الأوضاع في شمال المغرب تزداد توترا، كما تعرف مناطق أخرى في الوسط والجنوب انتفاضات محلية ضد الحكرة والتهميش. وفي المقابل، نلاحظ تزايد غطرسة القوى الأمنية أمام خنوع الطبقة السياسية التي تبدو محطمة وبدون شخصية. أما المبادرات التي صدرت عن المجتمع المدني الحقوقي، فتم التعامل معها باستخفاف من طرف المسؤولين. وفي الوقت الذي يتوجه فيه الكثيرون نحو الملك لمطالبته بالتدخل وحل المشكل بقرار سياسي، لم تصدر عن الجهات العليا أية إشارة بهذا الصدد، ولعلنا نعيش نوعا جديدا من البلوكاج شبيها بالذي عاشه المغرب بعد الانتخابات، مع وجود فارق رئيسي لا يخلو من خطورة وهو أن البلوكاج الحالي يعرف مواجهة في الشارع بين قوى الأمن والسكان يؤدي يوميا إلى مزيد من الاعتقالات. في ظل هذا الوضع المتأزم تأتي أخبار من ليبيا تقول بوفاة شاب مغربي في مقتبل العمر ترك رسالة يعبر فيها عن يأسه من إصلاح الأحوال في بلده ويفضل الموت في قوارب الهجرة على العيش بدون كرامة، كما تأتينا أخبار من الجنوب الشرقي الذي ينحدر منه هذا الشاب لتقول إن امرأة قد وضعت وليدها أمام مستشفى بعد أن يئست من أية رعاية. وهكذا تتزايد مشاهد تعكس جميعها شيئا واحدا هو غياب الدولة ويأس الناس منها وقرارهم أن يتدبروا شؤونهم بأنفسهم، وهذه من العلامات الخطيرة للانفجار الشعبي الذي يأتي على الأخضر واليابس. إذا كانت السلطات تنتظر أن يخضع الناس من جديد ويدخلوا في حظيرة الطاعة دون أن ينالوا حقوقهم، فإنها مخطئة؛ لأن كل التحركات الاحتجاجية الحالية لا تبدو متجهة نحو الخمود والتراجع بقدر ما هي مرشحة للتزايد. ولهذا لا يبقى من حل لهذه الوضعية إلا أن تتوفر الإرادة السياسية اللازمة لدى الحكام والمسؤولين للتحرك من أجل إصلاح الوضع وإعطاء كل ذي حق حقه، ولا أحد أصبح يصدق من يقول إن أصحاب القرار لا يعرفون ما يجري؛ لأنه في ظل وسائل الاتصال اليوم لم يعد يمكن التغطية على الوقائع والأحداث. إننا اليوم نعيش عودة إلى أساليب الاختفاء القسري واختطاف المناضلين وتلفيق تهم واهية ومتناقضة من أجل التخلص منهم بسبب نقضهم للسلطة، سواء السلطات الأمنية أو السلطات العليا، وهذا الأسلوب مع ما فيه من تعسف وقفز على القانون واضطهاد للمواطنين لا يتماشى مع ما سبق أن التزمت به الدولة المغربية، سواء دستوريا أو خارج البلاد، وهو ما يعني استمرار دمقراطية الواجهة وعمل الدولة بوجهين، وجه للاستهلاك الخارجي، ووجه للتحكم الداخلي الذي تؤكده المحاكمات الصورية ضد معتقلي الرأي العام وحراك الريف الذين وجهت إليهم اتهامات تقيله، مثل زعزعة أمن واستقرار الدولة والمس بالمقدسات. إننا في وقت أصبحنا فيه ملزمين بترك النزاعات الشخصية والاحتكام إلى العقلانية والروح المناضلة والاعتراف ببعضنا البعض، مضطرين إلى التوحد رغم اختلاف توجهاتنا لتشكيل قوة للدفاع عن حقوقنا المشروعة، فإما أن نكون أو لا نكون.