لا يمكن الحديث عن العادات والتقاليد دون أن تأتي حاضرة مراكش مزهوة على رأس قائمة المدن المغربية، التي تختزن ذاكراتها الكثير من العادات. كغيرها من المدن العتيقة، تحتفظ مدينة سبعة رجال بعادات وتقاليد خاصة بكل مناسبة، ولذلك اعتاد المراكشيون مع حلول شهر شعبان رؤية مظاهر الاحتفال بطقس شعبانة داخل السور. يحيل مفهوم "شعبانة"، في الثقافة المغربية، على عدة طقوس وعادات لدى المجتمع المغربي تتوحد في الدلالات والرموز الدينية والروحية لذكرى "تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الحرم المكي"؛ لكن هذا المعنى الديني تحول بفعل الزمن، ليضفي على هذا الموروث الشعبي المغربي معتقدات غريبة، كشرب الخمر أو الرقص أو "الجذبة". فما هي خصوصية شعبانة؟ وبأي معنى يمكن الحديث عنها؟ هل ما زالت تعيش معنا اليوم؟ أم أنها انقرضت وتم التفريط فيها؟ إلى أي حد يعتبر هذه الاحتفالات، تعويضا سيكولوجيا مسبقا استعداد للتعبد في شهر رمضان؟ أسئلة حملتها هسبريس إلى حرفيين وسيدات عايشن هذا الطقس، لتنقل لقرائها بعضا من عادات بهجاوة خلال شهر شعبان. "نهار على نهار حتى يجي سيدي رمضان"، هكذا أجاب المعلم بن الحاج هسبريس بباب الدباغ داخل أسوار المدينة القديمة، مضيفا أن ""شعبانة" احتفال كنا نقوم به، منذ بداية شهر شعبان إلى نهايته، بالجنانات والعراصي، ومولاها ربي"، يقول المعلم علي بلكنة مراكشية، بعدما التحق بمقر فيدرالية الدباغيين، حيث التأم جمع من الحرفيين. إن حفل "شعبانة" طقس دأب عليه الحرفيون، حيث يتطوع أحدهم ويقترح المكان ويهيئ المأكولات، لينطلق أصحاب الدليل والأمداح النبوية، والدقة المراكشية طلية النهار، يحكي المعلم حسن العكرومي رئيس فيدرالية الدباغيين لهسبريس. ويضيف المعلم حسن متأسفا على ما فات: "النساء يحتفلن بطريقتهن داخل المنازل، بحضور الهواريات واللعابات"، مشيرا إلى تنوع طرق الاحتفال بشعبانة، إذ هناك من يقضي اليوم كله، ومن تقتصر على نصف يوم، يقضيها الحرفيون بعرصة مولاي عبد السلام، أو بعرصة الرشيدية وبلقاضي وبن درة والمحيطة وبن المحايط وعرصة بومنقار، ناشطين استعدادا لشهر العبادة الغفران. فرمضان كان بالنسبة للصناع التقليديين عهد آخر، يختم الموسم الحرفي ولحظة مليئة بالقيم كالقناعة، يشير العكرومي إلى أن الزمن الماضي كان لكل شيء معنى، لأن المعلم كان مصدر عيش 10 أسر، أما اليوم فالحياة بدون ذوق ولا لذة، بسبب الوضعية الاقتصادية. يتدخل المعلم بلحاج على خط المحادثة، متكئا على عكازه وهو يحرك رأسه متأسفا على ما مضى من أيام الممتعة، فيقول: "كانت الأكلات تتنوع بحسب تعدد الفصول التي تصادف شهر رمضان؛ ففي ففصل الشتاء يتم تحضير الكسكس بسبع خضار، وفي الربيع يحضر ب"أزنبو"، إلى جانب "باداز"، وهكذا دواليك"، يختم الحرفي ذاته. لا لا أمينة لمغاري من العائلات المراكشية ذات الامتداد الروحي، حكت لهسبريس مستحضرة ما عاشته مع أمها وصديقاتها بالبيوت الكبيرة داخل المدينة العتيقة، أن للنساء مهمتين خلال شهر شعبان، أولاها التحضير "لبابا رمضان"، كتنظيف المنزل وتصبين الملابس والأفرشة، وتحضير "الأكلات والشهيوات"، كمن يستعد لشهر الفرح. الوجه الآخر لنشاط النساء هو اجتماعهن لدى إحداهن لحظة قيامها بحفل النقش، لإحياء طقس "شعبانة"، عبر آلية التكافل والتضامن ماديا ومعنويا، تورد لمغاري، وإن كانت السيدة من علية القوم، فإنها تحضر قفطانا مغربيا، يلبس استعدادا لاستقبال صديقاتها اللائي سيباركن لها حول شهر الغفران. أمام الفتاة الحديثة العهد بالزواج، فإن أهلها يقومون بتحضير المأكولات وكل ما سيستعمل في اليوم الأول من رمضان، كأواني الحريرة والتمر والشباكية، وتحمل هذه المواد في "الطيفور" المغربي إلى بيت العروس، أما المخطوبة ففي منتصف شعبان تتلقى من خطبيها دجاجا بلديا وحلوى الشباكية، أي ما يسمى ب"التفكيدة". وتضيف لمغاري: "بعد قيام النساء بالأعمال الشاقة بفرح وسرور، ينظمن حفلات "لوناسة" من تنشيطهن أو باستدعاء فرق اللعابات والهواريات"، للترويح عن النفس، رقصا وغناء وهذا الترفيه في شقه النفسي إشباع للجانب الغريزي للإنسان، على اعتبار ان شهر رمضان يلجم بعضا من هذه الممارسات الاجتماعية.