فلان لسعته عقرب، فلانة لدغتها أفعى، أطفال صغار وكهول يموتون بسبب سم العقارب، هي عناوين عريضة لسيناريو مرعب تستحضره ساكنة القرى النائية بإقليمي تنغير وزاكورة كل فصل صيف، حيث تتحول حياة العديد من المواطنين إلى دوامة من الخوف والرعب، خصوصا في مثل هذه الفترة من كل السنة التي تنتشر فيها العقارب والأفاعي بشكل مخيف. ولا يمكن للصيف أن ينتهي دون تسجيل وفيات في صفوف الكهول أو الأطفال، بسبب هذه السموم الخطيرة. العوامل الطبيعية والمناخية شبه الصحراوية لهذه المناطق تسهم بشكل كبير في انتشار العقارب والأفاعي السامة، التي تخرج من جحورها إلى المنازل والطرق والأراضي الفلاحية، بمجرد هبوب رياح باردة أو تهاطل قطرات من الأمطار، حيث باتت هذه الزواحف السامة تثير قلق وخوف المواطنين في ظل غياب أمصال مضادة لهذه السموم بالمراكز الصحية القروية وكذا المستشفيات الإقليمية بتنغير وزاكورة. إذا كانت ساكنة المدن المغربية تنتظر قدوم فصل الصيف للسفر والاستمتاع بجو البحر، فإن ساكنة القرى النائية بمختلف مناطق المغرب، خصوصا مناطق إقليمي تنغير وزاكورة، تترقب قدوم فصل الصيف بحالة من الخوف والترقب، ليس لأنه يحمل معه معاناة درجات الحرارة المرتفعة؛ بل لأن الكثير من الحشرات السامة والأفاعي تنتشر بكثرة في مثل هذه الفترة من السنة. لدغات الأفاعي تشهد مختلف مناطق التابعة إداريا لإقليمي تنغير وزاكورة، في مثل هذه الفترة من كل سنة، ارتفاعا شديدا في درجات الحرارة، وما يصاحبها من انتشار الأوبئة والأمراض والحشرات والزواحف السامة؛ وهو الأمر الذي بات يقض مضجع الساكنة ويعرض حياتها وحياة أبنائهم الصغار للخطر، خصوصا أن المنطقة تشتهر بأنواع خطيرة من الأفاعي التي تقتل أو تتسبب في عاهات مستديمة. ومن بين أنواع الأفاعي السامة والخطيرة التي تشتهر بها هذه المناطق، تلك التي تعيش في جو ومناخ شديد الحرارة وشبه صحراوي، تسمى "أم القرون"، حيث يلقي كل من تعرض للدغاتها حتفه في الحين أو ساعات بعد لدغه؛ وهو ما يجعل سكان المناطق النائية يعتبرون فصل الصيف "فصل الموت والخوف وترقب مصير مجهول". كما أن هذه الأفاعي السامة تبحث بدورها عن أماكن باردة هربا من ارتفاع درجات الحرارة، فتخرج من جحورها قاصدة الحقول الفلاحية أو منازل المواطنين والمناطق القريبة من الوديان والبرك المائية. ويعد الرحل أو البدو الأكثر استهدفا من قبل هذه الأفاعي السامة، خصوصا الأشخاص الذين يرعون مواشيهم بالأودية والجبال، حيث تفاجئهم هذه الأفاعي السامة من حين إلى آخر بلدغاتها القاتلة، تفرض نقلهم على وجه السرعة إلى مستشفى مدينة ورزازات أو الرشيدية، نظرا إلى غياب أمصال مضادة لسموم هذه الأفاعي؛ وهو ما يعرض حياتهم للخطر، نتيجة بُعد المسافة الطويلة التي يقطعونها للوصول إلى المؤسسة الصحية، وكذا الوقت التي ينتظرونه لتصل إليهم سيارة الإسعاف إن وجدت الطريق، أو الاستعانة بالدابة لنقل المصاب إلى مكان وجود الإسعاف. العقارب تقتل عدد كبير من المواطنين، بإقليمي تنغير وزاكورة، يتعرضون كل فصل صيف للسعة عقرب، ونادرا ما تخلو الأسرة الواحدة من مصاب. وعندما تكون حالة بعضهم خطيرة، ويضطر أهله إلى نقله إلى المستشفيات يصطدمون في الغالب بغياب أمصال مضادة للسموم، خصوصا في تلك المراكز الصحية المنتشرة عبر مختلف مناطق الإقليميين المذكورين. البعض الآخر يعالج نفسه بطرق تقليدية، كامتصاص السم أو استعمال الغاز لاستخراجه، والبعض الآخر يلتجئ إلى أشخاص معروفين بعلاج سموم العقارب من خلال قراءتهم لبعض السور من القرآن. في غياب الطب مواطن من دوار تمارغين، لا يرغب في الكشف عن اسمه، يقدم خدماته العلاجية الى المصابين بهذه السموم الخطيرة، من خلال قراءة بعض السور من الذكر الحكيم، ووضع يده على مكان لسعة عقرب، أو وضع الهاتف على مكان اللسعة في حالة كان المصاب بعيدا ويتصل بالسيد المعني بالأمر، وما أن يبدأ قراءته حتى تبدأ السموم في الخروج ويحس المصاب براحة تامة. ويقول المعني بالأمر، في تصريح لجريدة هسبريس الالكترونية: "تعلمت بعض الآيات من الذكر الحكيم الخاصة بعلاج المصابين بسموم العقارب من فقيه جزاه الله خيرا"، مشيرا "لا أتقاضى درهما واحدا من أجل هذه الخدمة التي أسعى من خلالها إلى نيل الأجر والمغفرة"، موضحا "نحن نعالج من تعرض للسعة عقرب بالقرآن، في حالة عدم وضع على مكان اللسعة أي دواء"، مضيفا "لأن من لسعته عقرب ووضع الدواء على مكان اللسعة يصعب علاجه بسهولة عكس المصاب الذي يتصل بنا فور تعرضه للسعة". وأضاف المتحدث: "يجب الابتعاد من الأماكن التي توجد فيها الأتربة والأحجار بالكثرة لتفادي هذه الحشرات السامة". كما أوصى بضرورة مراقبة الأطفال الصغار أثناء اللعب أو النوم، لحمايتهم أيضا من هذه العقارب الذي قد تنهي حياة أي طفل صغير، خصوصا ذكر العقرب الذي يعتبر من بين الحشرات الأكثر خطورة. غياب أمصال غياب أمصال مضادة لسموم العقارب والأفاعي بالمراكز الصحية والمستوصفات بمختلف مناطق إقليمي زاكورة وتنغير من بين الأسباب التي تخلف سنويا وفيات في صفوف الأطفال الذين يتألمون بسبب ألم السم إلى أن يسلم روحه للخلق في أبواب المؤسسات الصحية أو في الطريق داخل سيارات إسعاف أو سيارات خاصة. ولعل قضية الطفل، البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذي توفي في إحدى ليالي شهر رمضان الماضي، أمام المستوصف الجماعي بالنيف، الواقع بنفوذ المندوبية الإقليمية لوزارة الصحة بتنغير، تعكس واقع الصحة بهذه المناطق التي باتت تعرف بالسجن الكبير باعتبارها مكانا لعقاب المسؤولين المغضوب عليهم من أولياء نعمتهم بمراكز القرار. وكانت العائلة قد قامت بنقل طفلها إلى "شبه مؤسسة صحية"، ووجدت بابها مغلقا وتوفي الطفل بسبب السم القاتل. وتقول إحدى السيدات المسماة عائشة كمروش من ساكنة مركز النيف إن "غياب أمصال سموم العقارب يقض مضجع المواطنين"، متسائلة "كيف لشخص تعرض للسعة عقرب أو لدغة أفعى أن يصل ورزازات أو الرشيدية البعيدتين بالمئات الكيلومترات أن ينجو من الموت". ودعت المتحدثة الجهات المسؤولة على قطاع الصحة إلى ضرورة توفير الأمصال بشكل دائم، خصوصا في مثل هذه الفترة من كل سنة "لحمايتنا من مخاطر الأفاعي والعقارب"، تردف المتحدثة. وأضافت عائشة كمروش من ساكنة مركز النيف في حديثها لهسبريس: "سمعنا بأن جميع المراكز الصحية ومستشفيات تنغير وزاكورة لا تتوفر على الأمصال"، مسترسلة "واش اعيباد الله الي ضربتو لفعة وبغا امشي لراشيدية ولا ورزازات واش مغاديش اموت فالطريق"، مستدركة "يجب على وزارة الصحة على الأقل أن توفر هذه الأمصال بالمستشفيات الإقليمية، لتسهيل عملية العلاج وتقليص عدد الوفيات الخطيرة". وقالت المتحدثة في الأخير: "ذنوب ولادنا على رقبتكم أيها المسؤولين حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا". الصحة لها رأي ولمعرفة رأي المديرية الجهوية لوزارة الصحة بدرعة تافيلالت حول غياب أمصال العقارب والأفاعي بتنغير وزاكورة، اتصلنا بالمكلفة بقسم الإعلام والتواصل بالمديرية المذكورة، فوجدنها في عطلة، دون أن نتمكن من معرفة رأي المسؤولين حول غياب الأمصال. من جهته، أكد مصدر طبي، غير راغب في الكشف عن هويته، أن إقليمي تنغير وزاكورة لا يتوفران عن أمصال مضادة للسموم، عكس ما يتم الترويج له من قبل المسؤولين عن وزارة الصحة، مشيرا إلى أن المواطنين بهذين الإقليمين مهددون بفقدان حياتهم في حالة عدم تدخل الوزارة لتزويد المستشفيات والمراكز الصحية بهذه الأمصال في قريب الأيام. وعاد المتحدث ليوضح، في تصريح لجريدة هسبريس، أن أغلب الحالات المصابة بلدغات الأفاعي لا تتطلب الأمصال، "فقط المراقبة الطبية لمدة 24 ساعة خصوصا نوع grade1و2"، مشيرا إلى أن مستشفى سيدي حساين بورزازات والمستشفى الجهوي مولاي علي الشريف هما اللذان يتوفران على الأمصال لنوع grade 3و4، نظرا لتوفرهما على مصلحة الإنعاش والتخدير".