رحل الخليل رحل. جاء القرار من سدرة المنتهى دون سابق استئذان. كيف أرثيك أيها البطل؟ تخونني اللغة وأجد نفسي محتجزا بين دموع دافئة تحاصرني. أستعير الكلمات من كل الأيتام والمعاقين في دروب الإحساس. و"ما تأتيكم إلا بغتة" كما قال رب العالمين.. انتقلت ونحن في لحظات عصيبة يمر منها الوطن الغالي، تحت وطأة غباء طالما أثار حفيظتك، إلى جوار الرفيق الأعلى يا من ستزفه الملائكة عريسا لكل الشهداء الذين قدموا أرواحهم فداء للقضية. كيف أرثيك وكل العبارات التي أملكها تنهار لدي، وحتى التي لا أملكها بل تملكني؟..عاجز أنا عن إنصافك مهما فعلت..يا رفيقا وأخا؛ بل يا أبا..أنت نبراس يضيء كل السبل..قدمت روحك عربون حب لهذا الشعب الأبي الذي يستحق الخير..شعب قدم كل شيء ولم يأخذ شيئا..ناضلت بنبضات قلبك وبالليالي التي غادرك النوم فيها وارتحل، فجاءك الأرق حاملا وابلا من الأحزان التي لا تفارقك حيث ما حللت..أنت ملاذ قلوب أضناها الغبن..عندما تحط عندك القلوب الرحال تحس بالأمان. وها أنت الآن غادرت بصمت معيب، وبتواضع كالذي كان يميزك وأنت في عرينك تزأر لتخيف كل الوحوش الكاسرة التي تتربص بالضحايا من أجل الزج بهم في متاهات العار.. إلى روحك الطاهرة أرفع القبعة..انحني إجلالا لنسائم روحك التي خرجت من جسد عانى الكثير الكثير من أجل الآخرين؛ فلترقد روحك بسلام أيها البطل. لا تنس أن تقرئ السلام كل الشهداء الذين قضوا نحبهم من أجل الشعلة..أنت الأب..البقيوي أراك عريسا للشهداء؛ والدعاء لك بالسلام في مثواك الأخير أقل ما يمكن، وتيقن أنك مت ولكنك لم ولن تموت..أنت حي بيننا، ولك متسع في قلوب كل الشرفاء..سأبكيك بصمت وجهرا..سأرثيك وحيدا وبين الناس..لن أنسى رجلا شكل للفؤاد ملاذا عندما اختفى الكثيرون، وبلا نجوى وبلا من. إليك آلاف التحايا وبكل السجايا يا من حفر اسمه على جبين التاريخ بمداد آهات كل المستضعفين الذين كنت لهم سندا وكنت العزاء..وها نحن سنشارك في مرافقة جثمانك الطاهر إلى مثواك الأخير..فيا أيتها الملائكة البررة الكرام أوصيكم خيرا بالذي ليس منه اثنان.. وإنا إلى سدرة المنتهى عند رب العالمين راجعون.