قال المحلل السياسي، الإدريسي، إن العثماني يريد الظهور بمظهر الزاهد في المناصب. كيف تقرؤون تلويح العثماني بالاستقالة من رئاسة الحكومة؟ مسألة تلويح سعد الدين العثماني بالاستقالة لها ارتباط بمسار الاستخلاف داخل حزب العدالة والتنمية، وأفترض أن إثارة مسألة الاستقالة هي محاولة من طرف العثماني لتعزيز وتقوية مكانته وقوته التفاوضية داخل الحزب، ولا يمكن أن نفصل هذا التلويح بالاستقالة عن الخطاب الذي قدمه العثماني عموما، وهنا لا بد أن نميز بين منطقين سادا في هذا الخطاب هما: الاستناد إلى عبارات بنكيران من حيث التأكيد على استقلالية الحزب ووحدته، والحديث كذلك عن أن هناك جيوب مقاومة متعددة تشتغل كل من موقعها، ثم يأتي بعد ذلك الاستدراك بالتشديد على أنه سيسعى من جهته لتجاوز كل الصعاب، بأقصى درجة ممكنة من التوافق وبالشجاعة اللازمة. وهنا لا بد من إشارة قد تبدو عرضية، وهي أن العثماني، رغم تبنيه لمقولات بنكيران، إلا أنه لم يستخدم نفس المصطلحات من قبيل: التحكم، وفضل العودة إلى مصطلحات جيوب المقاومة التي نحتها اليوسفي، وأعتقد أن في هذا التجنب للإحالة على مصطلحات بنكيران، لم يكن بريئا. ولعل هذا المنطق يجعل من خطاب العثماني بمثابة إعلان ضمن للترشح للأمانة العامة للحزب. أما المنطق الثاني الذي عرفه الخطاب فهو منطق مناقض لموقف بنكيران، وهو أقرب لموقف «تيار الاستوزار»، إذ أكد على أن «حزب العدالة والتنمية لا يعيش أزمة»، وإنما «يعرف اختلافات في الرؤى والمواقف»، وأعتبر أن من يقول «بوجود أزمة داخل الحزب، إنمايسعى إلى خلقها فعلا». وأفترض أن هذا المنطق (المنطق الثاني) هو موجه لجهات خارج الحزب، مفاده أنه لا يتقاسم نفس تقييم المرحلة مع السيد بنكيران. وأن له منطقا «آخر» قائما على التوافق مع «خارج الحزب»، خاصة بعد ما حدث في حزب الاستقلال. هل تعتقدون أن العثماني استسلم لهشاشة الحكومة بعدما كان يثني على مكوناتها؟ أعتقد أنه ليس في الأمر استسلاما لهشاشة الحكومة بقدر ما هو مرتبط برهانات داخلية صرفة، إذ يحاول العثماني الظهور بمظهر الزاهد في المنصب، كما أن هذا التلويح في حقيقة الأمر يستبطن «نزوعا» دائما من قيادة الحزب للتلويح بالاستقالة، كما حدث سابقا مع مصطفى الرميد، ولا ننسى أيضا أن هناك فرقا بين «الاستقالة» و»التلويح بالاستقالة»، كذلك لا بد من الإشارة إلى أن هذا التلويح جاء للتدليل على أن الحزب أولا رضي بالحكومة وأن دخول الحكومة جاء باسم الحزب، حيث جاء في خطاب رئيس الحكومة: «نحن في الحكومة باسم الحزب، وإذا قرر الحزب أن نغادرها سنمتثل فورا». في الخلاصة يبدو أن هذا الخطاب هو إعلان رسمي من طرف السيد العثماني لترشيح نفسه، ولا علاقة له بالحكومة، حتى وإن استعار منطوقه من متن بنكيران بالإحالة على جيوب المقاومة. هل تتوقعون تفضيل العثماني دعم بنكيران على رأس الحزب عوض الترشح ضده؟ في مسألة إمكانية دعم سعد الدين العثماني لعبد الإله بنكيران، لا بد أن ننطلق من تشخيص الوضع الحالي لحزب العدالة والتنمية اليوم بعد حدث إعفاء بنكيران. وهنا لا بد أن نشير أن الحزب اليوم يعرف أزمة «هوية»، حيث إن هناك من يرى أن هوية الحزب في التوافق مع الدولة والاصطفاف إلى جانبها مهما كان، وأن الحزب في الأصل هو حركة إصلاحية، تؤمن بالتدرج ولما لا التنازل لفائدة «المصلحة العليا للوطن»، ولعل هذا الاتجاه يمثله العثماني ومن ورائه ما يسمى «تيار الاستوزار»، وهناك تيار آخر يؤمن بفكرة أن الاصطفاف مع الدولة يجب أن يكون على أرضية واضحة تحترم مخرجات انتخابات 7 أكتوبر ومقولة الإرادة الشعبية للمواطنين، وهذا التيار يمثله عبد الإله بنكيران. فتاريخ حزب العدالة والتنمية هو تاريخ مواءمات مع الدولة، سواء من حيث النشأة والتأسيس أو من حيث بعض الأزمات التي عرفها الحزب، لاسيما بعد أحداث 16 ماي التي كانت دائما تدبر بمنطق التوافق إن لم نقل الخضوع لإرادة الدولة. ولعل ما يجعلني أميل إلى القول بانتصار فرضية عدم دعم العثماني لبنكيران، وبعيدا عن أي منطق هيجلي مفرط، يجب أن ننتبه جيدا لما جرى مؤخرا في حزب الاستقلال.