تحتضن منطقة تاجموت، الواقعة على بعد خمس كلمترات جنوب مدينة الخميسات، على طريق برجلين، بجماعة آيت مجمع الطلبة، المطرح الوحيد للنفايات الذي يستقبل أطنانا من النفايات المختلطة المقبلة من مدينة الخميسات، ما يجعل تلك المنطقة مصدر تلوث خطير على الماء والهواء والتربة. ويفرز المطرح أيضا، روائح كريهة تنتشر في عموم المنطقة، وتخنق أنفاس السكان بالدواوير المجاورة، كما أنه يشكل مجالا خصبا لتجمع الحيوانات والحشرات وجحافل الكلاب الضالة والقطط، ناهيك عن تداعياته السلبية على الفرشة المائية، علما أن المطرح لا يبعد عن وادي برجلين إلا بأمتار قليلة، ورغم أن المشكل البيئي طفا إلى السطح منذ مدة إلا أن الجهات الوصية لم تجد بعد حلولا بديلة أو بناء مطرح بمواصفات هندسية وبيئية، لتدبير أفضل للنفايات وجعلها مادة قابلة للتدوير، وإعادة الاستغلال، وتخليص السكان من جحيم التأثيرات السلبية لهذا المطرح، الذي حول حياة قاطني سكان برجلين والدواوير المحيطة به إلى جحيم لا يطاق، بل الأكثر من ذلك أن عددا منهم فضل الهجرة من تلك المنطقة إلى المدينة أو المناطق الأخرى بعيدا عن روائح النفايات.
عشوائية التدبير المفوض لقطاع النظافة دخل المجلس الجماعي الخميسات تجربة ما بات يعرف بالتدبير المفوض لقطاع النظافة منذ سنة 2012، إذ تعاقد مع شركة لتدبير قطاع النظافة وفق دفتر تحملات يحدد الشروط والواجبات على كل طرف ويكلف قطاع النظافة أزيد من مليار و200 مليون سنتيم في السنة من ميزانية الجماعة، لكن رغم إنفاق هذا المبلغ المهم إلا أن المشكل لم يحل بعد، إذ مازالت العشوائية تطبع تدبير قطاع النظافة اعتبارا لمجموعة من الشروط، منها مواقع وضع الحاويات التي توضع في أماكن مختلفة دون مراعاة الجوانب المتعلقة بالسلامة الصحية، إذ يستوجب وضعها في أماكن غير معرضة للشمس لتفادي التفاعلات. كما أن توقيت شحن النفايات لا يتلاءم مع المعايير المعمول بها، ما يتسبب في الروائح الكريهة علاوة على غسل تلك الحاويات في أماكنها، الشيء الذي يترتب عنه تسرب المياه الملوثة إلى التربة، بالإضافة إلى تساقط كميات من النفايات من الشاحنات، لأن معظمها مهترئ وأصبحت غير صالحة للاستعمال. يضاف إلى ذلك أيضا، أن تلك الشاحنات كانت تستغل المسبح البلدي كمكان للركن، وبعد احتجاجات السكان وفعاليات المجتمع المدني، بسبب تضررهم من الروائح الكريهة والأوساخ، تم نقل هذا الأسطول إلى الجهة الغربية للمجال الحضري، وهو أمر أيضا، مخالف للمعايير البيئية المعمول بها، لأن تلك الشاحنات يجب أن تركن في منطقة صناعية يكون موقعها في الاتجاه المغاير للتجمعات السكنية لتفادي هبوب الرياح واجتياحها للمناطق السكنية لتفادي نقل الأمراض والملوثات إلى السكان عبر الهواء، بالإضافة إلى غسل الشاحنات الذي غالبا ما يجرى في أماكن مختلفة، علما أن تلك الشاحنات يجب أن تغسل في مكان خاص، وتنقل مياه الغسل إلى محطة مختصة لمعالجة المياه العادمة، لتفادي تسربها إلى التربة، لكن بغض النظر عن كل هذه الحيثيات تبقى العشوائية تطبع سير العملية برمتها، وتتلخص في الجمع والنقل والطرح دون مراعاة الجوانب المتعلقة بحسن التدبير والسلامة الصحية. سكان آيت أوريبل يشتكون أكد عدد من سكان دوار برجلين بجماعة مجمع الطلبة بالخميسات، أن معاناتهم التأثيرات السلبية لوجود مطرح تاجموت بالقرب من مساكنهم وفي اتجاه عبور خط التيار الهوائي فاقت كل التصورات، موضحين في تصريحات متفرقة ل"الصحراء المغربية"، أن الروائح الكريهة حولت حياتهم إلى جحيم وعلى مدار السنة خاصة عندما تهب الرياح من جهة الغرب حيث تنتشر الروائح الكريهة في كل أرجاء المنطقة، وتكون أخطر على الأشخاص المسنين والأطفال الصغار، موضحين أنهم يصابون بأمراض الجهاز التنفسي كالربو والحساسية وأمراض الجلد بفعل تلوث الهواء، ما اضطر العديد من الأشخاص الميسورين إلى مغادرة المنطقة، لأن العيش فيها أصبح أمرا صعبا ولا يطاق. وأضاف المتحدثون نفسهم أنهم وجهوا شكايات عدة إلى كل من رئيس المجلس الجماعي وعامل الإقليم ووزارة الداخلية في شأن التلوث، الذي ينجم عن المطرح العشوائي تاجموت. كما نظموا وقفات احتجاجية طيلة السنوات العشر الأخيرة لتهيئة المطرح أو نقله إلى منطقة أخرى بعيدا عن التجمعات السكنية، كما تنص على ذلك المعايير العالمية للبيئة في شقها المتعلق بمواقع إحداث وبناء مطارح للنفايات الصلبة، إلا أن مطالبهم لم تجد الصدى المطلوب، في ظل غياب بديل عن المنطقة، ما يجعل المشكل في تفاقم مستمر. ويطالب السكان الجهات الوصية بتخليصهم من قبضة الروائح الكريهة والمخاطر الكثيرة، التي تشكلها جحافل الكلاب الضالة المنتشرة بمنطقة تاجموت وبرجلين والدواوير المجاورة، بفعل وجود المطرح، الذي يشكل مجالا خصبا لتناسلها وعيشها، حيث تتغذى على النفايات وبقايا المأكولات واللحوم. وأوضح السكان المتضررون في السياق ذاته، أن عددا من السكان، الذين لا يتوفرون على السيارات أو عربات النقل، يغيرون وجهة طريقهم عبر مسالك أخرى خلال تنقلاتهم، سواء إلى مقر الجماعة أو إلى الأسواق الأسبوعية وإلى باقي المدن المجاورة لقضاء مآربهم. وقال العديد منهم إن السير بتلك المنطقة وكذلك على الطريق الثانوية الرابطة بين برجلين ومدينة الخميسات، بات ممنوعا على الراجلين بالنظر لخطر الكلاب الضالة والروائح الكريهة المنتشرة هناك، حيث سجلت عدة حالات في جماعة مجمع تتعلق بإصابة الأشخاص بعضات الكلاب. وفي ما يتعلق بحمايتهم من الكلاب الضالة، أفاد المتحدثون ذاتهم أن المجلس الجماعي ينظم بين فترة وأخرى حملات للقنص ضد الكلاب، لكن تلك الحملات تبقى بلا جدوى في ظل الانتشار الكبير للكلاب وهروبهم خلال عمليات المطاردة، بالإضافة إلى توافد أعداد كبيرة من مناطق أخرى. كما تحدث السكان عن تأثير المطرح على الطبيعة بالمنطقة، بسبب تسرب المياه الملوثة بكميات كثيرة إلى الفرشة المائية، القريبة من وادي بهت، الذي يزود الإقليم ككل بالمياه الصالحة للشرب، ما يؤثر سلبا على السلامة الصحية للمواشي، علما أن سكان المنطقة يتعاطى معظمهم للأنشطة الفلاحية وتربية المواشي. وأضاف المتحدثون نفسهم أن الأكياس البلاستيكية والأوراق ومختلف أنواع النفايات، التي تنقلها الرياح تغزو الأراضي الفلاحية المجاورة للمطرح، ما يؤثر سلبا على القطاع الزراعي، الذي يتضرر أيضا جراء تسرب الملوثات الناجمة عن عصارة النفايات إلى النباتات، الشيء الذي يضع حبوب المنطقة موضع شبهة في الأسواق الأسبوعية، وغالبا ما يتوجه السكان إلى المطاحن الموجودة في مدن أخرى لتسويق منتوجاتهم من الحبوب. أما بالنسبة إلى الفلاحين الصغار فيكتفون بتسويق منتجاتهم بالأسواق الأسبوعية رغم قلة الإقبال عليها.
تصميم وقياسات بناء مطرح النفايات أكد الخبير المغربي في الهندسة المدنية وتدبير النفايات، الدكتور عبد الرحيم الخويط، أن العديد من المسؤولين لا يأخذون بجدية مسألة تدبير النفايات الصلبة، إذ هناك من يعتقد أنه يكفي جمع النفايات ورميها في مكان بعيد وانتهى الأمر، وهناك من يعتقد أنه يكفي إقامة حفر واعتبارها مكبا للنفايات ثم يضع فوقها جزء يسير من التراب وانتهى الأمر. وهذا يبين، حسب رأيه، استخفافا بمشكلة النفايات الصلبة وكيفية تدبيرها. وقال إن التعاقد بين بلدية وشركة تدبير النفايات الصلبة فقط، من أجل جمع النفايات ورميها في مكان بعيد، لا يعتبر سلوكا مجديا في تدبيرها البتة، لأن تدبير النفايات يشمل جمع النفايات والتوفر على طريقة علمية للتخلص منها. و"بما أننا في القرن الواحد والعشرين حيث المهندس والفني والمسؤول مطالبون بتحويل شيء سلبي إلى شيء إيجابي، فإننا مطالبون أيضا بالحفاظ دائما على الثلاثي "البيئة والاقتصاد والمجتمع" سيرا بالتوازي، وهذه هي الركائز الثلاث للتنمية المستدامة. وأضاف الخويط في حديثه إلى "الصحراء المغربية" تكلمنا في السنة الماضية عن المعايير، التي يجب أن تتوفر في مكب النفايات، الذي يعتبر طريقة إيكولوجية للتخلص من النفايات، وفيه إمكانية الاستفادة من الغازات المنبعثة كمصدر للطاقة، واليوم سنوضح تصميم مكب النفايات، اعتمادا على طبقات من الأسفل إلى الأعلى. أولا، توفير طبقة من الطين لا يقل سمكها عن 60 سم تليها طبقة من العوازل أو ما يسمى ب"جيوممبران" لا يقل سمكها عن 1.5 ملم، ثم طبقة تسهل تصريف مياه عصارة النفايات على ألا يقل سمكها عن 30 سم، وأخيرا تأتي طبقة النفايات وممكن أن يصل علوها إلى 100 متر، وتغطى بطبقة من التربة، وغالبا ما تكون تربة الموقع نفسه والمستخرجة خلال الحفر ألا يقل سمكها عن 30 سم. ثم طبقة من الطين لا يقل سمكها عن 60 سم تغطى بعوازل "جيوممبران" ذات سمك لا يقل عن1.5 ملم، ثم طبقة لتصريف مياه الأمطار لا يقل سمكها عن 30 سم وأخيرا تربة خصبة تمكن النباتات من أن تنبت فيها لا يقل سمكها عن 15 سم مع مراعاة عامل الانحدار في هذه الطبقات، ويكون في حدود 2% وذلك لتسهيل تصريف العصار مع ضرورة المتابعة وإجراء القياسات لحماية المنظومات البيئية. وفي ما يخص علاقة النفايات بالاحتباس الحراري فهي واضحة طبعا، وتتمثل في كونها مصدرا لغازي الميثان وثنائي أوكسيد الكربون، وكلها غازات تساهم في الاحتباس الحراري بمعيار تقريبي في حدود طن من النفايات، ممكن أن يعطينا حتى 10 أمتار مكعبة من الغاز، وهذا الغاز يشكل فيه الميثان 55 في المائة و44 في المائة من ثنائي أوكسيد الكربون وباقي المواد كثنائي كبريتيد الهيدروجين وأشياء أخرى. أضف إلى ذلك أن مترا مكعبا من الغاز ممكن أن يعطينا حوالي 2 كيلواط من الطاقة الكهربائية وخاصة البيوغاز، الذي يحتوي على الميثان وثنائي أوكسيد الكربون والناتج عن تخمر النفايات.
رأي الفيدرالية الوطنية للفرز وتثمين النفايات
أكد بالحاج الشهيبي، رئيس الفيدرالية الوطنية لفرز وتثمين النفايات بالمغرب، في تصريح ل"الصحراء المغربية"، أن مطرح تاجموت غير مبرمج في لائحة كتابة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة المكلفة بالتنمية المستدامة ضمن البرنامج الوطني للنفايات المنزلية في شقه المتعلق بتأهيل المطارح غير المراقبة. وقد يكون آخر مطرح غير مراقب سيتم تأهيله بعد سنة 2021. وعزا بالحاج سبب هذا التأخير إلى إهمال المجلس الجماعي الخميسات لهذا الملف وعدم تجاوبه مع المراسلة، التي أحيلت عليه من كتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة سنة 2015 على أساس أن يكون مطرحا إقليميا تشترك فيه مجموعة من الجماعات المحلية في أفق إبرام اتفاقية الشراكة مع تعاونية الرشاد لفرز وتثمين النفايات، التي تقدمت بطلب في الموضوع إلى الوزارة الوصية، اعتبارا للمساحة الشاسعة التي تتوفر عليها جماعة الخميسات، التي تفوق 13 هكتارا، موضحا أن عدم تجاوب جماعة الخميسات مع تلك المراسلة، التي تشترط تكوين مجموعة من الجماعات لتشتغل على المشروع، مرده التنافر السياسي الحاصل بين المنتخبين. وأردف بلحاج أن مراسلة كتابة الدولة لدى وزير الطاقة والمعادن والتنمية المستدامة المكلفة بالتنمية المستدامة جاءت بناء على طلب تعاونية الرشاد لفرز وتثمين النفايات بالخميسات، الرامي إلى تأهيل مطرح تاجموت، وخلق وحدة لفرز وتثمين النفايات، بعدما أنجزت الجمعية دراسة المشروع بتكلفة تتجاوز أربعة ملايين سنتيم، تهم دراسة جدوى المشروع، والموافقة البيئية من أجل الاشتغال في إطار قانوني على أن تكون هذه الوحدة نموذجية على الصعيد الوطني، موضحا أن الدراسة حاليا، بالمركز الجهوي للاستثمار ترمي إلى خلق 56 فرصة شغل في البداية، وتثمين النفايات وتحويلها إلى مورد اقتصادي في أفق تطوير العمل وتوسيع دائرة الاشتغال.