قال أحمد لحليمي علمي، المندوب السامي للتخطيط، إن المغرب ينخرط في مرحلة جديدة لنموذج النمو من خلال ديناميكية لتعزيز القدرة التنافسية العامة لاقتصاده في سياق مرحلة جديدة من العولمة. وأبرز لحليمي في مقال بعنوان " مقاربة الشغل والبطالة بالمغرب ومحدداتها البنيوية والسياسية في مرحلة انتقالية" نشرته مجلة "دفاتر التخطيط" التي تصدرها المندوبية السامية (عدد يوليوز-غشت)، أن المشاريع المنفذة في مجالات الطاقة المتجددة والصناعات التي يتمتع فيها المغرب بمزايا نسبية مثل صناعة السيارات وصناعة الطائرات والصناعات المعدنية والكيميائية والزراعية ،تعلن عن تغير جديد في نموذج النمو. ويرى المندوب السامي أن الفعالية الجديدة للاستثمار والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية خلال العقد الحالي تعكس القطيعة التي شكلها نموذج التنمية بالمغرب. فقد ارتفعت نسبة معدل الاستثمار من الناتج المحلي الاجمالي من 8ر24 في المئة عام 1999 الى 1ر34 في المئة سنة 2010، وارتفع معدل النمو الاقتصادي الى 8ر4 في المئة عوض 2ر2 في المئة خلال التسعينيات، كما تراجع معدل البطالة بخمس نقاط مئوية. وأضاف أن قطاعات الفلاحة والبناء والأشغال العمومية والخدمات تشكل المحركات الاساسية للنمو الاقتصادي إذ تساهم ب 80 في المئة من القيمة المضافة الاجمالية غير أن هذه القطاعات تتميز بضعف في مضاعف العمالة المؤهلة. ولاحظ لحليمي في هذا الإطار أن هيمنة العمالة الضعيفة تعكس بنية الاقتصاد الوطني حيث أن "التحسن في النمو لم يصاحبه تغيير ملموس للبنيات الاقتصادية لصالح الأنشطة ذات التكنولوجيا العالية". ومن جهة أخرى، سجل المندوب السامي للتخطيط أن الاصلاحات ذات الطابع المؤسساتي التي تعزز المشاركة في الديموقراطية على المستوى المحلي والجهوي تعطي بعدا اجتماعيا للقدرة التنافسية الشاملة للاقتصاد كما أن المكاسب المتحققة على مستوى البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية من شأنها أن تشجع أصحاب الادخار على ولوج الاستثمار الانتاجي بدل مراكمة الترواث مما يؤدي الى تطوير إمكانات النمو وخلق وظائف لائقة وتوزيع أفضل للدخل. ونبه في المقابل الى ضرورة انفتاح هذه الحركية الجديدة على التثمين المناسب للموارد البشرية من أجل استيعاب العجز المسجل في نظام التعليم والتكوين. كما دعا الى قراءة "هذا الفصل الجديد من التاريخ الوطني" من زاوية "تخطي المنهجيات القطاعية البحتة لادماجها في مقاربة التخطيط الاستراتيجي التي تمكن من تحديد الاولويات وصياغة الأهداف، وسلك الاختيارات الأنسب بين الاستهلاك والاستثمار، وبين ضرورة المساواة في المراتب والفرص من أجل تنمية مستدامة للتماسك الاجتماعي والترابي". وشدد لحليمي علمي على ضرورة إدماج نموذج النمو الاقتصادي الذي ينفتح عليه المستقبل القريب للمملكة في قلب الحوار الوطني الجاري على ضوء الخطاب الملكي لتاسع مارس، والذي من المفروض أن يتم يتناوله بكل هدوء مع الأخذ بعين الاعتبار واقع المحيط الدولي. وفي تناوله لسياق التحول الاقتصادي الذي يعيشه المغرب، ذكر السيد لحليمي بأن المملكة قامت بسلسلة من الاصلاحات الهيكلية لتطوير الاطار القانوني والمؤسساتي للمقاولة ومواجهة الطلب الاجتماعي المتزايد، وهي العملية التي تم تسريعها خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي "بدعم من الانفتاح السياسي والرغبة القوية لفتح عصر من التقدم الاجتماعي". وأوضح أن السعي لتحقيق نمو اقتصادي أعلى وتوزيع اجتماعي وجغرافي عادل للثروات اقترن بانجاز اصلاحات سياسية تمهيدا لمشاركة فعالة للسكان على أساس مواطنة معترف بها وارادة وطنية لتعزيز الانجازات وتجاوز الأزمات المتراكمة. وتمت أيضا اعادة تنشيط سياسة التحرير والانفتاح الاقتصادي ضمن إرادة لتحسين استغلال الامتيازات التفضيلية للبلد وامكاناته الطبيعية والبشرية. ولاحظ المندوب السامي للتخطيط أن الرغبة في امتصاص العجز المتراكم خلال السنوات السابقة في ما يخص رأس المال المادي والبشري مكنت من تعبئة قوية للموارد المتاحة للاستثمار في عوامل التنافسية الاقتصادية وتعزيز الموارد البشرية المتاحة وتحسين الظروف المعيشية للسكان. وعلى الصعيد الاجتماعي، أبرز لحليمي أن القطاعات الاقتصادية ساهمت الى جانب سياسة دعم الأسعار عند الاستهلاك وتحسين الأجور والولوج الى القروض البنكية والسياسات الموجهة لمكافحة الفقر والهشاشة في تحسين الدخل والظروف المعيشية للمواطنين. فقد نما الدخل المتاح للأسر في المتوسط ب 4ر6 في المئة سنويا خلال العقد الحالي والقدرة الشرائية ب 3ر3 في المئة في حين تضاعفت وتيرة نفقات استهلاك الفرد أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة 2007-2001 مقارنة مع الفترة 2001/1985، كما انخفض معدل الفقر النسبي من 16 في المئة الى 8ر8 في المئة خلال نفس الفترة.