اعتبر خالد الشرقاوي السموني، الأستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن البحث العلمي من أهم النشاطات التي يمارسها الإنسان؛ على اعتبار أن تقدم الأمم ونهضتها الحضارية مرهونة برعايته والاهتمام به، مشددا على أن هذه الأهمية تتطلب الاهتمام بمؤسسات البحث العلمي وأدواته، كالجامعات ومراكز الأبحاث والدراسات لما لها من دور أساسي في عملية صنع القرار، وإعداد السياسات العامة للدول. وأشار السموني، في مداخلته خلال ندوة وطنية نظمها مركز تفكر للأبحاث والدراسات الإستراتيجية بقاعة الاجتماعات التابعة للجماعة الحضرية لمكناس، إلى العديد من الأدبيات الغربية التي تناولت دراسة مراكز البحث وصناعة الفكر وأدوارها في هذه المجتمعات. الباحث السموني استفاد في مداخلته من تجربته في إدارة مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، حيث لجأ إلى استخدام عملية مقارنة بين أدوار ومهام المراكز البحثية في العالمين الغربي والعربي لإطلاع الحضور على طبيعة هذه الأدوار والمهام، وكيفية تأثيرها في رسم السياسات العامة أو صناعة القرار، مقدما في الختام تحليلاً لأهم المعوقات والتحديات التي تواجه فعالية ودور المراكز البحثية في العالم العربي. المصطفى المريزق، أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل ورئيس المنتدى الوطني للمدينة، ذكر المتلقي بأهمية مراكز الأبحاث والدراسات من خلال الأدوار المهمة التي تضطلع بها وتؤثر من خلالها على صانع القرار السياسي، والتي تتمثل في التفكير للحكومات من خلال تقديم الأفكار الجديدة والرؤى الإبداعية وترشيد السياسات العامة؛ والقيام بالدور الاستشاري للحكومات في القضايا التي تتطلب معرفة متخصصة وسرعة في الانجاز والقرار؛ وتوفير قاعدة بيانات بحثية لصناع القرار والمسؤولين عند الحاجة. وأضاف المريزق: "زيادة على كونها قناة اتصال غير مباشرة أو غير رسمية بين كبار صناع القرار في الدولة وبعض الأطراف الخارجية لمعرفة مواقفها وأطروحاتها وآرائها السياسية وطبيعة أدوارها واهتماماتها والاتجاهات الدولية السائدة من خلال المشاركة في أنشطة علمية مشتركة أو دعوة هذه الأطراف إلى الندوات والمؤتمرات التي تعقدها المراكز البحثية؛ مثلما أنها تمثل -أي مراكز الأبحاث- مجسات للاستشعار المبكر واستقراء المستقبل من خلال دورها في الاستشراف المستقبلي استنادا إلى قواعد علم المستقبليات لمساعدة صناع القرار على التخطيط الاستراتيجي للمستقبل؛ مع تأكيد دورها في ترشيد أو عقلنة القرار السياسي للمسؤولين وصناع القرار، لتقليل احتمالية الخطأ أو الفشل في صنع ورسم السياسة العامة". ولم ينس المتحدث التأكيد على أهمية استقلالية هذه المراكز، وعلى ضرورة دعمها لكي تؤدي أدوارها الحقيقية كوسيط بين المجتمع ومتطلباته وبين صناع القرار السياسي. من جانبه، تطرق عبد المجيد السعيدي، أستاذ الاقتصاد والتدبير بجامعة مولاي إسماعيل، إلى أوجه العلاقة بين مراكز الدراسات التابعة للجامعات وبين المراكز غير التابعة لها (المستقلة)، بحيث تقوم العلاقة على التكامل إذ تتميز مراكز الدراسات غير الجامعية بتنوع المتدخلين لديها وسهولة إدخال تخصصات أخرى والتعاون مع مراكز أبحاث أخرى غير أنها تستفيد من النظريات الجامعية، مما يشكل نقطة تقاطع مهمة تؤسس لعمل تكاملي؛ مشيرا إلى هناك مواضيع خاصة تتكلف بإنجازها مراكز الجامعة بحكم تخصصها وإن كان هذا الأمر لا يمنع من استفادتها من تجارب وخبرات المراكز المستقلة. واعتبر عبد المجيد السعيدي، العضو المشارك بمركز الدراسات والأبحاث والسياسات الترابية بكرونوبل بفرنسا، العلاقة بين هذين النوعين من المراكز متسمة بنوع من التنافسية والتباري والتعاون والانسجام من أجل الإنتاج الفكري والسياسي وغيرهما، مشيرا إلى إمكانية حدوث تعاون مباشر بينهما من خلال أبحاث ونظريات متنوعة. واعتبر الدكتور عبد العزيز بنعيش، رئيس منتدى الوحدة للدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية، الدور الذي تقوم به مراكز البحوث والدراسات بصفة عامة مؤشراً على درجة نضج المؤسسات والإدارة في المجتمع، وكذا مؤشراً لتطور الجماعة العلمية والبحثية وتبلور تخصصاتها في مجال العلوم الاجتماعية؛ وذلك باعتبار أن نتائج البحث في مختلف العلوم في أي بلد تمثل المخزون الفكري الذي يمكن أن تستخدمه مؤسسات الدولة والمجتمع عند رسم السياسات وتنفيذها وتقييمها، وبما يحقق أن العلم الجيد هو ما ينفع الناس ويسهم في حل مشاكلهم ويساعد على إيجاد مستقبل أفضل لهم. ووقف عبد العزيز بنعيش عند تجربتين أساسيتين على مستوى الاشتغال البحثي في المغرب، الأولى ممثلة في منتدى الوحدة للدراسات والأبحاث في العلوم الإنسانية بتاونات، والثانية ممثلة في المركز المغربي للأبحاث حول منظومة التربية والتكوين بالرباط، مشيرا إلى التضحيات الجسيمة التي قدمها مناضلو هاتين الهيئتين في تقديم نموذج مغربي أصيل للاشتغال البحثي والعلمي والتربوي مستعرضا الأسئلة الكبرى التي تطرقوا إليها عبر مناظراتهم الوطنية ولقاءاتهم العالمة، مؤكدا على ضرورة أن تلتفت الدولة إلى هذه المراكز وتوليها العناية الضرورية. ورأى الدكتور محمد بلحسن، الأستاذ الباحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بفاس، أن سؤال الندوة "أي دور لمراكز البحوث في صنع السياسات العمومية" سؤال يشخص واقعا متقدما جدا لدول تأسست فيها مراكز البحوث منذ أوائل القرن الماضي، وزاد "في الولاياتالمتحدة مثلا، هناك ترسخت تقاليد المراكز البحثية وأصبحت تستشار من لدن مؤسسات الدولة كوزارة الدفاع الأمريكية التي يرجع لها فضل تأسيس أول مركز الدراسات المستقبلية". واعتبر بلحسن أنه في دول الجنوب لا تزال مراكز البحوث بعيدة عن نيل الاعتراف بأدوارها في توجيه السياسات إيجابا، "خصوصا أن مراكز البحوث يمكنها الحديث عن أدوار في التنمية وبناء الإنسان ومحو الأمية".