نقطة ضعف الثورة، أي ثورة، هي رموزها. تبدأ الثورة الاجتماعية قوية، ليس لها قائد واحد محرك، بل مجموعة من المتطوعين الذين يؤطرون المحتجين ويجمعونهم على مجموعة محددة من المطالب. يصعب على الدولة؛ النظام الحاكم، مهاجمتها والتحكم فيها. الثورة تكون مثل الوحش الأسطوري هايدرا؛ متعدد الرؤس الذي كلما قطعت له رأسا نبث إثنان. لكن حين تصير الثورة مركزة في شخص واحد، يسهل آنذاك مهاجمتها. يمكن التشكيك في دوافع الشخص وارتباطاته الخارجية، يمكن تشويه سمعته الأخلاقية، ويمكن إذكاء مشاعر الحسد والطمع والتنافس بين الآخرين الساعين للحصول على منصب الزعامة، ويمكن إعادة توجيه المطالب بالتخويف أو الإغراءات المادية. لنأخذ حراك الحسيمة نموذجا. بدأت الاحتجاجات بمطالب شعبية واضحة لا يمكنك إلا أن تتعاطف معها، فكلنا في هذا المغرب سواء. لكن فجأة بدأت الأضواء تسلط على شخص واحد، لا غير، باعتباره رمزا وممثلا للحراك. وهنا بدأت المشكلة. من جهة بدأت المواقف الشخصية الذاتية لرمز الحراك تتداخل مع المطالب الاجتماعية الصرفة لأهل الحسيمة، فأزعج ذلك المتعاطفون مع الحراك الذي يختلفون مع المواقف الفكرية والأخلاقية لرمز الحراك، فبدأ تخوفهم من استغلال الحراك لأغراض خفية، فبدأ حماسهم للحراك يخفت. من جهة أخرى، صار سهلا على أصحاب المقاربة الأمنية في الدولة مهاجمة الحراك من خلال التشكيك في الدوافع المحركة لدى رمز الحراك، وتشويه سمعته، ثم توجيه النقاش الإعلامي من الحديث عن الإصلاحات إلى الحديث عن محاكمة رمز الحراك المعتقل. من جهة أخرى، تحولت أضواء الإعلام للتركيز على، أو بالأحرى صناعة، رمز آخر للحراك، ذي مواقف فكرية تختلف عن سابقه. وهو ما يدفع زمرة من المتعاطفين مع الحراك إلى الشك في أن النظام هو ذاته من يتحكم في الحراك ويصنع رموزه لتوجيه المطالب كما يشتهي. طالما تبقى الثورات والحركات الاحتجاجية شعبية التوجه والتوجيه، لا يسيطر عليها شخص أو أشخاص قليلون باعتبارهم رموزا ممثلة، فإنها لا شك ستكون أقرب للنجاح منها إلى الفشل. لكن حين تصير للثورة رموزها، تصبح سهلة العطب سهلة الاختراق، واحتمال فشلها أكبر. *كاتب، قاص وروائي