هل من تفسير لقلة تواجد مراكز الفكر في المغرب، وماهي المرتبة التي يحتلها المغرب عربيا وإفريقيا في عددها، و ماهي درجة الاستناد في قراراته الكبرى لمنتجات معاهد الفكر الاستراتيجي. لا ينقصنا في المغرب الأفكار فهي متوفرة وكثيرة غير أن ما ينقصها هو المأسسة والانتشار والتطبيق. ويقول الحديث الشريف ''ما خاب من استشار'' . الواقع كما هو معروف تعقد في المغرب عدد كبير من اللقاءات والندوات والنوادي التي يلتقي فيها باحثون أو سياسيون لنقاش موضوع ما. غير أنه يلاحظ محدودية النتائج المتمخضة عنها، بفعل عدم نشر أشغالها وتوصياتها أو مناقشة الأفكار التي تتضمنها من طرف المسؤولين والبرلمان والنخبة والمجتمع المدني، فضلا عن عدم وجود رؤيا واضحة لدى مختلف الفاعلين في الموضوع وكذا ضعف متابعة أشغال هذه المراكز من طرف وسائل الإعلام . وبالنسبة للمغرب يلاحظ ضعف أو غياب اعتماد الخبرة الوطنية ومحدودية مراكز الفكر الوطنية في اتخاذ القرار. لأنه عامة ما يفضل المسؤولون الالتجاء لمراكز الفكر الأجنبية بدل الوطنية رغم كلفتها العالية وعدم ملاءمة تقاريرها و توصياتها مع البيئة الثقافية والاجتماعية المغربية. هل أزمة الفكر الاستراتيجي في المغرب مرتبطة بأزمة البحث العلمي ككل أم أن للعوامل السياسية والثقافية أثر في ضعف مردودية الفكر الاستراتيجي في المغرب؟ أزمة الفكر الاستراتيجي في المغرب في خضم التحولات العميقة التي يعرفها العالم من حولنا إشكالية معقدة و متعددة الأبعاد والمظاهر. فهي تكمن في ضعف الاستشارة الوطنية في اتخاذ القرار وضعف اللجوء إلى الكفاءات الوطنية عند بلورة وصياغة البرامج فضلا عن تمركز المسؤوليات الإدارية وانعزالها عن الجامعة ومراكز الفكر وعدم انفتاحها على البحث العلمي والقدرات الوطنية. ثانيا، لا ينبغي أن نستصغر الأبعاد الاجتماعية و الثقافية والسياسية المهيمنة والمتمثلة في تفشي الأمية والبيروقراطية والعصبية في المجتمع، فضلا عن ضعف المشاركة السياسية و الإشعاع البرلماني. وفي اعتقادي الشخصي أن المقاولة والمنتخبين المحليين و البرلمان الديموقراطي والشفاف هم الذين ينبغي أن يعهد إليهم مهمة تنمية مراكز الفكر والعمل على طلب خبرتها في مجالات متعددة، من خلال مشاركتهم الذؤوبة في تنمية الخبرات والاستشارات العلمية و ثقافة تقويم السياسات العامة والمخاطر والمراقبة الداخلية في مراقبة الحكومة والانفتاح على العلم والمعرفة. لأن الكفاءة والتشبع بالمعرفة الاستراتيجية والتجربة هي التي يمكن لها أن تضمن حصانة وتقدم الأوطان. كما ينبغي للمقاولة والشركات أن تعمل على تشجيع البحث العلمي والاستشارة من خلال تنمية الطلبات على مراكز الفكر وتقديم العون والمساندة لها كما هو معمول به في تجارب البلدان الأنجلوسكسونية . ثالثا، لا ينبغي أن ننكر دور الجامعات والمدارس العليا والمراكز البحثية في تقدم مراكز الفكر، من خلال تقوية الدراسات الإستراتجية والعلوم الإنسانية في برامجها التدريسية ودفع الطلبة والباحثين للتخصص في هذه المجالات الحيوية. وما يلاحظ هو تنامي سلطات الهدر على عدة مستويات في المنظومة التربية والبحث العلمي والتغاضي عن رداءة وتردي المستوى في مؤسسات التعليم العام عموما والتعليم العالي خصوصا من طرف المسؤولين والبرلمان والمقاولة كأني بهم غير معنيين أصلا ببناء مجتمع المعرفة وصناعة المستقبل حيث يكتفي الكل بسياسة تدبير الحال وتأجيل المآزق (حكامة الأزمة) بدل طرح الأزمة بكل الشفافية والموضوعية والحياد(أزمة الحكامة) لإيجاد حلول هيكلية شاملة وإستراتجية كفيلة بتجاوز الوضع المتردي والوقوف على الداء. عمليا لم يستطع المغرب أن يرتقي بمنظومته التربوية والعلمية ليشكل نموذجا يمكن أن يحتدى به في باقي الدول النامية،اعتبارا لوضعه الاستراتيجي -عربيا وإفريقيا ومغاربيا، على غرار النموذج الأسيوي أو الهندي أو التركي .علما أن المغرب يوجد اليوم ضمن دائرة الدول العشرالتي يتعدى فيها عدد الأميين 10 ملايين. وتكفي الإشارة أن المغرب يقع اليوم دون خط الفقر المعرفي ليس فقط في البحث العلمي والنشر و التوزيع، بل كذلك في الصحافة والإقبال على القراءة ومدى انتشار الحاسوب واستعمال الأنترنيت. وهي مؤشرات أساسية لقيام مجتمع المعرفة في بلادنا. تنبني حكامة الأزمة في الجامعة المغربية على تحقيق مجموعة من الأهداف الطموحة مقارنة مع المعيقات الحالية حيث لا تتعدى النسبة المخصصة للبحث العلمي 0,80 بالمائة من الناتج القومي الخام، (يمول منها القطاع العام حوالي 0,68 بالمائة والقطاع الخاص 0,12 بالمائة) مقابل 1 بالمائة من الناتج القومي الخام ، كما جاء في توقعات الميثاق الوطني للتربية والتعليم (المادة128 )، الشيء الذي أثر على الإنتاج العلمي المغربي الذي لا يتعدى 1,200 عنوان مقابل 7,600 في جنوب إفريقيا و 5330 في مصر و 30,000 في إيران. ماهي الأدوار المفترض أن تقوم بها مراكز الفكر في الساحة المغربية، وما الذي يعوق أن تتحول المراكز الموجودة حاليا، على قلتها، لمصادر اتخاذ القرار بالنسبة للدولة والأحزاب والمؤسسات العمومية؟ يمكن لمراكز الفكر أن تقوم بمجموعة من الوظائف والمهام، لعل أهمها يكمن أولا في تجسير الهوة بين السياسي والعلمي من خلال إنتاج فكر سياسي مغاير وقادر على ترشيد العمل السياسي وإغناء النقاش وفق مقاربة إستراتيجية وموضوعية قوامها البحث العلمي والحياد. إنها تسمح بتحليل المشاكل المعقدة، من خلال تبني مقاربة نقدية وشمولية لمنظومة الحكامة وتقويم المخاطر المحدقة بالمجتمع برمته. والواقع ليس هناك من ديموقراطية تستطيع أن تشتغل بفعالية وأداء متميزين بدون تداول جماعي وشفاف أمام المواطنين والفاعلين المؤسساتيين والإدارات والمنتخبين. إن نجاح أي مشروع مجتمعي رهين بإشراك الخبراء في بلورة صياغته وإغنائه في خضم العولمة والأزمة. ثانيا، ينبغي ذكر الوظيفة البيداغوجية التي يمكن أن تلعبها هذه المراكز في شحد الفكر الاستراتيجي في البلاد وتنمية ثقافة المواطنة والإيمان بالعلم والمعرفة في اتخاذ القرار وفق رؤيا تشاركية عمادها التجانس والتناسق والتوافق الاجتماعي والتجديد والابتكار.