إن الحديث عن مفهوم الفضاء العمومي يحيلنا بطريقة مباشرة على المفكر الألماني يورغن هابرماس، أحد أبرز منظري الجيل الجديد لمدرسة فرانكفورت النقدية، الذي اعتبره مجالا للنقاش والحوار العقلاني الذي لا يستقيم إلا بالاحتكام لسلطة العقل بدل اعتماد العنف، وهذه العقلانية التي نادى بها هابرماس يجب أن تكون بمنأى عن أية تأثيرات سياسية وإيديولوجية كيفما كان مصدرها والجهة التي تتبناها، كما لا يمكن تصورها إلا في إطار المجتمعات الديمقراطية، وبخلاف ذلك فالأنظمة التي تنتفي فيها هذه الشروط غالبا ما تكون مرشحة للسقوط في صراعات، بل حتى في نزاعات دموية أحيانا لأنها تفتقر للبيئة الملائمة للتعايش السلمي وآليات الحوار العقلاني. وبالعودة لموضوع الدراسة الذي هو الفضاء العمومي بالمغرب، فإن أول ما يمكن ملاحظته بخصوصه هو المتغيرات التي يشهدها في الآونة الأخيرة، وإن كانت في حقيقتها متغيرات قديمة جديدة على أساس أن الفضاء العمومي بالمغرب كان دائما وما زال مسرحا للتجاذبات السياسية أو هو بحسب تعبير جون واتربوري مجتمع انقسام النخبة الوطنية، هذا فضلا عن كونه يبقى فضاء يقلد ما يحدث في عدة بلدان سواء محليا أو دوليا، هذا من جهة، ويبقى تابع وغير مستقل عن النسق السياسي، من جهة أخرى، وبالتالي فهو فضاء دائم التأثر إيجابا وسلبا بكل ما يجري في بيئته الداخلية وكذا محيطه الخارجي. لقد أصبح الفضاء العمومي بالمغرب يستوعب فاعلين جددا كانوا حتى عهد قريب مقصيين من النقاشات العمومية التي كانت تهيمن عليها مؤسسات الوساطة التقليدية ممثلة في الأحزاب السياسية والمجالس المنتخبة والنقابات المهنية والصحافة، بل إنه كان من الصعب جدا تصور نقاشات عمومية خارج هذه الإطارات والتنظيمات الكلاسيكية، الأمر الذي ساهم في بروز جيل جديد من الفاعلين غير المؤسساتيين الذين يرفعون مجموعة من المطالب التي تتخذ تارة طابعا سياسيا وتارة أخرى تأخذ طابعا اقتصاديا اجتماعيا. إذن فما هي العوامل التي ساهمت في بروز هذا النوع الجديد من الفاعلين؟، وهل هي أزمة تمثيل سياسي أم أزمة إصلاحات اقتصادية؟. أم هما معا؟. أولا: تراجع دور الوساطة التقليدية بفعل الانتشار الواسع لوسائل الاتصال الحديثة تراجع الدور الذي كانت تضطلع به حتى عهد قريب قنوات الوساطة في مجال تأطير النقاشات العمومية وتوجيهها، مقابل دخول الأفراد في نقاشات عمومية عبر العالم الافتراضي للتعبير عن مواقفهم من كيفية تدبير الشأن العام، وهذا المعطى يعتبر محصلة طبيعية لفقدان فئة عريضة من المواطنين للثقة في الأحزاب السياسية والنخب المحلية التي أضحت عاجزة عن الدفاع عن مطالبهم وعن إقناعهم بالمشاركة السياسية والإقبال على صناديق الاقتراع وذلك ليس من أجل التصويت عليها فقط بل حتى من أجل ممارسة هذا الحق الذي يخوله لهم الدستور والمواثيق الدولية. وتأثير وسائل الاتصال الحديثة على الأفراد والجماعات، سبق وتحدث عنه الأمريكيان ألفين وهيدي توفلر في كتابهما المعنون ب:"إنشاء حضارة جديدة سياسة الموجة الثالثة"، حيث ذهبا للقول بأن المعرفة، (ويقصدا بها تكنولوجيا المعلوميات)، تمثل على المدى الطويل بالنسبة للسلطة تهديدا أخطر بكثير من تهديد النقابات العمالية والأحزاب السياسية المعادية للرأسمالية، وبالفعل فقد ظهرت مجموعة من المواقع الافتراضية التي تتيح للأفراد التعبير عن آرائهم ومواقفهم من كل القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والتي كان من المستبعد جدا التعبير عنها دون المرور من قنوات الوساطة التقليدية. وتأسيسا عليه، أصبح من الجائز الحديث عن فضاء عمومي افتراضي، وهذا ما ذهب إليه عالم الاجتماع الليبي علي محمد بن رحومة من خلال كتابه "علم الاجتماع الآلي"، الذي تحدث فيه عن مفهوم الحركة البشرية المرقمنة، أي أولئك الأشخاص الذين توجهوا صوب الفضاء العمومي الافتراضي الذي يتيح لهم إمكانية التنظيم والتجمع في شكل تنسيقيات واتحادات افتراضية وهو ما تمخض عنه بزوغ نقاشات عمومية رقمية تكمن خطورتها في كونها متنوعة إيديولوجيا وترفض كل تأطير حزبي- نقابي- جمعوي، لأنها تنظر لهذه التنظيمات التقليدية بأنها مجرد تكتلات برغماتية تسيطر عليها نخب معينة. وعلى الرغم من أهمية الوساطة السياسية التي تضطلع بها مبدئيا الأحزاب السياسية إلا أنها طرحت من ناحية الممارسة ما يسمى بأزمة الديمقراطية التمثيلية التي أصبح ينظر لها بأنها ليست تعبيرا حقيقيا عن الإرادة العامة حتى وإن تم فرزها بناء على انتخابات حرة ونزيهة والتي تبقى وفق المقاربة الماركسية وسيلة سياسية تمكن الطبقة البرجوازية من الاستمرار في الحكم، أو هي كما يسميها مؤسسو نظرية النخبة، أمثال رايت ميلز وغايتانو موسكا وفلفريدو باريتو، بدورة النخب التي تمارس السلطة وتؤثر في عملية صناعة القرار السياسي بفضل ما تتمتع به من مؤهلات اقتصادية، في مقابل أغلبية تابعة ومقصية من المشاركة في تدبير الشأن العام والتي تكون فقط مدعوة للإدلاء بصوتها بمناسبة كل استحقاق انتخابي وبمجرد أدائها لهذه المهمة الظرفية تختفي لمدة من الزمن وتظهر الحاجة إليها من جديد بمناسبة كل لحظة انتخابية. وإذا كان العديد من المفكرين يذهبون للقول بأن النموذج التمثيلي الذي ظهر بالغرب ليس هو أفضل نموذج للحكم، فإن أزمة الديمقراطية التمثيلية في المغرب تبقى بنيوية أساسا لأنها لم ترق أصلا للنموذج الغربي، بحيث أن بعض الأحزاب في التجربة المغربية كانت وليدة لظروف وسياقات سياسية دقيقة اقتضت وقتها تأسيس بعض الأحزاب، وبالتالي لم تأت فكرة التنظيم الحزبي كجواب عن حاجة المواطنين لقنوات الوساطة بينهم وبين أجهزة الحكم، وهذا الأمر عبر عنه الانثروبولوجي عبد الله حمودي من خلال قوله بأن العلاقة المباشرة بين الشعب والملك المتعالي عن كل توسط للتنظيمات السياسية والنقابية المنبثقة من المجتمع شكلت رهانا وهدفا من أجل إضعاف شرعية الوساطة التي تقوم بها نظريا تنظيمات المجتمع المدني، بحيث كان الملك يرى بأنه ليس في حاجة لوساطة بينه وبين شعبه. وإذا كانت التجارب المقارنة تؤكد بأن المعيار الوحيد والأوحد لقياس تمثيلية الأحزاب في الحياة السياسية يكمن أساسا في العملية الانتخابية التي تبين من خلال صناديق الاقتراع مدى تجاوب المواطنين معها، فإنه بالرجوع إلى الفضاء العمومي المغربي نجد بأن الأمر يختلف بكثير إذ هناك عدد كبير من الأحزاب السياسية التي تستحق أن توصف بأحزاب الظرفية أو اللحظة الانتخابية، وذلك بحكم اعتبارين اثنين، الأول، يتجسد في ميلادها بمناسبة الاستحقاقات الانتخابية والأمثلة في هذا المجال كثيرة دون الدخول فيها، والثاني، يتمثل في كون الانتخابات تعد اللحظة الوحيدة التي يتعرف من خلالها الرأي العام في المناطق النائية على بعض الأحزاب وقياداتها وبانتهاء الانتخابات تختفي هذه القيادات من الظهور. إن ما يلاحظ بخصوص الممارسة الانتخابية بالمغرب هي كونها اتسمت بأزمة هيكلية تجلت أساسا في التشكيك في نزاهة المسار الانتخابي، بحيث ظل هذا المعطى ملازما لكل الاستحقاقات التشريعية التي عرفها المغرب بدءا من سنة 1963، إلى درجة يمكن القول معها بأن تاريخ الاستحقاقات الانتخابية بالمغرب هو تاريخ الجدل حول مدى نزاهتها، وهذا الأمر بدوره شكل بجانب معيقات أخرى عاملا من عوامل فقدان المواطنين للثقة في التنظيمات السياسية، إذ كيف لهذه الأخيرة وهي تشكك في نزاهة الفضاء العمومي الذي تمارس فيه نشاطها السياسي أن تقنع المواطنين بأن يضعوا ثقتهم فيها وبأنها تدافع فعلا عن مطالبهم وانشغالاتهم اليومية، خاصة وأن هذا التشكيك يعطي للمواطن الانطباع بأن هذه التنظيمات غير مرغوب فيها أصلا في النسق السياسي وبأن فعلها السياسي يظل جد محدود. وإذا كان الهدف الذي من أجله تتنافس الأحزاب هو الوصول إلى السلطة من أجل تطبيق برامجها، فإن ذلك لا يتماهى مع طبيعة الأحزاب في التجربة المغربية إذ باستقرائنا لتاريخ الحكومات التي أفرزتها صناديق الاقتراع، نجد بأنها لم تكن لتساعد على تحقيق هذه الغاية وذلك راجع لمحدودية دورها أصلا في عملية صناعة القرار العمومي خاصة وأنه ليست هناك أية علاقة تلازمية ما بين النتائج المعبر عنها وتشكيل الحكومة. صحيح أن تشكيل الحكومة السابقة والحالية التي يترأسها السيد سعد الدين العثماني قد تم بناء على ما يعرف باحترام المنهجية الديمقراطية من خلال تعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي حصل على المرتبة الأولى في الانتخابات، غير أنها ضمت في تشكيلتها بعض الأحزاب التي سبق لحزب العدالة والتنمية في شخص أمينه العام عبد الإله بنكيران أن رفض تواجدها ضمن الأغلبية الحكومية. وبالإضافة إلى أزمة التمثيل السياسي الذي تعاني منه أجهزة الوساطة، تطرح أيضا إشكالية التواصل داخل هذه التنظيمات وفيما بينها ثم تجاه المواطنين، فالظاهرة الحزبية تعاني من انسداد بنياتها التنظيمية وعدم انفتاحها على الفضاء العمومي وطبيعة التحولات التي يشهدها، وبالرغم من توفر المنظومة الحزبية على قنوات للتواصل السياسي إلا أنه يلاحظ بأنها سخرتها للهجوم على بعضها البعض وهو ما يلاحظ من خلال المفاهيم السياسية التي تؤثث الفضاء العمومي بين مكونات الأغلبية والمعارضة والتي من سماتها تبادل الاتهامات بين الفاعلين الحزبيين، وهي الظاهرة التي أثرت تأثيرا سلبيا على القواعد الناظمة للفعل التواصلي بالفضاء العمومي والذي من المفترض أن يتأسس وفق منظور هابرماس وكارل دوتش وغابرييل ألموند على مفاهيم عقلانية وحداثية وقدر من التوافق والتفاهم. ثانيا: على مستوى الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية عرف الفضاء العمومي بالمغرب منذ الاستقلال مجموعة من الإصلاحات همت في غالبها الجوانب السياسية وظلت الغاية منها هي البحث عن التراضي مع مكونات النخبة السياسية أما الإصلاحات ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية فلم تحظ بالقدر الكافي الذي حظيت به مسألة الإصلاحات السياسية والتي غالبا ما تستفيد منها النخبة السياسية، ففي مجال السكن مثلا، يلاحظ بأن هناك مجموعة من الفئات تجد صعوبة في الحصول على سكن لائق، هذا علما بأن مشاريع السكن الاجتماعي، وتجربة مدن بدون صفيح لم تؤت النتائج المتوخاة منها رغم الاعتمادات المالية الكبيرة المرصودة لها، فواقع الحال، يظهر بجلاء تنامي سكان أحياء الصفيح الذي مس بجمالية المدن وهندستها المعمارية. أما في المجال الصحي فيلاحظ استمرار حالات الوفيات وذلك بسبب الخصاص المسجل في الأطر الصحية وشبه الصحية، حيث أن هناك العديد من الحالات كان بالإمكان تفاديها في حالة تواجد طاقم طبي كاف ومتخصص، هذا علما بأن الولوج إلى الحق في الصحة يتفاوت بحسب المناطق الجغرافية إذ تعرف بعض المناطق عدة إكراهات متعلقة بصعوبة المسالك المؤدية إلى مراكز الاستشفاء، وفي ميدان التشغيل يلاحظ أيضا بأن هناك نقص مسجل فيما يخص توفير مناصب الشغل الشيء الذي ساهم في تنامي ظاهرة البطالة وتدني المستوى الاقتصادي والاجتماعي في أوساط النخب المثقفة الحاصلة على الشواهد العليا التي من المفترض أن تساهم بما تملكه من طاقات ومعارف علمية وخبرات تقنية في تنمية البلد، وقد أكدت التجارب الدولية بأن سر نجاح وتقدم اقتصادياتها كان بفضل الاعتناء بنخبتها وشبابها المثقف. وهنا تبدو الحاجة ضرورية للقيام ببعض الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الموازية التي من شأنها تمكين المواطنين من التمتع بحقوقهم، بحيث هناك العديد من المواطنين والمواطنات غير قادرين على الحصول على الحد الأدنى من مستويات، التعليم والصحة والشغل والسكن اللائق وهي حقوق نص عليها العهد الدولي المتعلق بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لسنة 1966، وهذا ليس نتيجة لانعدام الموارد وإنما يرجع بالأساس لانعدام سياسات عمومية ناجعة وهادفة تأخذ بعين الاعتبار الحاجيات الأساسية للمواطنين في المجالين الاقتصادي والاجتماعي. على سبيل الختم تأسيسا على ما سبق، وبالنظر لأزمة الديمقراطية التمثيلية والنتائج المترتبة عليها، فإنه أصبح من الضروري تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية باعتبارها بديلا، خاصة وأن الوثيقة الدستورية لسنة 2011 مكنت من خلال فصولها 12 و 13 و 14 و 15 المواطنين من المشاركة في صناعة القرار العمومي عبر مجموعة من الآليات القانونية، نذكر منها المشاركة في إعداد السياسات العمومية وتقديم ملتمسات في مجال التشريع وتقديم العرائض لدى السلطات العمومية، بل نجد الفصل 156 ينص على أن تتلقى المرافق العمومية اقتراحات وتظلمات مرتفقيها وتؤمن تتبعها، كما حددا القانونين التنظيميين رقم 44.14 مسطرة تقديم العرائض إلى السلطات العمومية، ورقم 64.14 شروط ممارسة الحق في تقديم الملتمسات في مجال التشريع. وعليه، فإنه من شأن تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية والقوانين المرتبطة بها وكذا تقوية دور قنوات الوساطة وتفعيل آليات التواصل الإداري أن تضع حدا لمجموعة من الخصائص التي أضحت السمة الغالبة على الفضاء العمومي المغربي، وخاصة في الجانب المتعلق بالعمل الإداري الذي تشوبه بعض الشوائب كالبيروقراطية الإدارية وتفشي ظاهرة الرشوة، وغيرها من السلبيات التي جعلت المواطنين غير راضين عن العمل الإداري ولا حتى على الإدارة التي تنظر لهم كزبناء خاضعين لمخرجاتها، بل أصبحوا يرغبون في أن يكونوا شركاء لها في عملية صناعة القرار العمومي وفق مقاربة تشاركية، وأن تكون الخدمات التي تقدمها لهم في مستوى تطلعاتهم لأن الإدارة أساسا موضوعة لخدمة وتلبية حاجيات المرتفقين، كما أن شرعيتها تتوقف على كيفيات ومناهج تدبيرها للمشاكل المطروحة على المستوى المحلي وحتى الوطني. وهكذا، فإن تدبير القضايا والمشاكل التي يشهدها الفضاء العمومي لا بد وأن يتم وفق فلسفة التدبير العمومي الجديد الذي يرتكز على مبدأ الثانوية أو التفريع (Le principe de subsidiarité) الذي يعني التكامل ما بين دور الدولة والإدارة المحلية، ويكفي الاستناد هنا على القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وخاصة القانون رقم 113.14 المتعلق بالجماعات الذي منح صلاحيات جديدة وواسعة للجماعات في مجال التنمية المحلية ومكنها من إنجاز مشاريع للتنمية ومرافق وتجهيزات في إطار اختصاصاتها الذاتية والمشتركة بينها وبين الدولة وكذا المنقولة إليها، وكذا إحداثها لآليات للحوار والتشاور وتمكين المواطنات والمواطنين والجمعيات من حق تقديم العرائض وإدراجها في جدول أعمال المجلس الجماعي. إن شرعية الإنجاز تقتضي من النخب المحلية التي تسهر على تدبير الشأن العام المحلي أن تحقق نتائج ايجابية في كل المجالات ذات الأولوية والتي يأتي على رأسها التشغيل والرعاية الصحية، وكلما نجحت هذه النخب في تطوير الخدمات العمومية وتلبية حاجيات المرتفقين كلما زادت ثقة الأفراد في التنظيمات السياسية التي ينتسب إليها من يدبر شؤونهم المحلية، وهكذا فحينما تتوافر مؤشرات شرعية الانجاز يتغاضى الأفراد عن النقص الحاصل في المصادر الأخرى للشرعية خاصة في ظل أزمة الديمقراطية التمثيلية. وعليه، يبقى من الضروري أن تضطلع المؤسسات المنتحبة على المستوى المحلي بصلاحياتها في مجال التنمية المحلية والتي يجب عليها أن تجعل من تلبية حاجيات الساكنة وتخفيف العبء عن المركز أحد أولوياتها الأساسية، لأنه من غير المعقول في إطار التنظيم الإداري الذي يجعل من أحدى مرتكزاتها الأساسية الجهوية الموسعة واللامركزية الإدارية التي يعمل بها المغرب أن تبقى الإدارة المركزية هي من تضع السياسات العمومية وتتبع تنفيذها محليا، وبالتالي فما الفائدة من تواجد المجالس المنتخبة إذا لم تقم بوضع برامج التنمية المحلية وتضطلع بمهامها التي وجدت من أجلها. وفي الختام، لا بد من التأكيد على تفعيل قنوات التواصل والحوار الإداري خاصة وأن الأفراد يملكون تمثلات سلبية عن النشاط الإداري، وموازاة مع ذلك القيام بإصلاحات اجتماعية واقتصادية موازية قصد تخفيف العبء على الأسر المعوزة وتلك التي في وضعية هشاشة اقتصادية واجتماعية، لأن هناك العديد من المواطنين ما زالوا يعيشون في عزلة تامة عن المراكز الحضرية وحتى اللذين يعيشون في الحواضر وضواحيها يعانون من تبعات الفقر والهشاشة ومخلفاتهما على الرغم من إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي تهدف إلى محاربة الفقر والهشاشة بالوسطين الحضري والقروي، وهكذا من الممكن أن يتم وضع حد لمجموعة من المتغيرات التي لحقت الفضاء العمومي وتبعاتها السياسية عليه. *باحث في العلوم السياسية بكلية الحقوق الرباط