عجبا لأمر الإنسان، أصله الجنة، بمعنى إن جذوره في الحديقة، فلما تفرعت أغصان شجرته، وارتفع عن باطن الأرض، ظن كظن إبليس بأنه خير من ثمار الأرض جميعا، لا تكريما، بل تعيينا، فهو يظن بأن مادة تكوينه غير عتاد تكوين غيره من ثمار الأرض جميعا، وإن كان الأمر كما أعلنه أبو فراس الهمداني في تعبير شعري بليغ: "وكل الذي فوق التراب تراب". إذا نظرنا إلى تعريف الثمار في القاموس اللغوي سنجدها لا تخرج عن كونها حَمْلُ الشجرة، بمعنى ما تلد الشجرة من أُكْل، وقد يقول قائل، فمالنا وما يُؤكل، فالبشر يَأكل ولا يُؤكل، ناسيا أنه إنما تكريم الله له بالعقل كان خير سلاح له، قاهرٍ لكل ما قد يعترض طريق استخلافه في الأرض، وإلا فهو خير ثمرة تأكلها السباع بكل أنواعها. يتناسى الإنسان جاهلا قصة فداء الإنسانية بإسماعيل، فتلك القصة القدسية الخالدة خير تنظير للتفضيل الإلهي للثمرة الإنسانية على ثمار الأرض جميعا لتحمل رسالة التكليف الإلهي، في بحث عن المقدس للرجوع بالإنسانية إلى ميثاقها الأزلي، الذي بفضل سلطان الروح تنفذ النفس الإنسانية في معراج ترقيها في سماواتها المعرفية السبع لتصل إلى سدرة منتهاها فتعرف خالقها، فتعرج بذلك من جنة الأرض كانت تشقى من أجل قوت يومها إلى جنة السماء يأتيها رزقها رغدا دون عناء. آفة الانسان النسيان، خلق من تراب فنسي، كان تراب الجنة وأخبر بأنه من مكوناتها فأُنسي الأمر، عاش وسط الذئاب والسباع فأكل من جنسه ثمار وثمار فلم يعتبر، أخبر في قصة يوسف عن خوف يعقوب من أن يأكله الذئب ففقد ذكر القضية، أُخبر بأن أفضال الأعمال الذكر فلم يحفظ النصيحة، ذكره الصالحون فنسي، فليس له الا أن يذكر نفسه كلما أنسي الأمر، يسحب نفسه إلى بساط الإيجابي من الأفكار كلما سُحِب إلى السلبي منها، فإنما هو دوما بين بساط الإيجابي والسلبي إلى أن تأتيه المنية، فلتجده فوق سجادة الإيجابي لتحمله فوق سماوات القرب حملا. وحتى من جعل اشتقاق كلمة الإنسان من البصر، بمعنى أن الإنسيين سموا بذلك لأنهم يُبصرون عكس الجن فإنهم لا يُرون، ومنه "آنس من جانب الطور نارا"، أي أبصر، فإن هذا الإنسان غلف بصيرته بران ذنوبه فلم يعد يبصر أصله الشجري، وإن كانت جينيالوجيا الإنسان من أقدم العلوم الإنسانية عبر التاريخ ومن أساليب حفظها تشجير أسماء أفراد العائلة والقبيلة، ورغم ذلك ينكر من ينكر أصل حدائقية الإنسانية. * كاتب من المغرب