يعتبر الكثير من الباحثين أن هناك غموضا يلف تاريخ منطقة الريف؛ حيث تم التأكيد مرارا على الحاجة الماسة إلى البحث والدراسة لاستجلاء ذلك الغموض وتوضيح جوانب عديدة من هذا التاريخ. ومن خلال مؤلف "إمارة نكور في ساحل الريف"، يحاول مؤلفه، عبد الله بوصوف، التطرق لتاريخ "إمارة النكور" التي قامت منذ نهاية القرن الأول الهجري وطال أمدها حتى القرن الخامس. واعتبر بوصوف، الذي أنهى المؤلف سنة 1986 دون أن يقوم بنشره للعموم، أن منطقة الريف التي قامت بها هاته الإمارة عبر مراحل كانت تسترعي انتباه القوى السياسية التي ظهرت بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط نظرا لما تتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية، وما يمثله موقعها من أهمية استراتيجية، مشددا على أن قيام دولة النكور بساحل بلاد الريف شكل حدثا نتجت عنه تحولات اجتماعية وسياسية. هسبريس وباتفاق مع الكاتب، عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، تقوم بنشر الكتاب منجما على حلقات بشكل يومي طيلة شهر رمضان: لقد امتد نفوذ دولة نكور في عهد ازدهارها، فوصل جهة الشرق إلى زواغة جراوة الحسن بن أبي العيش، ومسافة ذلك نحو خمسة أيام. ووصل في جهة الغرب إلى بلاد بني مروان وبني حميد. أما نفوذها في الجنوب فهو غير معروف، ولكنها شملت ناحية زا وتاوررت. وهكذا أصبحت دولة نكور مهيمنة على مجموعة من القبائل البربرية، إضافة إلى العناصر العربية وبعض العجم وأهل الذمة الذين كانوا يعيشون داخل هذه الرقعة، والتي عملت جنبا إلى جنب من أجل تطور الإمارة. لقد كانت غالبية السكان تنتمي إلى العنصر البربري باعتبار أن الدولة قامت في منطقة سكانُها بربر، وقد ساهم هؤلاء البربر بنصيب كبير في نهوض الدولة بعد النكسات التي تعرضت لها، وخير مثال على ذلك مساعدتهم لصالح الثالث من أجل القضاء على دلول حاكم الشيعة على نكور، كما أنهم كانوا يقومون في وجه الحكام في بعض الأحيان؛ فقد قامت البرانس على سعيد الأول، وقام بنو ورياغل وكزناية على صالح الثاني. وقد ساهم هذا العنصر في مختلف النشاطات، وهكذا نرى سعيد الثاني ينقل مجموعة من البربر من الموضع الذي كان صالح بن منصور قد أنزلهم فيه وهو يحاذي مدينة نكور حيث كانوا يقيمون سوقا للمدينة التي أسسها، وهذا يعني نقل السوق أيضا، وهو خير دليل على دورهم التجاري. كما أنهم كانوا يشاركون في الحكم إلى جانب العناصر العربية التي كانت على رأس الدولة، ويتجلى ذلك في استشارة صالح الثاني لقاسم الوسناني، صاحب صاع والكدية، في أمر أخيه ادريس الذي قام ضده. كما أن مؤازرة بني ورياغل وكزناية لإدريس ضد أخيه ومؤازرة بني يطتن سعادة الله ابن هارون له دلالة على مساهمة البربر في الحياة السياسية داخل دولة نكور حتى إن رحالة مثل اليعقوبي يجعل نسبة أمراء نكور في البربر فيذكر: "ثم بعد مملكة بني محمد بن سليمان مملكة رجل يقال له صالح بن سعيد يدعي أنه من حمير وأهل البلد يزعمون أنه من أهل البلد نفزاوي". إلى جانب عنصر البربر، كانت هناك عناصر أخرى؛ منها العرب الذين كانوا على رأس الدولة ممثلين في أسرة صالح بن منصور الحميري. إضافة إلى هذه الأسرة العربية، فإن موسى بن نصير قد ترك جالية عربية مهمة إبان حملته على إقليمطنجة، ولا يستعبد أن يكون بعض عناصرها قد استقروا داخل حدود نكور، كما أنه لا يستبعد أيضا أن تكون عناصر أخرى قد وفدت إلى المنطقة بعد تأسيس الإمارة. إضافة إلى هذين العنصرين هناك أيضا الصقالية، وهذا الاسم كان يطلق على الأرقاء الذين يجلبون من أوروبا، وقد كانت الشعوب السلافية معرضة لسبي الجيوش الجرمانية الذين يبيعونهم لعرب اسبانيا. ولذا، أطلق عليهم العرب اسم الصقالية. وتوسع هذا الاسم حتى أطلق على الأرقاء المجلوبين من جميع الشعوب الأوروبية، وكان أغلب الصقالية قد جاؤوا أطفالا إلى المغرب والأندلس. ولذلك، فقد نشؤوا نشأة إسلامية وتعلموا اللغة العربية واحتلوا مكانة مهمة داخل المجتمع الأندلسي والمغربي، وكان هذا العنصر موجودا بأعداد مهمة داخل نكور. وقد كانوا يقومون بالخدمة العسكرية، كما يستبعد أنهم كانوا يشتغلون في جور صناعة السفن والمراكب نظرا لتضلعهم في هذه الصناعة. ونجد إلى جانب الصقالية عنصر اليهود، وقد كان عددهم مهما إلى درجة تسمية أحد أبواب المدينة باسمهم. ويعتقد أنهم كانوا يهيمنون على الميدان المالي والتجاري، ونجاحهم في هذا المجال يرجع إلى عملهم في الصياغة والصيرفة. وتفيد بعض الأمثال المغربية بأن اليهود برعوا في التجارة واستعمال الحيل فكثر ثراؤهم. أما الطوائف التي كانت موجودة في نكور فيمكن إدراج أهل الذمة، ممثلين في اليهود وغيرهم، كطائفة مارست نشاطا اقتصاديا داخل المدينة، وكان لها في خطط المدينة حي خاص بها، ولعل وفرة الأمن وحرية الاعتقاد كانت متوفرة لها. كما تجدر الإشارة إلى وجود طائفتي الخوارج والشيعة. فبالنسبة للأولى، فالمنطقة قد عرفت مدا خارجيا منذ بداية القرن الثاني الهجري، كما أن الثورة البربرية الكبرى انطلقت من هذه المنطقة؛ فلا يستبعد بقاء عناصر خارجية بنكور بعد القضاء النهائي على شورتهم. بالإضافة إلى وجود بربر مكناسة الذين أسسوا الدولة الصفرية بسجلماسة. أما الشيعة، فإن ما يحمل على الاعتقاد بوجودهم داخل دولة نكور هو سيطرة العبيديين على نكور مرتين وإقامة حاكم شيعي على نكور في كل مرة، فلا بد وأن يكونوا قد تركوا بعض الأثر من الناحية المذهبية. كما وجدت بنكور جالية أندلسية، نظرا لطبيعة العلاقة بين الطرفين. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى وجود طليطلي بنكور، فقد كان الشاعر الرسمي للدولة الحميرية من أصل طليطلي، وهذا يحمل على الاعتقاد بأن عددا من رجال الفن والفكر من الأندلس، وربما من المشرق كذلك، كانوا مقيمين بالبلاط الصالحي. وقد كان الوضع الاجتماعي يتميز بنوع من التراتب؛ فنجد على رأس الهرم الاجتماعي الارستقراطية الحاكمة، المتمثلة في الصناعة العربية الموجودة على رأس الدولة واتباعها من قادة البربر. وهناك أيضا مجموعة من الموالي، وقد كان في استطاعتهم عدم الامتثال لأوامر أمرائهم. مثلا، رفضهم إعدام إدريس، أخ الأمير. كما كانت مجموعة من الرقيق كالصقالية الذين كانوا يخضعون لقوانين متحررة نسبيا، فكانوا لا يدخلون في المواريث ولم يكن يطبق عليهم القانون المتعلق بتقسيمها.