بلدية خريبكة؛ لكن مجموعة من الجهات والإدارات والوزارة المعنية بالقطاع وقعوا اتفاقيات من أجل إغلاق المطرح المذكور، وبناء مركز لتحويل النفايات الصلبة والمماثلة لها". وأضاف المتحدث، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن "مدينة خريبكة ستعرف بناء مركز للتحويل مباشرة بعد توصل البلدية بالاعتمادات المالية من لدن الوزارة المكلفة بالقطاع، من أجل إغلاق المطرح وبناء المركز، ثم تسليمه إلى مجموعة الجماعات لتسييره، وفق اتفاقية تخضع في الوقت الراهن للمساطر الإدارية اللازمة، قصد المصادقة عليها". وأشار سعداني إلى أن "المشروع عرف في أوقات سابقة بعض العراقيل على مستوى الوزارة، خاصة ما يتعلق بالجهات المكلفة ببناء وتدبير وتسيير مراكز التحويل؛ لكن المساطر الإدارية تسير في الآن بشكل إيجابي، سواء ما يرتبط بمشروع بناء مركزين للتحويل بوادي زم وأبي الجعد من لدن مجموعة الجماعات، ومشروع بناء مركز بخريبكة من لدن مجلسها البلدي، في أفق إغلاق المطارح العشوائية، ومباشرة عمليات التحويل في المراكز ثمّ النقل إلى المطرح الإقليمي الواقع بتراب الجماعة القروية المفاسيس". وعن رأي المجلس البلدي لخريبكة، وصف محمد عفيف، نائب رئيس البلدية، المطرح بالعشوائي، "ويطرح مجموعة من المشاكل بالنسبة للمحيط ككل، ويعرف تردّيا وتدهورا بيئيا كبيرين، نظرا لوجود مقبرة وبعض الإدارات بالقرب منه؛ وهو ما دفع كل من وزارة التنمية المستدامة والمجلس الجماعي ووزارة الداخلية إلى عقد اتفاقية شراكة مع مجموعة الجماعات "ورديغة" لتدبير النفايات الصلبة والمماثلة لها بإقليم خريبكة، من أجل إنجاز مجموعة من المشاريع، على رأسها بناء مركز للتحويل". وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن "مركز التحويل سيُشيّد على مساحة هكتار واحد من أرض المطرح الحالي، من أجل جمع نفايات المدينة ونقلها في اليوم نفسه إلى المطرح الإقليمي بجماعة المفاسيس لمعالجتها"، مؤكّدا أن "المجلس البلدي لخريبكة صادق على الاتفاقية، وينتظر مصادقة الوزارتيْن والتوصّل بالدعم المحدد في 31 مليون درهم، من أجل دراسة وإنجاز المشروع وإخراجه للوجود"، مشيرا إلى أن "مساحة ال79 هكتارا المتبقية سيتمّ إغلاقها بالكامل، قصد تشجيرها وإعادة تأهيلها".