لعل من أبرز الخصوصيات الحضارية التي تميز مدينة مراكش والمدن العتيقة المغربية عن باقي المدن لباسها التقليدي وجماليته، والصناعة التقليدية التي كانت منتشرة بالطالعة وسوق السمارين، وشكلت جزء أساسيا من هوية بهجة الجنوب، وصلة وصل بين الماضي التليد والحاضر الذي يعج بالتغيرات التي لحقت نمط عيش بهجاوة. وتظهر أهمية الحرف التقليدية بمدينة مراكش من خلال أسماء العديد من الأحياء والأزقة بالمدينة القديمة، حيث نجد الصفارين والنجارين والفخارين والحدادين والمشاطين. وإذا كانت العديد من هذه المهن تراجعت، فإن حرفتي الخياطة وصنع "البلغة" لازالتا تقاومان، وتنتعشان خلال شهر رمضان وعيدي الفطر والأضحى. حرفة الخياط التقليدي (القشاشبي) وصانع "البلغة" التقليدية تعتبران رأسمالا يميز مدينة مراكش، ومصدرا للحضارة والفن، وثقافة تعبر عن شعب بأكمله، لأن الحرف التقليدية المغربية بمثابة مرآة تعكس تراثا ضخما وقيما ثقافية وإنسانية مهمة، ترتبط بعادات الشعب المغربي، وتعبر عن إبداعات الصانع الذي كان ينتج ما يلبي الطلب المتزايد في الماضي. وبالنسبة لحسن العكرومي، رئيس فيدرالية الدباغين، فإن صناعة "البلغة" منعدمة بمدينة مراكش، لأن الدباغ المراكشي لم يعد ينتج جلدها، مستدلا بتراجع ثمن "الدانيرة" و"تفراوت" من 80 درهما في الماضي ليصبح بين 25 و30 درهما. وأرجع المعلم حسن ذلك إلى تركيبة "البلغة" الحالية، التي تتكون من جلد غير خاص بها؛ "لأن الدباغ يحضر أنواعا من الجلد، وكل صنف يخص مجالا معينا، ما يعني أن صانع اليوم يلجأ إلى جلد غير الذي يجب أن يوظف في إنتاج "التفراوتية"، على سبيل المثال، كما يستعمل "الملف ولاكروط" في تبطينها عوض الجلد، وهو ما يسبب مرض الحساسية لمن يلبسها"، وفق تعبيره. وأوضح العكرومي أن "البلغة" التي يستهلكها سكان البهجة مصدرها من مدينة فاس، لأن الجلد "الزيواني" الخاص بها لم يعد ينتج بباب الدباغ ببهجة الجنوب، ما دفع تجار السمارين إلى استيرادها من العاصمة العلمية، لأن طريقة تحضير هذا النوع من الجلد شاقة، وتحتاج إلى عناية ودقة في الدباغة، مشيرا إلى أن العديد من الصناع غادروا الحرفة إلى مهن أخرى. وخلال حديث هسبريس مع رئيس الفيدرالية سابق الذكر، دخل حرفي آخر يحمل "بلغة" اشتراها من السمارين، فعلق المعلم حسن على الأمر قائلا: "كزار ومعشي باللفت"، كناية عن عجز شباب باب الدباغ عن تحضير الجلد الخاص بإنتاج "البلغة"، وزاد مقترحا للحفاظ على هذه الحرفة إنشاء وحدة لغسل الجلود، لإنقاذ الدباغ الذي أصبح يعمل بالمجان، والحفاظ على الرأسمال الرمزي لمدينة مراكش السياحية. من جانبه قال عبد الغني مناف، وهو خياط ملابس تقليدية بقلب سيدي يوسف بن علي، حيث تعم الهشاشة، إن الطلب خلال شهر رمضان يكون غير اعتيادي لزبناء يظهرون سخاء منقطع النظير، خلافا لباقي شهور السنة، مستدلا على ذلك بكون 80 بالمائة منهم يقبلون على خياطة الملابس التقليدية. وسجل مناف أن "الجلباب يبقى الزي الأكثر شعبية خلال شهر الغفران، إضافة إلى الفوقية والجبدور"، موردا أن النساء من الفئة الميسورة تتنوع طلباتهن بين الجلباب والجبدور والقفطان، ومشيرا إلى أنهن يلبسن الأخير داخل المنزل والجلباب خارجه، في حين يبدأ الطلب في الارتفاع بشكل ملحوظ خلال شهر شعبان. وأورد الخياط سابق الذكر أن اللباس التقليدي استطاع الحفاظ على بريقه وأصالته، باعتباره وسيلة لإظهار البعد الروحي لشهر رمضان، مبرزا أن مهنا عدة تنتعش بهذه المناسبة، كصناعة "الظفيرة والسفيفة"، ومشيرا إلى أن الزبناء يقبلون على أثواب تناسب فصل الصيف ك"المليفة" والخرقة "البزيوية". أما فاطمة، وهي مهندسة بالقطاع الخاص، فترى أن اللباس التقليدي كلباس محتشم وسيلة لإظهار نوع من الارتباط الديني، باعتباره أفضل ما يستعمل خلال شهر رمضان لأداء الصلاة، مؤكدة تشبث المراكشيين بالعادات والتقاليد، رغم اللباس العصري الذي يفرض نفسه عليهم، بسبب ارتباطهم المهني.