يكتسي شهر رمضان بالنسبة إلى ساكنة إقليم اشتوكة آيت باها فرصة استثنائية، تجمع بين العمل الدنيوي الاعتيادي والديني الروحي، فتجري الاستعدادات لاستقبال أولى أيام الصيام بقصد الأسواق المحلية، من أجل التزوّد بقائمة المقادير التي يستوجبها إعداد الأطباق و"الشهيوات" التي تؤثث عادة المائدة الرمضانية للأسر في هذا الإقليم. فإن كان لغزو التكنولوجيات الحديثة وانتشار الإنترنت الذي أصبح مُتاحا للجميع، فضلا عن النزوح البشري إلى إقليم اشتوكة آيت باها، بفعل طبيعته الفلاحية المستقطبة لليد العاملة من مختلف مدن وأرياف المغرب، التأثير المباشر على العادات الغذائية للساكنة الأصيلة لاشتوكة، لاسيما في هذا الشهر الفضيل، إلا أن بعضا من قرى الإقليم لازالت تحتفظ بطقوس وعادات ضاربة في عمق التاريخ، وقفت سدّا منيعا أمام ذلك الغزو. بالمنطقة الجبلية لاشتوكة آيت باها تُفضّل غالبية الأسر إعداد الحساء "أزكيف" المصنوع من دقيق الذرة، أو الشعير، وغالبا ما يكون مما تجود به بعض المستغلات الزراعية المعيشية داخل عدد من الواحات المنتشرة بالمنطقة، كخميس آيت موسى، وتاركا نتوشكا، وواحة تاكوشت وغيرها، مع امتياز هذا الحساء بخلوّه من أي نكهات أو إضافات اصطناعية أو أي صنف من القطاني أو غيرها. وكغيرها من الموائد الرمضانية المغربية، يُعتبر التمر أحد المكونات الأساسية للمائدة الشتوكية، وحضوره النوعي نابع من قيمته الغذائية العالية، لاسيما بعد يوم كامل من الصيام. كما يحضر الحليب الطبيعي، ومصدره أبقار من سلالة "البلدي"، ويُشرب باردا أو ساخنا مع إضافة القهوة "المنسمة" بمختلف أنواع الأعشاب. وتمتد مائدة الإفطار هنا باشتوكة إلى التزيّن بمختلف أنواع "الشهيوات" الرمضانية، التي غالبا ما تُقتنى من أسواق المدن المجاورة؛ وذلك لتجاوز انشغال المرأة الجبلية بأمور البيت إلى أعمال خارجية كالفلاحة. وملاحظ أن موائد الشهر الفضيل في الدائرة الجبلية لاشتوكة آيت باها تُحافظ على مكوناتها المعتادة في نظيراتها بباقي الربوع المغربية، فباستثناء الركن الأساسي للمائدة الرمضانية، الحساء أو "الحريرة" "أزكيف"، فإن تغييرات تكاد تكون طفيفة تُضفى عليها، إذ يُعدّ خبز "إنكان"، وهو الذي يتم إعداده بإلصاق العجين في جدار فرن طيني نصف دائري، أحد أعمدة العشاء الجبلي، مع حضور "طواجين" لحم الماعز، المعدّة بزيت الأركان، وفوق نار فحم هادئة. وفي ماسة، غرب اشتوكة آيت باها، تُعد الحركة الدؤوبة بالمطاحن التقليدية والروائح الزكية التي تنبعث منها أحد أبرز مؤشرات قرب حلول شهر رمضان، فالساكنة، وفقا لمحمد أفزضاض، المهتم بالشأن التراثي، تُسابق الزمن قبل حلول شهر شعبان، ويسود الاستنفار من أجل إعداد دقيق "أكرن إجان"، الذي يُعدّ أساسيا ضمن قائمة المستلزمات الغذائية في وجبتي الفطور والسحور. "إكرن إجّان" أو دقيق البندق، يتميّز تحضيره في ماسّة، يقول محمد أفزضاض، بإلزامية حضور نبتة "المرسيطة"، أو "تمِيجّا" بالأمازيغية، التي تنمو بجوانب المجاري المائية بالواحة، ويتم إعداده بطهي حبوب الشعير عن طريق بخار الماء، والتي تُحصد قبل أن تيبس السنابل، ثم تُجفّف تحت أشعة الشمس وتُحمّص، قبل أن تُطحن مع "تميجّا". وتسود قناعة راسخة لدى أهالي المنطقة حول الأهمية الغذائية القصوى لهذا الدقيق في العادات الغذائية المحلية. وبالنظر إلى دور اللبن في مقاومة العطش ووظائفه الغذائية والطاقية الكثيرة، يجري مزج "أكرن إجان" به، للحصول على خليط يُدعى "المريس"، كما يمكن استعمال الماء في العملية. و"المريس" يضيف محمد أفزضاض، أحد أهم ما يعتلي مائدتي الإفطار والسحور الماسية، "وحتى المناطق الجبلية في اشتوكة آيت باها، التي لازالت مُحافظة على كثير من التقاليد العريقة في جانب النظام الغذائي في شهر رمضان، دون إغفال خلط "إكرن إجان" بالسمن للحصول على عجينة "لبسيس" اللذيذة والمغذية". ولازالت العديد من الأسر في اشتوكة آيت باها، لاسيما تلك التي لازلت تقطن بالبيوت المبنية بناء تقليديا، تعتمد على أساليب طهي بالوسائل التقليدية، كالحطب والفحم، وذلك وسط مطبخ مُخصّص لذلك، يُدعى "أنوال"؛ فما إن تحلّ أوقات تهييء الإفطار حتى تتصاعد الأدخنة من تلك البيوت، إيذانا بالشروع في إيقاد النار التي تفرض أوان خاصة، يعلوها السواد من كل جانب، غير أن أنها تُضفي مذاقا ونكهة خاصة على الأطعمة والخبز وحساء الذرة وكل ما يُطهى عليها.