الكلمة هي وثيقة تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية ، ولن تكون هذه الكلمة إسما أو فعلا أو حرفا إن فقدت حريتها في الإطار المنظم للحياة البشرية. وكما هو معروف فالحرية والجريمة اسمان متناقضان ملازمان للإنسان، فلا حرية له إذا انتشرت الجريمة وبالتالي فلا حرية للكلمة إذا لم تقيد الجريمة وتقبر أسبابها . لكن علينا أن نحسن ألاختيار بين الحريتين ، السلبية الضارة وألإيجابية النافعة : "" - فالحرية المطلقة، قولا أو فعلا ، التي لا تخضع لأي منطق كما طالب ويطالب البعض هي نظام غابوي تصبح معه هي نفسها جريمة مطلقة تيسر أسباب تدمير الإنسان روحيا وعضويا وهذه هي الحرية السلبية سلاح أعداء العرب والعربية والمسلمين والإسلام لتفكيكنا أفرادا وجماعات . - أما الحرية الناعمة الملتزمة بحرية الآخرين تبدأ من محيط الشخص وتنتهي عند حدود حرية الغير تخضع لاعتبارات فكرية وجغرافية تتعايش في ظلها كل البشرية بكل اللغات عبر كل الأزمنة والعصور . وهذه هي الحرية الإيجابية النافعة تخرج من رحمها الكلمة الحرة لتكون الحد الفاصل بين الحق والباطل. فحرية الكلمة الإيجابية تنفع ولا تضر مهما تعددت واختلفت مصادرها، وهي البذرة المباركة للحرية السياسية الصامتة التي تنجب حرية الضمير والتفكير، وحرية الإبداع والاختراع، وحرية الاجتهاد والتنافس الشريف، لتنتج القوة الاقتصادية وكل القوات ذات الصلة . ولا يتأتى كل هذا إلا بالديمقراطية ألمطلقة ، النظام الرشيد للتسيير ألأسري والمجتمعي والإداري وهي نهج للحياة البشرية هدفها إعادة الحقوق لأصحابها : في الرأي وفي الحكم وفي الإقتصاد ... لأن في الديمقراطية تكمن العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وهذا هو سر قوة وخلود الأمم . فبالديمقراطية الحقيقية أنقذت الدول المتقدمة شعوبها من التخلف والفقر فتقوت شوكتها: بها تحولت أسبانيا في وقت وجيز من بلد يصدر المهاجرين إلى بلد ينتحر من أجله الآلاف من كل البقاع ، وهي التي أسقطت وتسقط حكومات معادية لنا حسب مفهومنا وتأتي بأخرى نتوهمها منقذتنا . فمهما تحجرت عقليتنا وعميت قلوبنا لا يمكن أن ننكر ما أنجزته هذه الديمقراطية - التي نعاني الأمرين من عقدتها- في أمريكا وأروبا وشرق آسيا، والزلزال الذي أحدثته ضد الفقر والتخلف والأنظمة الفاسدة في كل البلدان التي آمنت بها ... إنها ديمقراطية الشعوب أم الكلمة الحرة النافعة وليست ديمقراطية المغاربة. وما يهمنا من هذه المعادلة المعاكسة هي حرية الكلمة الإيجابية والديمقراطية المطلقة الصامتة وليست هذه الحكومة أو تلك الدولة .. فالسياسات الإستراتيجية لهذه الدول شرقية كانت أم غربية المعادية للعرب والمسلمين منقوشة على أدمغة شعوبها منذ أن قامت ولن تتغير بتغير حكامها حتى وإن سلمناها أوطاننا أرضا وبشرا .. وتملقنا لهم ما هو إلا نتيجة طبيعية لضعف شخصيتنا المبنية بلعاب شهواتنا وملذاتنا على أسس سذاجتنا . فضعفنا مرتبط بقوتهم التي اكتسبوها بحرية الفكر والكلمة ، والتمرد على الجاه والسلطان ، فأنجبوا علماء عمالقة أخرجوا شعوبهم من العصور المظلمة ونصبوهم أسيادا لنا فوق مقدساتنا، لهم الأمر وعلينا الطاعة نائمين في سبات عميق نلتقط سلبياتهم بغباء أعمى ونردد بضجيج شعارات ببغائية تكسر أدمغة أطفالنا في كل المواسم والفصول... فأين وجه الشبه بين ديمقراطيتهم وديمقراطيتنا يا ترى ؟؟ فالأولى أثمرت الغنى الفكري والمادي وكرمت شعوبها... والثانية أنجبت منافقين ومزورين وخونة ولصوصا ومجرمين وسلبت الشعب سيادته وكرامته... وألقت به في أسفل الترتيب . محمد المودني . فاس ( نونبر 2006 )