جيب يا فم ضحايا البعوض إذا كنت تصطاد الأخطبوط في أعالي البحار، فأنا أصطاد البعوض في أعالي الجدار. فجدران بيتي مثقلة بالبعوض. وإذا نصحتني باستعمال مبيد من أجل رشها والقضاء عليها، أضرب لك الرش وأقول لك إن العملية أصعب مما تتخيل. استعملت مبيدات كثيرة دون جدوى، ولم أستطع قتل بعوضة واحدة. يبدو أن البعوض، المستوطن في بيتي، قد تم تلقيحه ضد كل المبيدات الرشاشة والبخاّخة. وإذا لاحظتَ، هذه الأيام، أنك تبخّ الدم، فاذهب توّا إلى أقرب طبيب أو خذ الفلوس واهرب أو ابعث لنا برسالة قصيرة فيها عبارة: "أكلوني البراغيث". وأشد ما يغيظني من البعوضة هو اختيارها للوقت المناسب من أجل شن هجوماتها عليَ. فهي تختار الليل والليل ستّار. وتعتمد استراتيجية الضربة الصادمة والمفاجئة. ولأنها خبيرة في التخدير الموضعي، تحقنني بإبرة مخدرة ثم تنتظر حتى يسري مفعولها في جلدي. فترقص رقصتها المعروفة كإشارة إلى جحافل البعوض للهجوم على الفريسة.. أنا. مئات الخراطيم تنغرز في جلدي وتنطلق عملية شفط الدماء. ومع ذلك، أعلن للبعوض أنني رجل متسامح ومستعد للتعايش معهم. لكن، رجاء.. إذا كنتُ عسلا، فلا تلعقوني كاملا، على الأقل اتركوا شيئا لأولادي. أُطمْئنكم، وأُطَمئن من خلالكم كل الرأي العام، أنني لن أنقطع عن التبرع بدمي للبعوض، فهذه عادة حميدة ورثتها عن أبي حميد، الذي ورثها بدورها عن أبيه عبد الحميد.. نحن سلالة المتبرعين بالدماء للبعوض. التبرع فينا سْلالة، من العمة للخالة مولاة الخُلاّلة. ثم إن التبرع بالدم واجب وطني. وأنا مواطن جدا. مدمن على التعاطي للمنشطات الوطنية لذلك أصبت بعسر في الهضم. وفي كل مناسبة وطنية، أتلقى هدايا غالية عبارة عن رايات بأحجام متنوعة. وهذا ما يسعدني كثيرا ويحسّسني بوطنيتي. الآن أتوجه إلى النوم مطمئنا أن وطني يحبني. يا أخي في الوطن.. هذي يدي ممدودة، فمُد يدك لتتبرع بدمك وكن نموذجا يُضرب به البعوض. كتوقع لا تشرب الياغورت رنّ هاتفي. إنه زعطوط." ألو زعطوط.. ماذا وراءك؟" زعطوط:" نزلت لتوي من القطار وإليك ما حدث لي؛ شاب أنيق جلس بجواري في مقصورة القطار.. ابتسم لي بأسنانه المهترئة وعينيه الزئبقيتين ورأسه كحبة ليمون. أخبرني باسمه دون طلب مني «اسمي سعيد ». انقضّ على جريدتي من بين يدي.. واضح أنه خبير في الترامي على ممتلكات الغير. قال إنه يريد أن يقرأ لأنه مهتم بالريال. ناولته صفحة الاقتصاد للاطلاع على أخبار البورصة.. الريال والدولار والدرهم. قال إنه يقصد ريال مدريد.. وقال إن مستوى اللاعب كذا في انهيار مستمر. ولأنني أكره الخوض في أحاديث الرياضة عموما وأكره اللاعب كذا خاصة، أشرت له بأن يخيط فمه ويصمت. قدم لي كأس ياغورت.. ربما عربونا على صداقة يريد أن تقوم بيننا. بعدها مباشرة شعرت كأن القطار لم يعد يسير في خط مستقيم، بل صار يلتف حول نفسه ككلب يطارد ذيله. مرت علي لحظة لم أتبين مدتها. كل ما كنت أسمعه قعقعة عجلات القطار على السكة وهمهمات مسافرين ينزلون ويطلعون. عندما استيقظت كان صاحبي قد اختفى. وفي لحظة انقشاع الغمام عن وعيي استوعبت ما حصل؛ وضع لي مخدرا في المشروب. جردني من ممتلكاتي ..هاتف غبي أستعمله كمصباح وكيس بلاستيكي فيه سروال قصير وكتاب.. ولحسن حظي، وسوء حظه، لم يسلُبني بضعة أوراق نقدية كنت أدسّها في جيب سروالي الداخلي . المغفّل.. كل هذا الدهاء والتخطيط ولم يظفُر إلا بمسروقات تافهة لا تليق بلص أنيق وصاحب اهتمامات رياضية وفوق ذلك اسمه سعيد". راس الحانوت *تفسُد الخضر والفواكه فأرميها في حاوية القمامة. يفسُد المسؤولون فأفعل فعل النعامة. *أنا معلم.. أربي الأجيال والأجيال تربيني. أضربهم ويضربونني. أشتمهم ويشتمونني. دقة ببصلة نوجهها لباعة الدجاج الفاسد. القتلة. يستهينون بصحتنا ولا يهمهم سوى تحقيق الأرباح. ضمائرهم فاسدة كدجاجهم. أحدهم، اعتُقل أخيرا، قال إن دجاجه الفاسد موجه للكلاب. فهمت الآن لماذا ننبح في وجوه بعضنا البعض.