يعتبر الكثير من الباحثين أن هناك غموضا يلف تاريخ منطقة الريف؛ حيث تم التأكيد مرارا على الحاجة الماسة إلى البحث والدراسة لاستجلاء ذلك الغموض وتوضيح جوانب عديدة من هذا التاريخ. ومن خلال مؤلف "إمارة نكور في ساحل الريف"، يحاول مؤلفه، عبد الله بوصوف، التطرق لتاريخ "إمارة النكور" التي قامت منذ نهاية القرن الأول الهجري وطال أمدها حتى القرن الخامس. واعتبر بوصوف، الذي أنهى المؤلف سنة 1986 دون أن يقوم بنشره للعموم، أن منطقة الريف التي قامت بها هاته الإمارة عبر مراحل كانت تسترعي انتباه القوى السياسية التي ظهرت بالحوض الغربي للبحر الأبيض المتوسط نظرا لما تتوفر عليه من إمكانات طبيعية وبشرية، وما يمثله موقعها من أهمية استراتيجية، مشددا على أن قيام دولة النكور بساحل بلاد الريف شكل حدثا نتجت عنه تحولات اجتماعية وسياسية. هسبريس وباتفاق مع الكاتب، عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، تقوم بنشر الكتاب منجما على حلقات بشكل يومي طيلة شهر رمضان: إن التوفر النسبي للفلاحة والصناعة في نكور ساعد على وجود تجارة نشيطة بها، خصوصا أن هذه المهنة كانت مفضلة على سائر المهن، سواء في الشرق أو الغرب، فتحدثنا المصادر عن وجود أسواق عامرة مفيدة ورخص الأسعار بها. ومما يؤكد أهمية هذا النشاط وجود نظم ومقاييس مضبوطة للمعاملات من مكاييل وأوزان ونقود.. كان الكيل المستعمل بنكور هو "الصفحة"، وهي تعادل خمسة وعشرين من أمداد الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الكيل نفسه المستعمل بمليلة. كما كانت هناك نصف الصفحة وتسمى السدس. أما الأوزان فكان الرطل هو الذي يجري به العمل في جميع الأشياء، كما هو الشأن بمليلة، وكان يساوي اثنتين وعشرين أوقية. وكان هناك القنطار الذي يساوي مائة رطل. أما دراهمهم فكانت عدا بلا وزن. وقد تم العثور أخيرا على دنانير ذهبية في التنقيبات الأثرية بالمنطقة. وكان التعامل بنقود نكور عدا وليس وزنا، مما يؤكد جودتها وسلامتها. وهذا لا يتأتى إلا بمراقبة دقيقة لأجل الحسبة لها. وتوفرت دولة نكور على عدة مراسي استطاعت أن تلعب دورا هاما في التجارة المتوسطية، فمرسى المزمة مثلا كان مسرحا لنشاط تجاري هام، إذ كان يمثل نهاية إحدى الخطوط التجارية الرابطة ما بين سجلماسة والبحر المتوسط، عبر قلوع جارة. وحسب ما يذكره الوزان فإن سفن البندقية كانت تقصد مرسى بادس مرة أو مرتين في السنة محملة بالبضائع، فتتجر فيها سواء بالبيع نقدا أو بالمبادلة. وعلى الرغم من كون هذه المعلومات متأخرة فإنها تدل على الدور التجاري الذي كانت تعلبه المنطقة في التجارة المتوسطية. أما في ما يخص علاقة نكور التجارية مع الأندلس فإنه نظرا للعلاقة السياسية الجيدة التي كانت تربط بين الطرفين، وذلك يحكم التقارب الجغرافي والمذهبي، فإن نكور كانت تستقبل متاجر أندلسية، كالسيد المقالية الذين اتخذ منهم أمراء نكور حرسهم وعبيدهم، وقد تزايدت أعدادهم حتى كانت لهم قرية تعرف بهم وقاموا بثورة. كما يشير صاحب كتاب الاستبصار في عجائب الأنصار إلى أن المراكب كانت تحمل الطعام من مرسى بادس، لكن دون تحديد وجهتها، إضافة إلى أن نكور كانت تتوفر على عدة مراسي، نذكر من بينها مرسى نكور، مرسى بادس، مرسى تمسامان، وكان يقابلها من بر الأندلس مدينة طونيانة ومرسى المزمة، مرسى بقبو، مرسى مرك، مرسى ملوية ومرسى كرط. وكانت هذه المراسي تلعب الدور الكبير في الربط بين العدوة المغربية والأندلسية.