تشكل الخصوصية الجهوية أحد مميزات العملية السياسية بالمغرب؛ وبالتالي فإن الانتخابات تجسد بدورها هذه الخاصية، إذ إن الخريطة الانتخابية المغربية كانت دائما توضح تمايزا جهويا صارخا. وقد بدأت الظاهرة تثير بعض الباحثين المهتمين بدراسة الانتخابات المغربية، وعلى رأسهم بعض المتخصصين الأجانب الذين أشاروا إلى هذه الظاهرة من خلال وضع خريطة جغرافية للانتخابات المغربية، بينوا من خلالها المحددات الجهوية التي تؤثر في العملية الانتخابية لكل منطقة. كما أن هناك آخرين حاولوا أن يضعوا مقارنات انتخابية بين المناطق المغربية ليرصدوا دور المحدد الجهوي في السلوك الانتخابي لكل منطقة. وهناك أيضا بعض الباحثين المغاربة الذين اهتموا بدراسة هذه الظاهرة من خلال تأكيدهم الدور الهام الذي تلعبه الروح الجهوية في تحديد السلوك الانتخابي لمنطقة سوس. ولعل ما يضفي مشروعية على مختلف هذه الدراسات الانتخابية هو ملامستها لبعض محركات السلوك السياسي بالمغرب، والتي يشكل فيها المحرك الجهوي أحد المحركات الهامة نتيجة لعدة معطيات: الإرث التاريخي الذي انطبع دائما بطابع الجهوية. السياسة الجهوية المتبعة من طرف النظام السياسي. الخصوصية الجهوية التي تميز الثقافات السياسية الفرعية بالمغرب. وبالتالي فإن مختلف هذه الاعتبارات لا بد أن تكون حاضرة أثناء دراسة أي عملية انتخابية في المغرب. ومن هذا المنطلق، تجدر الإشارة إلى أن ظاهرة ضعف المشاركة الانتخابية كانت دائما تميز منطقة الريف طيلة كل العمليات الانتخابية التي أجريت بالمغرب؛ فعلى سبيل المثال سجلت الانتخابات الجماعية ل 1960 نسبة كبيرة من الامتناع عن التصويت في هذه الانتخابات، كما أن الانتخابات التشريعية لعام 1970 عرفت نسبة كبرى من الامتناع عن التصويت حتى بلغت في الناظور %80.55. وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التشريعية لعام1977 نسبة % 78 %45.في الناظور و33.11% في الحسيمة. أما في الانتخابات التشريعية لعام 1984 فسجلت نسبة المشاركة في إقليم الناضور 45 %. من خلال هذه الأرقام نلاحظ أن ضعف مشاركة سكان المنطقة في الانتخابات كان سمة غالبة في سلوكهم. ويترجم ضعف المشاركة هذا تعبيرا سياسيا واضحا مادام أن الامتناع عن التصويت – وكما أكد ذلك شمبرجت- يكتسي في أغلب الحالات معنى سياسيا. لذا يحق لنا التساؤل عن مختلف الكوامن التي تتستر وراء السلوك الانتخابي لسكان هذه المنطقة ومدى تأثيرها فيها. ويمكن أن نحدد هذه الأسباب في العوامل التالية: عدم الاندماج الذي يميز المنطقة والحرمان الاقتصادي الذي تعاني منه، وكذا ما يميز المنطقة من روح محافظة. I - الريف كمنطقة غير مندمجة سياسيا: شكلت هذه المنطقة تاريخيا مجالا سياسيا مستقلا، استمد استقلاليته هذه من عدة عوامل، من أهمها كونه شكل معقلا ضد الهجمات الإيبرية، وبالأخص الاحتلال الإسباني؛ كما أن بعده الجغرافي عن السلطة المركزية ووعورة مسالكه عمق من هذه الاستقلالية. وقد تجسدت هذه الاستقلالية من خلال امتناعه عن دفع الضرائب المخزنية، مع الاعتراف بشرعية السلطة المركزية. وبعد فرض الحماية على المغرب، عزلت السلطات الإسبانية هذه المنطقة وفصلتها عن باقي أنحاء المغرب من خلال خلق حدود سياسيةٍ. وبمجيء الاستقلال، تم استرجاع هذه المنطقة وتوحيدها سياسيا مع باقي أطراف المملكة، لكن مع ذلك بقيت هذه المنطقة غير مندمجة كليا مع باقي الأقاليم الأخرى. ومما يعكس عدم الاندماج هذا ضعف المشاركة الانتخابية التي تتميز بها هذه المنطقة وامتناع أغلب سكانها عن التصويت في أغلب العمليات الانتخابية التي عرفها المغرب. ويمكن أن نعزو امتناع سكان المنطقة عن التصويت إلى عاملين سياسيين أساسيين، أولهما العنف الذي مارسته الدولة في المنطقة، وثانيهما عدم تجذر الأحزاب فيها. 1 – عنف الدولة: لقد خاضت المنطقة تجربة قاسية منذ قيام الدولة الوطنية الحديثة؛ فبخلاف السياسة غير المباشرة التي كانت متبعة من طرف سلطات الاحتلال الإسباني، التي وإن لم تكن لها انعكاسات اقتصادية إيجابية على المنطقة فإنها على الأقل لم تكن تتدخل في الشؤون المحلية للقبائل، سلكت السلطات المغربية سياسة ضبطية متشددة وفرضت ضرائب على المنطقة. ولعل شعور السكان المفاجئ بثقل واجبات "المواطنة" وضآلة حقوقها أدى إلى تمرد المنطقة، والذي ردت عليه الدولة ببطش هائل. ورغم نجاح الدولة في قمع التمرد المسلح لسكان المنطقة، فإن "التمرد السياسي" ظل محددا للسلوك الانتخابي. وهكذا سجلت المنطقة أعلى نسبة من الامتناع عن التصويت في أول انتخابات خاضها المغرب المستقل. كما أن الانتخابات التشريعية لعام 1963 سجلت رغم أهميتها أيضا ضعف مشاركة سكان المنطقة، إذ إن نسبة الامتناع عن التصويت بلغت في إقليمالناظور 68 % وفي إقليمالحسيمة 61 %. غير أن ضعف مشاركة سكان المنطقة في هذه الانتخابات لا يعني، كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، رغبة السكان في أي استقلال سياسي أو حنينا "لروح السيبة" التي ولت، بل هو قبل كل شيء محاولة للضغط على السلطة المركزية لإدماج المنطقة. فالتمرد هو تمرد ضد وضعية تهميش اقتصادي وليس ضد وضعية سياسية. ولعل ما يكشف الموقف السياسي لسكان المنطقة انتخابيا مشاركتهم العالية في مختلف العمليات الانتخابية التي لها طابع وطني. وهكذا عرف استفتاء 7 دجنبر 1962 إقبال سكان المنطقة عليه، مصوتين لصالحه بنسبة 98.74% في إقليمالحسيمة و97.99% في إقليمالناظور. ورغم استغراب بعض الباحثين من هذه النتائج وإعطائهم بعض التفسيرات لموقف المنطقة الانتخابي هذا؛ ففهم السلوك الانتخابي لسكان المنطقة في مختلف العمليات الاستفتائية يدخل في إطار "السلوك الإجماعي" الذي يميز الناخبين المغاربة أثناء مثل هذه العمليات. وسكان منطقة الريف لا يشذون عن هذه القاعدة. لكن في الوقت نفسه يتميزون بنوع من التمرد كلما اتخذت العمليات الانتخابية طابعا غير جوهري، وينعكس هذا التمرد من خلال الامتناع عن التصويت. ففي الانتخابات التشريعية لعام 1984 سجلت المنطقة أعلى نسبة من عدم المشاركة، إذ سجل إقليمالناظور نسبة 45% من عدم المشاركة. ويمكن أن نفسر ضعف المشاركة في كون هذه المنطقة عانت من جديد من عنف الدولة إثر أحداث يناير 1984. لكن بالإضافة إلى عنف الدولة كعامل معرقل لاندماج المنطقة سياسيا، هناك عامل آخر يضعف من عملية الاندماج، ويتجسد في عدم تجذر الأحزاب السياسية داخل المنطقة. 2 – عدم تجذر الاحزاب في المنطقة إن إجراء أي عملية انتخابية يحتاج إلى أحزاب سياسية. فالأحزاب السياسية تقوم بتقديم مرشحين عنها وتعمل على التأثير في المواطنين للمشاركة في الانتخابات. ونسبة المشاركة الانتخابية تتحدد بطبيعة الأحزاب ومدى تأثيرها في الناخبين. وهكذا تتميز منطقة الريف بالغياب الحزبي ونفوذ النخب المحلية. أ – الغياب الحزبي: إذا كانت منطقة سوس، التي تتشابه مع المنطقة في عدة مناح اقتصادية وسياسية، قد عرفت بمشاركتها الكبيرة في العمليات الانتخابية، فمنطقة الريف تتميز بضعف مشاركتها الانتخابية رغم ما تجسده من سخط ومعارضة سياسية. ويرجع السبب إلى عدم تمكن أحزاب المعارضة، على الخصوص، من الانتشار داخل المنطقة. وقد ظهر ذلك جليا منذ أحداث 1958، إذ إن تمرد السكان كان موجها ضد السلطة الإدارية وضد حزب الاستقلال الذي كان يجسدها. وبالتالي فيمكن أن يفسر نفور سكان المنطقة من الأحزاب بارتباط عنف الدولة بالصراعات الحزبية داخل الذاكرة الجمعية لسكان المنطقة. لذا سجلت المنطقة غيابا شبه تقريبي لأحزاب المعارضة، وظهر ذلك واضحا في الانتخابات التشريعية لعام 1963، إذ لم يمثل حزب الاستقلال في إقليمالناظور إلا 15 %، وفي إقليمالحسيمة %12، أما الاتحاد الوطني للقوات الشعبية فلم يقدم أي مرشح عنه في إقليمالحسيمة، وانحصرت نسبة تمثيلية في 6 % في إقليمالناظور. كما أنه في الانتخابات التشريعية لعام 1977 بقي دور أحزاب المعارضة محدودا في المنطقة، ما أثر على نسبة المشاركة الانتخابية. وقد ألمع الباحث الفرنسي سانتسي إلى هذه الظاهرة رابطا من خلالها بين ارتفاع نسبة الامتناع عن التصويت وبين ضعف نفوذ أحزاب المعارضة في المنطقة. وفي هذا يقول: "إن المناطق التي تميزت بنسبة أعلى من الامتناع عن التصويت تمركزت على الخصوص في إقليميالناظوروالحسيمة اللذين يشكلان معقلين للمعارضة والاحتجاج، إلى درجة أن أحزاب المعارضة، بما فيها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لم تتمكن من التعبير عنها". ومما يزيد من تأكيد ظاهرة الغياب داخل المنطقة أنه رغم محاولات السلطة تشجيع تواجد بعض الأحزاب، مثل الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية وحزب العمل، داخل المنطقة، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل. أما بالنسبة للحركة الشعبية، فرغم ما عرفته من نجاح انتخابي داخل المنطقة، نتيجة لخطابها الإقليمي وعلاقاتها الشخصية مع بعض أعيان المنطقة، إلا أن نفوذها بدأ يتقلص ابتداء من السبعينيات. ب – نفوذ النخب المحلية: إن ما يزيد في عدم تماهي سكان هذه المنطقة مع الأحزاب هو استمرار وجود نخب محلية، نظرا لما تتمتع به من نفوذ اجتماعي وسياسي. أولا: النفوذ الاجتماعي من المعالم التي تميز النخب الريفية على الصعيد الاجتماعي: الوضعية الاقتصادية المتميزة نتيجة ما تمتلكه من أراض عقارية وما يدره عليها التهريب والاتجار ب"الكيف" من ثروات ضخمة. المنحدر العائلي المتميز، نظرا لانتماءات أفرادها إلى عائلات شريفة. مرجعيتها الإدارية نتيجة تقلد العديد من أعضائها لوظائف مخزنية في الجهاز الإداري الإسباني. وعادة ما تستخدم النخب الريفية نفوذها الاجتماعي لتقديم عدة خدمات لسكان المنطقة، سواء من خلال التوسط لهم لدى السلطات الإدارية، أو تقديم سلفات وقروض وحتى أسمدة للفلاحين المعوزين، مما يجعل سكان المنطقة في علاقة تبعية بهذه النخب. ثانيا: النفوذ السياسي تلعب النخب الريفية دور الوسيط بين سكان المنطقة والأجهزة الإدارية، سواء المحلية أو المركزية؛ كما تلعب دور الوسيط أثناء العمليات الانتخابية. فأهم المرشحين الذين فازوا في الانتخابات كانوا مساندين من طرف هذه النخب، إذ عادة ما تستخدم هذه الأخيرة علاقات الزبونية التي تجمعها بالسكان لكي تنزل بثقلها لصالح مرشحي الأحزاب الذين يترشحون في هذه المنطقة. ومما يؤكد هذه الظاهرة أن نفوذ الحركة الشعبية داخل المنطقة تستمده على الخصوص من خلال عاملين أساسيين: انضمام بعض أعضاء النخب المحلية لها. ربط علاقات شخصية أو صلات متميزة بين الحركة وأعيان المنطقة. II – الريف كمنطقة محرومة اقتصاديا تتميز المنطقة بضعف مواردها الاقتصادية نظرا لضعف إمكانياتها الطبيعية بفعل عوامل التعرية. لكن إلى جانب هذه العوامل الطبيعية المحبطة، عانت المنطقة من تهميش اقتصادي مستمر. ويعود هذا التهميش إلى السياسة الرسمية المتبعة من طرف السلطة المركزية القائمة على إهمال المنطقة وإفراغها. 1 – الإهمال الرسمي للمنطقة إن اهتمام السلطة المركزية بالمناطق الغربية، التي تتجمع فيها أكبر المراكز الحضرية التي تهدد استقرار النظام، ثم منحها الأولوية منذ 1975 للأقاليم الصحراوية، وذلك لأسباب سياسية ودبلوماسية، جعل منطقة الريف تعاني من ضعف الاستثمارات المخصصة لتنميتها، ما جعل السكان يحسون بنوع من الإحباط. وهذا الشعور بالإحباط أدى إلى اتسام السلوك الانتخابي للسكان بسمتين رئيسيتين: السمة الأولى تتجسد في ضعف مشاركة الناخبين في التصويت كنوع من التعبير عن سخطهم على أوضاعهم المعيشية. السمة الثانية تتحدد في التصويت، في حالة المشاركة، على مرشحي الأحزاب الموالية للحكم. كنوع من رغبة السكان في أن يتوسط هؤلاء لدى السلطة لتجهيز المنطقة وتنميتها. لكن يبدو أن السمة الأولى تبقى متحكمة في السلوك الانتخابي لأغلب سكان المنطقة، إذ إن الإحباط عندما يتضاعف لا يولد فقط شعورا بالسخط، بل قد يتحول مع مرور الوقت إلى نوع من اللامبالاة والابتعاد عن الاهتمام ب"السياسة" كليا، بما فيها المشاركة في الانتخابات. ومما يزيد أيضا من ضعف المشاركة الانتخابية للسكان وعورة مسالك المنطقة وصعوبتها، وعدم قيام الدولة بالتجهيزات الطرقية الضرورية. 2 – الإفراغ الرسمي للمنطقة: عرفت منطقة الريف، سواء قبل الاستقلال أو في ما بعد نزيفا بشريا مطردا، نتيجة لهجرة السكان من المنطقة. ومما يثير الانتباه هو ارتباط هذه الهجرة بالأحداث السياسية التي عانت منها المنطقة. ويؤكد عبد الله بارودي هذه الظاهرة بقوله: "إن الهجرات الداخلية والخارجية لمنطقة الريف... لا يمكن فصلها عن التقلبات السياسية التي عرفتها المنطقة منذ بداية القرن 20". ما تتميز به هذه المنطقة ليس فقط كونها منطقة هجرة، إذ في هذا تتشابه مع عدة مناطق مغربية، بل في كونها منطقة "تهجير سياسي". وفي هذا الصدد أكد بارودي أنه "كثيرا ما أعطيت تعليمات للسلطات المحلية لتشجيع سكان الريف على الهجرة نحو أوربا وغيرها من البلدان...". وقد اتخذ هذا التشجيع الرسمي على الهجرة طابعا ممنهجا، الشيء الذي حول منطقة الريف إلى "مصنع كبير لإنتاج اليد العاملة التي تصدر إلى الخارج". ومازالت هذه السياسة متبعة حتى بعد اتخاذ دول السوق الأوربية المشتركة وبعدها الاتحاد الأوربي لإجراءات مشددة لتقنين الهجرة. ويتجلى ذلك من خلال تغاضي السلطات المحلية عن الهجرة السرية. وقد كان من نتائج هذه السياسة أن عددا كبيرا من سكان المنطقة هاجروا إلى أوربا، وبالأخص إلى هولندا وبلجيكا وألمانيا الغربية. وكثير من هؤلاء فقد الصلة بالمنطقة، مفضلا العيش نهائيا في البلد المضيف. ولعل مما شجع على هذا الانفصال هو التسهيلات الأوربية الممنوحة للتجمعات العائلية. كل هذه العوامل أثرت في ضعف المشاركة الانتخابية لسكان المنطقة من خلال: أولا: انخفاض عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية ثانيا: عدم تمكن المسجلين المهاجرين من التصويت في الانتخابات. ثالثا: حتى في حالة التمكن من التصويت، يمكن للناخبين المهاجرين ألا يصوتوا نتيجة لإحساسهم بأن ذلك لن يؤثر على وضعيتهم الاجتماعية والاقتصادية، أو نظرا للإجراءات الجديدة التي اتخذت من طرف بعض الدول الأوربية لإشراك المهاجرين في الانتخابات البلدية. III – الريف كمنطقة محافظة اجتماعيا: هناك عوامل اجتماعية قد تلعب دورا في ضعف مشاركة سكان الريف في الانتخابات. وتتلخص هذه العوامل في روح الانغلاق والمحافظة. 1 – روح الانغلاق: مما يساعد على انتشار روح الانغلاق بين سكان الريف هناك عوامل موضوعية وأخرى ذاتية: أ – العوامل الموضوعية: وتتلخص في المسائل التالية: أولا: الانزواء الجغرافي ثانيا: الموروث الثقافي والتاريخي. ثالثا: طبيعة الهجرة الداخلية وانعكاساتها. ب – العوامل الذاتية: تتجسد هذه العوامل في الشعور السائد لدى سكان الريف بتميزهم عن باقي سكان المناطق الأخرى، وخاصة سكان المناطق الداخلية. ولعل تضافر هذه العوامل الموضوعية والذاتية قد أثر في السلوك الانتخابي لسكان الريف، إذ إن ضعف المشاركة الانتخابية يرجع بالأساس إلى إحساس عام بالعزلة والانزواء، بالإضافة إلى شعور خاص بالتميز. 2 – روح المحافظة يتأثر السلوك السياسي عادة بمجموعة من المعتقدات والسلوكات الاجتماعية نتيجة للأعراف والعادات السائدة. وهكذا فمن أهم ما تتميز به منطقة الريف هي القيود المشددة التي تحيط بوضعية المرأة الريفية. ورغم ما هو معروف من ضعف مشاركة المرأة عموما في الانتخابات، وما هو معروف من مشاركة المرأة المغربية في الحواضر أكثر من مشاركتها في البوادي، إلا أن مشاركة المرأة الريفية في الانتخابات تقل دائما عن نسبة المشاركة الانتخابية النسائية المعتادة في مختلف الأقاليم. ومما يفسر هذا السلوك هو التشبث ببعض العادات والتقاليد التي تمنع المرأة الريفية من المشاركة في الانتخابات، وخاصة زوجات أو قريبات المهاجرين بالخارج. وعموما، فإذا كانت هناك عدة عوامل مختلفة وراء ضعف المشاركة الانتخابية لسكان منطقة الريف، اقتصادية واجتماعية وسياسية، غير أنه يبدو أن العوامل السياسية تؤثر بشكل كبير في السلوك الانتخابي لهذه المنطقة. فهناك دائما ترابط بين الامتناع عن التصويت وروح التمرد على النظام السياسي القائم؛ وبالتالي فرفض المشاركة في الانتخابات يعتبر قبل كل شيء "اختيارا سياسيا". لكن يبقى السؤال المطروح هل ضعف المشاركة الانتخابية لسكان الريف احتجاج على الوضعية الاقتصادية والسياسية المتردية أم افتقاد المنطقة لنخب سياسية تستطيع الاهتمام بالمنطقة وإيجاد التنظيمات السياسية الضرورية التي تتلاءم والخصوصية الثقافية الريفية؟