بعد صمت طويل، خرج عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، بخطاب أعاد إلى الأذهان ما قبل توليه لرئاسة الحكومة، وبالضبط لسنة 2011 مع حراك 20 فبراير، حيث وجه انتقادات بالجملة إلى الجميع؛ بداية من محيط الملك الذي لا يعتبر بالنسبة لبنكيران مقدسا باستثناء الملك، وكذا اتهامات بعض إخوانه بالفرح بعد إبعاده من رئاسة الحكومة. وخلال الخرجة الأخيرة التي حرص الموقع الرسمي لحزبه لبثها بعد أربعة أيام من إلقائها على أنظار مسيري المدن المنتمين إلى حزبه، حاول بنكيران أن ينبعث من جديد من تحت رماده؛ وذلك بالتأكيد أنه قرر في وقت سابق مغادرة الحياة السياسية، لكن المطالب التي جاءته بعد التخلي دفعته إلى مراجعة قراره في آخر لحظة. وبالرغم من مسؤوليته التدبيرية التي كانت لمدة الخمس سنوات الماضية، فإن رئيس الحكومة، الذي لم يستبعد العودة إلى الواجهة السياسية عن طريق الاستمرار في منصب الأمين العام "في حال ما وقعت أمور خارج ما هو موجود حاليا"، أصر على أن الفساد اليوم في المغرب اختلط بالإصلاح، ويبدو أن النظرة العامة هي كون الفساد عام في البلاد، على حد قوله. ومن الرسائل القوية التي حملها خطاب بنكيران، حسب المهدي الإدريسي الباحث في العلوم السياسية، أن الأمين العام لحزب "المصباح" ما زال يمسك بدواليب الحزب، وأنه لا يمكن تجاوزه؛ لأن الرهان على العثماني هو رهان فاشل، مبرزا "أن خصومه لم يستطيعوا ''قتل الأب'' بالمنطق الأوديبي". وقال الإدريسي، في تصريح لهسبريس، إن "الكلمة تبصم على بداية خروج بنكيران من حالة الدهشة بُعيد إعفائه وتؤشر على بداية استعادته لزمام المبادرة داخل الحزب الذي عرف حالة بلوكاج داخلي بعد الديبلوكاج الحكومي"، موضحا أن "هذا البلوكاج ظهر من خلال عدم إصدار البيانات، وعدم الاجتماع". وفي الوقت الذي أكد فيه بنكيران أن الحزب الذي يقوده مرّ بأكبر أزمة عرفها منذ التأسيس بل وقبل التأسيس مع الحركة، سجل الباحث في جامعة محمد الخامس أن "هذا رد على خصومه داخل الحزب الذين يقولون أن الحزب على ما يرام، أن أزمته عارضة"، مشيرا إلى أنه على صعيد اللغة المعتمدة بدا بنكيران أكثر هدوءا واستخدما للمعجم الدعوي الذي ينهل من النصوص الدينية ومن فلسفة الأخلاق. "تم التركيز على أن مناضلي الحزب يستمدون قوتهم من خلال النزاهة، ونقاء اليد، بالإضافة إلى الاستقامة"، يقول الإدريسي الذي شدد على "أن في هذا الأمر إشارة إلى تيار الوزراء، أي أن هدف الحزب ليس المساعدة في الترقي الاجتماعي بل خدمة المواطنين"، مبرزا أن "استمرار الحزب وقوته رهين بنضالاته ووفائه لمبادئه وأن ما وصل إليه الحزب لم يكن نتاج الاستعانة بالدولة". وفي الوقت الذي شدد فيه بنكيران على ضرورة أن يتجاوز ''الإخوان'' الصدمة لكي يستطيعوا مواجهة الفساد، يرى الإدريسي أن مصطلح الفساد قد حضر بقوة في الكلمة مع إسقاط مصطلحات التحكم والاستبداد"، موردا أن "مقصد القول أن بنكيران يرى في رسالته للحزب أنه 'لن يستقيل من الاضطلاع بدوره، نظرا لأن هناك ''طلبا على بنكيران'' داخل الحزب وداخل المجتمع. أما على صعيد الإشارات التي أرسلها بنكيران في اتجاه الدولة، فقد أكد المتحدث نفسه "أنه لا يزال متمسك بالنهج الإصلاحي ذاته، حيث التأكيد على المرجعية الإسلامية مع التشبث بالملكية ''مهما وقع'' منبها إلى أن أمين عام المصباح "ميز بين المؤسسة الملكية التي تحظى وحدها بالقداسة، بالرغم من أن الدستور ألغى هذا الأمر، وبين المستشارين الملكيين الذين يمكن الرد عليهم وانتقادهم في إشارة إلى فؤاد عالي الهمة".