يشكل أصحاب الهمم " ذوي الإعاقات" نسبة مهمة من النسيج العربي عموما والمغربي على الخصوص، ويتعاظم يوم عن يوم حجم المعاناة والصعوبات في طريق هذه الفئة في غياب تام لسياسة ناجعة لإدماجهم في المجتمع ورفع الحيف والظلم عنهم. ولأن أي سياسة إدماجية لهذه الفئة لا يمكن أن تقوم دون إطار منهجي موجه ، وفشل العديد من محاولات الإدماج شاهد على هذا الطرح، فقد ارتأيت أن أدشن سلسلة مطارحات علمية ومعرفية مختصرة أحاول من خلالها ما أمكنني ذلك وضع أساس منهجي قائم على تجربة ومعاناة حتى نخرج من المحاولات الهامشية الترقيعية في الإدماج إلى مقاربات أكثر عمق وشمولية. فلا يكاد يمر بنا يوم إلا ونطالع فيه مقالا مكتوبا أو شريطا مرئيا أو تقريرا صحفيا يناقش وضعية الأشخاص في وضعية إعاقة، ويجلي معانتهم وما يكابدونه داخل مجتمعاتهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بأي منهج تقارب القضية ما المرجع المحدد لهذه المقاربات؟، ما الأهداف؟ ، ما الوسائل والآليات المنهجية لتحقيق هذه الأهداف؟؟ ومنذ أن وعيت بنفسي باحثا مهتما بقضايا الأشخاص " المعاقين " وأنا أتابع ما يكتب وما يبث في هذا المجال انطلاقا من معطيين اثنين: الأول هو أني أنتمي إلى هذه الشريحة المهمة من نسيج مجتمعاتنا العربية ، وثاني لكوني أبحث عن مقاربة شمولية مستوعبة لقضايا الأشخاص المعاقين. والواقع أن جل هذه الكتابات إن أبالغ فأقول كلها، لم ترق إلى المستوى المطلوب في معالج القضية ، وضلت على احتشام تقاربها من زوايا محدودة ومقتصرة في الغالب على الجانب الحقوقي الذي تقزم بدوره في هذه المطارحات وتضاءل ليقتصر على حقوق تجاوزتها الشعوب المتقدمة وصارت لديها مما يعلم من الحقوق بالضرورة في حين لا تزال في مخيلة كتابنا محض أحلام. دعونا في بداية هذه المطارحات العلمية المختصة أن نحدد إطارا مصطلحيا للتفاهم ، كثرت التسميات الواصفة لهذه الشريحة من المجتمع بين مصطلح " معاق " الذي من معناه الظاهر يشي بحقارة التسمية والمسمى، وبين مفهوم " ذوي الاحتياجات الخاصة" وهو الآخر محاولة تلفيقية تنميقية بغرض إظهار بعضا من " النفاق الاجتماعي " اتجاه هذه الفئة ، أستدرك فأقول: حتى مفهوم "الفئة" في حد ذاته هو مفهوم قادح ذو صبغة عنصرية ترمي إلى حصر هذا الإنسان في زاوية منعزلة عن المجتمع. إن التسميات في نظري المتواضع وعلى تعدد صيغها ومستوى تركيزها التركيز بمعناه الفيزيائي حتى لا تخدش شعور هذا الإنسان فهي لا تعدو أن تكون تسميات منحطة مُحطة بكرامة وآدمية هذا الإنسان الذي اختاره الله تعالى ليكون محط ابتلائه. إذن فقضية التسمية ينبغي أن تكون أول ما يشار إليه في المقاربة الشمولية لقضية الأشخاص ذوي الهمم، مقاربة تتجاوز هذا التفيء مهما كانت ضرورته ودواعيه، أو على الأقل إجاد مصطلحات أكثر ذوقا وسموا في مخاطبتهم. قضية الانحطاط في مخاطبة الأشخاص ذوي الهمم قضية لا تقتصر على العامة فقط بل انتقلت لتشمل النخب المثقفة وشبه المثقفة، أذكر يوما أني ذهبت لقضاء غرض إداري بنيابة وزارة التعليم ببني ملال وقبل دخولي وفي مصلحة الاستقبال، طلبت من موظفة أن تبلغ المدير برغبتي في لقائه، حملت سماعة الهاتف وقالت بعامية مغربية مغرقة في الاحتقار:" سي المدير واحد المعاق بغا يشوفك" لم يأذن المدير في دخولي ورجعت بإهانة حارقة تمثلت في كلمة اهتز لها الكيان في إدارة يفترض أنها " نخبوية " ويفترض أنها منارة للعلم والمعرفة ترسخ في عقول وقلوب النشأ أن المعاق معاق الهمة لا الجسد. المعول عليه في تنزيل هذه الثقافة ، ثقافة نبذ المسميات المجحفة هو المجال التعليمي في كل مستوياته من أجل تربية الأجيال تؤمن بمبدأ التعايش والتلاقح بين مختلف طبقات المجتمع وتنبذ مختلف المسميات التي تنم عن حس عنصري إقصائي. وإلى حين أن يتحقق هذا الرجاء الذي قد يبدو للبعض صعب التحقق إلى ذلك الحين نضطر مكرهين من أجل التخاطب والتفاهم أن نستعمل لفظة " معاق " واشتقاقاته حتى يسهل الفهم وتتضح الرؤى.