يعتبر الكثير من الباحثين أن هناك غموضا يلف تاريخ منطقة الريف؛ حيث تم التأكيد مرارا على الحاجة الماسة إلى البحث والدراسة لاستجلاء ذلك الغموض وتوضيح جوانب عديدة من هذا التاريخ. ومن خلال مؤلف "إمارة نكور في ساحل الريف"، يحاول مؤلفه، عبد الله بوصوف، التطرق لتاريخ "إمارة النكور" التي قامت منذ نهاية القرن الأول الهجري وطال أمدها حتى القرن الخامس. واعتبر بوصوف، الذي أنهى المؤلف سنة 1986 دون أن يقوم بنشره للعموم، أن منطقة الريف التي قامت بها هاته الإمارة عبر مراحل كانت تسترعي انتباه القوى السياسية التي ظهرت بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط نظرا لما تتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية، وما يمثله موقعها من أهمية استراتيجية، مشددا على أن قيام دولة النكور بساحل بلاد الريف شكل حدثا نتجت عنه تحولات اجتماعية وسياسية. هسبريس وباتفاق مع الكاتب، عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، تقوم بنشر الكتاب منجما على حلقات بشكل يومي طيلة شهر رمضان. الحياة الاقتصادية والاجتماعية: الفلاحة إن منطقة الريف التي قامت فيها دولة نكور تتميز بتنوع التضاريس والمعطيات المناخية؛ إذ يغلب عليها التضرس والارتفاع، وتتميز بالانحدار الشديد على البحر. وتظهر الجبال عالية نظرا لتعمق الأودية فيها، وأكثر الجبال ارتفاعا هو جبل تدغين الذي يبلغ 2456 مترا. وقد مكن القرب من البحر وعامل الارتفاع من وفرة بعض الرطوبة، مما ساعد على وجود مجاري مائية مهمة وإن كان يطغى عليها الطابع الموسمي. ونجد ذكرا لهذه الأنهار عند الرحالة والجغرافيين. فالبكري، مثلا، يشير إلى بعضها، كغيس ونكور البوعياشي، حوض ماء يدعى عند الأهالي بحوض حواء، وهو عين غزيرة في منبسط يجري منها الماء إلى وادي نكور وتحمله السواقي إلى الجنان لسقي خيراتها. واستغلت مياه هذه الأودية لإقامة زراعات مختلفة على ضفافها، من ذلك الساقية التي جرها آل صالح من حوض حواء حتى المزمة، وكانت تستعمل كبريد لنقل الرسائل في القصب المشع. إضافة إلى أن الرطوبة النسبية مكنت من نمو العشب في الأماكن المرتفعة حيث مارس السكان نشاط الرعي. كما أن المنطقة كانت تتوفر على ثروة غابوية مهمة تضم أشجار العرعر، وهو وشجر الأرز أكثر خشبها. وتجدر الإشارة إلى أن انقسام السكان إلى بتر وبرانس يعني تنوعا في الأنشطة الاقتصادية. فينما يعيش معظم قبائل البتر على التنقل بين السهوب والهضاب والمناطق الرعوية، فإن معظم قبائل البرانس يعيش عيشة استقرار في السهول والجبال الخصبة التي تكثر فيها الأمطار وتكون التربة جيدة. وكانت مدينة نكور بحكم موقعها بين نهري نكور وغيس تمثل مركزا فلاحيا هاما، تحيط بها بساتين كثيرة تحمل مغارس الكمثري والرمان. ومعلوم أن هذه الزراعات دخيلة على بلاد المغرب انتقلت إليه من الأندلس؛ حيث عمل الأمراء الأمويون على إدخال بعض الثمار والبذور إليها من الشرق؛ من ذلك أن عبد الرحمان الداخل نقل إلى منيته الرصافة شمال قرطبة قرائب الغروس وإكارم الشجر من كل ناحية وأودعها ما كان استجلبه رسولاه إلى الشام من النوى المختارة، ومنها الرمان السفري، وينسب إلى سفر بن عبيد الكلاعي من جند الأردن الذي زرعه في كورية ربة واستوسع الناس في غراسته ولزمه النسب إلى ذلك الرجل. هذا إضافة إلى مغارس الزيتون والكروم والتين، ولا يخفى ما لهذه المنتوجات من أهمية غذائية في أوقات الحصار لكونها قابلة للادخار. وقد وصف الصخري مدينة نكور بأنها خصبة. كما أن الأرباض التابعة لها عرفت نشاطا فلاحيا. وتتحدث المصادر عن وجود منتوجات مختلفة فيها؛ فالحسن الوازن يشير إلى سهل في أسفل مدينة المزمة يمر في وسطه نهر نكور، وقد كان سكانه يحصدون منه كميات كبيرة من القمح. وبالرغم من تأخر معلومات الوزان عن عهد دول نكور، إلا أنها تدل على وجود نشاط فلاحي بالمنطقة. كما أن مليلة، حسب ابن حوقل، "كان بها من الأجنة ما يسد حاجتهم من الزروع الكثيرة والحبوب والغلات الجسيمة". واليعقوبي الذي زار المنطقة فعلا في عهد صالح بن سعيد الحميري مسيرة عشرة أيام في عمارات وحصون وقرى ومنازل وزرع وضرع وخصب... "وكانت بعض الجبال تنتج كميات هامة من الحبوب؛ بحيث كان جبل كبدائية وجبل بني سعيد ينتجان كميات مهمة من الشعير". أما الثروة الحيوانية التي كانت بالمنطقة، فالبكري يحدثنا عن وجود تربية الأفراس في عدوة غيس بموضع يقال له تاكراركى، وكانت في ملكية آل صالح. كما أن توفر المراعي ساعد على وجود الماشية؛ بحيث يشير الوزان إلى وجود الماشية بجبل كبدانة، لكون جميع المناطق المجاورة له عبارة عن مراعي فسيحة، وكانت توجد ماشية وفيرة أيضا بجبل بني سعيد. وكانت المنطقة تتوفر على ثروة سمكية مهمة بحكم إشرافها على البحر، فالوزان يشير إلى أن نصف سكان بادس يمارسون مهنة الصيد، ويتوفر السردين بكميات وافرة، إضافة إلى أنواع أخرى من السمك.