يعتبر الشيك وسيلة أداء فعالة متى توفرت المؤونة، ولعل هذا ما جعل التجريم في مادة الشيك يرتبط أساساً بحالة عدم توفر أو عدم كفاية المؤونة؛ بحيث كان الهدف دائماً هو تعزيز الثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية، غير أن تمديد التجريم والعقاب إلى المجال الصرفي لم يكن يوماً محل إجماع؛ إذ ينادي البعض بإبقاء الشيك ضمن مجاله الصرفي بعيدا عن الزجر والمتابعات الجنائية، في حين يرى البعض الآخر ضرورة الإبقاء على جرائم الشيك حماية للثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية. ويستند أصحاب الرأي القائل بإلغاء جرائم الشيك إلى مجموعة من المبررات؛ أهمها أن التجريم لم ينجح في الحد من ظاهرة الشيك بدون رصيد وشيكات الضمان، أو على الأقل إبقائها في رقم ثابت، وأن إلغاء التجريم يرفع نسبة الاستبناك نتيجة تشجيع الناس على التعامل بالشيك وعدم التخوف من المتابعات الجنائية، وأن الكمبيالة تفوق مبالغها في العادة المبالغ المضمنة بالشيكات، دون أن تكون مؤيدة بجزاء جنائي ومع ذلك لازالت تؤدي دورها ومازالت تحظى بثقة التجار، فضلا عن أن المستفيد يتوفر على عدة آليات وطرق لحماية حقوقه، ولاسيما عبر الدعوى الصرفية. في المقابل، يرى أنصار الإبقاء على جرائم الشيك أن التجريم والعقاب ضرورة أمام تفشي ظاهرة الشيك بدون مؤونة وشيكات الضمان، وأن ذلك هو ما يضمن احتفاظ الشيك بخصائصه كأداة وفاء وتمييزه عن الكمبيالة والسند لأمر، خاصة وأن بعض الدول الاقتصادية الكبرى كالولايات المتحدةالأمريكية لازالت تجرم الشيك بدون رصيد وتفرد له عقوبات صارمة دون أن يؤثر ذلك على المعاملات الاقتصادية والتجارية، فضلا عن اختلاف واقع الدول التي ألغت تجريم الشيك والعقلية السائدة فيها عن واقع المغرب، ففرنسا مثلاً رغم أن تشريعاتها كانت دائماً مصدراً للتشريع المغربي في مجال المال والأعمال، إلا أن واقعها الاقتصادي يختلف تماماً عن الواقع الاقتصادي بالمغرب؛ إذ يكفي أن نذكر أن نسبة الاستبناك بفرنسا هي 99% في حين إن هذه النسبة لا تتعدى 68 %في المغرب (بحسب تقرير بنك المغرب لسنة 2015). موقف التشريعات المقارنة من جرائم الشيك يتضح من خلال مطالعة مجموعة من التشريعات المقارنة أن هناك خيارين تشريعيين أساسيين؛ أحدهما يبقي على جرائم الشيك غير أنه يوسع من دائرة تدابير الوقاية وبدائل المتابعات والعقوبات الجنائية، والثاني يلغي التجريم في مادة الشيك ويعول أساساً على تدابير الوقاية وتحفيز الساحب من أجل تسوية وضعية حسابه بمجرد وقوعه في أحد عوارض الأداء. ومن بين التشريعات التي أبقت على جرائم الشيك مع اعتماد بدائل المتابعات الجنائية، نذكر التشريع المصري الذي وإن كان قد نص على عقوبة مجموعة من جرائم الشيك، إلا أنه سمح للضحية أو وكيله الخاص بالصلح في جرائم الشيك المنصوص عليها في المادة (534) من قانون التجارة المصري، ويترتب على الصلح في هذه الحالة انقضاء الدعوة الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الإدعاء المباشر، وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها ولو بعد صيرورة الحكم باتاً. من جهته، التشريع التونسي وإن كان يعاقب على جريمة الشيك بدون رصيد، فإنه وبموجب القانون رقم 36-2007 الصادر بتاريخ 04/06/2007، قد ضيق من مجال جرائم الشيك ووسع في المقابل من تدابير الوقاية وإمكانيات تسوية حالات الشيك بدون مؤونة؛ بحيث يعطي القانون التونسي للساحب ثلاث فرص لتسوية الوضعية قبل إجراء المتابعات الجنائية، وفي جميع الأحوال يمكن للساحب تسوية الوضعية ولو بعد المتابعة، وتوفير مؤونة الشيك قبل صدور حكم في القضية يوقف الدعوى العمومية. في المقابل، ذهبت تشريعات أخرى إلى إلغاء جرائم الشيك كقاعدة عامة تتخللها بعض الاستثناءات، كما هو الشأن بالنسبة لدول الاتحاد الاقتصادي والمالي لغرب إفريقيا (UEMOA) الذي قرر إصدار قانون موحد رقم 48-2008 من أجل إلغاء الجرائم المرتبطة بالشيك في تشريعات الدول الأعضاء، ولاسيما جريمة عدم توفير مؤونة شيك، وعزز، في المقابل، تدابير الوقاية والجزاءات المدنية؛ بحيث تم تشديد أحكام المنع البنكي، وجعل من البنوك شرطة اقتصادية موكولا إليها دور كبير في الحد من حالات عدم توفير المؤونة، عبر الالتزام بالإخطار بجميع عوارض الأداء والتحري عن الزبناء وعدم تمكينهم من صيغ الشيكات في حالة وجودهم في حالة من حالات عوارض الأداء، وكل ذلك تحت طائلة المسؤولية المدنية والجنائية للمؤسسة البنكية، واحتفظ ببعض جرائم الشيك التي تضعف الثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية، خاصة في حالة سحب شيكات رغم وجود الساحب تحت الحظر البنكي. وهو المنحى نفسه الذي سلكه القانون الفرنسي الذي قنن جريمة الشيك بدون رصيد منذ سنة 1917، إلا أنه وأمام ارتفاع حالات عدم توفير مؤونة الشيك (حوالي 10 ملايين حالة في السنة الواحدة)، اضطر المشرع الفرنسي إلى تعديل المقتضيات الخاصة بالشيك بمقتضى القانون رقم 1382-92 الصادر بتاريخ 30 ديسمبر 1991؛ حيث اعتمد مقاربة تقوم على عنصري الوقاية والتحفيز على تسوية عوارض الأداء كبديل للعقوبات الجنائية مع الاحتفاظ ببعض الجرائم لضمان تحقيق الأهداف المرجوة من رفع التجريم والاستعاضة عنه بالتدابير الوقائية؛ إذ عاقب خرق الحظر البنكي وسحب الرصيد مباشرة بعد إصدار الشيك بنية الإضرار بالغير والتعرض على الشيك بدون مبرر بنية الإضرار بالغير وتزوير وتزييف الشيك. وبحسب التقرير الذي قدمته الحكومة الفرنسية للبرلمان حول نتائج تطبيق القانون سالف الذكر، فإن حالات عدم توفير مؤونة الشيك انخفضت بنسبة 16,6%؛ بحيث تم تسجيل 9 ملايين شيك بدون مؤونة سنة 1991، بينما لم يسجل خلال سنة 1993، أي بعد سنتين على دخول القانون الجديد حيز التنفيذ، سوى 7,5 مليون شيك بدون مؤونة، وهذا ما جعل الحكومة الفرنسية تخلص في تقريرها إلى أن قانون إلغاء جرائم الشيك وتدعيم آليات الوقاية، وخاصة المنع البنكي، قد حقق الغايات المرجوة منه. الحلول الممكنة في ظل التشريع المغربي يأخذ المشرع المغربي بمقاربة تزاوج بين الوقاية والزجر، من خلال الإبقاء على جرائم الشيك وتدعيمها في الوقت نفسه بتدابير وقائية الهدف منها التقليص من حالات عوارض الأداء وانعدام المؤونة. ورغم ما أقدم عليه المشرع المغربي في مدونة التجارة لسنة 1996 من تعديلات بغية الحد من حالات عدم توفير مؤونة الشيك، فإن الشيك بدون رصيد وشيك الضمان مازالا يشكلان ظاهرة إجرامية مستفحلة، وعدد القضايا المرتبطة بهذا النوع من الإجرام ما فتئ يرتفع ويرهق كاهل المحاكم؛ إذ انتقل عدد قضايا الشيك من 17712 سنة 2010 إلى 27901 قضية سنة 2016. ومع ذلك، ورغم أن المعطيات الاحصائية تؤكد أن آليات الوقاية التي أخذت بها بعض الدول حققت نتائج أكثر فعالية من الزجر في مادة الشيك، فإنه في ظل الواقع المغربي لا يمكن الأخذ بإلغاء التجريم بشكل تام للأسباب التالية: - من جهة يبقى الواقع الاقتصادي والاجتماعي المغربي مختلفا إلى حد كبير عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي للدول التي ألغت جرائم الشيك؛ ذلك أن هذه الدول سجلت تطوراً مهماً في ما يخص باقي وسائل الأداء، ولاسيما بطاقات الائتمان التي أصبحت في بعض هذه الدول تتقدم على الشيك في ترتيب لائحة وسائل الأداء، بينما مازال الشيك في المغرب يلعب دوراً حيوياً ومهماً في المعاملات بين التجار وحتى بين غير التجار. - ومن جهة أخرى، إلغاء تجريم الشيك بشكل تام من شأنه أن يخلق نوعاً من الاضطراب وعدم الثقة في التعامل بهذه الورقة التجارية، خاصة وأنه بقدر ما تعود الناس على اللجوء إلى الطريق الجنائي بخصوص الشيكات بدون رصيد، فإنهم يجهلون وجود الطريق المدني للمطالبة بحقوقهم، ومن ثم سيسود الاعتقاد لمدة ليست باليسيرة أن إلغاء التجريم يعني إلغاء أية قيمة قانونية ملزمة للشيك وإلغاء طرق المطالبة القضائية بقيمة الشيك، وهو ما سيجعل الناس يفقدون الثقة في التعامل بالشيك. ومع ذلك، فإن كثرة القضايا المعروضة على المحاكم بخصوص جرائم الشيك، فضلاً عن تردد غير التجار في التعامل بالشيك رغم توفرهم على المؤونة، نتيجة الخوف من تداول الشيك وتقديمه للوفاء في وقت تكون فيه المؤونة غير متوفرة أو غير كافية، يجعل خيار إلغاء التجريم من الخيارات التي لا يمكن إهمالها. لذلك، ومن أجل تفادي مشاكل الإلغاء التام والكلي لجرائم الشيك، وفي الوقت نفسه تخفيف العبء عن المحاكم وتشجيع غير التجار على التعامل بالشيك، خاصة في المعاملات البسيطة، فإن الخيار الأنسب هو الأخذ بالإلغاء الجزئي والمتدرج لجرائم الشيك، مع تدعيم ذلك بآليات الوقاية وبدائل المتابعات والعقوبات الجنائية، بالتنصيص على ما يلي: إلغاء جريمة الشيك بدون مؤونة بخصوص الشيكات ذات القيمة الزهيدة؛ بحيث لا تقوم جريمة عدم توفير مؤونة شيك إلا إذا تجاوز المبلغ سقفاً معيناً (10.000 درهم مثلاً). من مزايا هذا الخيار أنه من جهة يشكل إطاراً للاختبار والتجربة من أجل الوقوف على الآثار التي ستنجم عن إلغاء التجريم جزئيا؛ بحيث إذا كانت آثاراً إيجابياً أمكن تعميم إلغاء التجريم في وقت لاحق ليشمل جميع الشيكات مهما كانت قيمتها. ومن جهة أخرى، فإن هذا الحل سيخفف العبء بشكل كبير عن المحاكم والشرطة القضائية، باعتبار أن أغلب قضايا الشيكات تتعلق بمبالغ زهيدة لا تتعدى 10.000 درهم. التنصيص على تميكن الساحب من مهل لتسوية وضعية حسابه وتوفير المؤونة، مع ربط هذه المهل بجزاءات مالية ترتفع كلما طالت المدة الممنوحة، على غرار النهج الذي اتبعه المشرع الفرنسي والمشرع التونسي. تفعيل العدالة التصالحية في مادة الشيك بالتنصيص على مسطرة للوساطة تكون ملزمة للتجار في ما يتعلق بالمعاملات التجارية قبل تقديم شكاية من أجل عدم توفير مؤونة شيك (يتولى مسطرة الوساطة الإجبارية رئيس المحكمة التجارية مثلاً)، مع جعل جرائم الشيك مشمولة بمسطرة الصلح الجنائي المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية حتى وإن كانت العقوبة المنصوص عليها لا تدخل في نطاق مسطرة الصلح الجنائي. جعل العقوبة متناسبة مع الخطورة الاجرامية في جرائم الشيك؛ وذلك بالتدرج في العقوبات، من خلال إفراد عقوبة مخففة عندما تكون قيمة الشيك هزيلة، وتشديد العقاب في حالة سحب شيك بدون رصيد بقيمة كبيرة، أو في حالة تعدد الشيكات غير المتوفرة على المؤونة، أو في حالة العود. التنصيص على حفظ القضية بقوة القانون من طرف النيابة العامة في حالة أداء قيمة الشيك، ووقف الدعوى العمومية من طرف المحكمة في حالة الأداء بعد إجراء المتابعة، مع إلغاء المادة 325 من مدونة التجارة لأنها ستكون غير متناسبة مع هذا المقتضى في حالة التنصيص عليه. الإبقاء على بعض الجرائم حتى وإن تعلق الأمر بالشيكات ذات المبالغ الزهيدة التي لا تكون موضوعاً لجريمة عدم توفير مؤونة شيك؛ وذلك من أجل تدعيم آليات الوقاية وتفادي الاستعمال الاحتيالي للشيك، ومن ذلك الإبقاء على جرائم تزوير وتزييف الشيك، النصب باستعمال الشيك، سحب شيكات رغم وقوع الساحب تحت الحظر البنكي أو في حالة سحبه لشيكات على حساب مغلق مع علمه بذلك. مخاطر رفع التجريم عن شيك الضمان لا شك أن خيار تقنين الشيك المؤجل الدفع ورفع التجريم عنه يساير الممارسات التي اعتاد عليها التجار، غير أنه يؤدي مع ذلك إلى بعض النتائج ذات الانعكاس السلبي على مصداقية الشيك وعلى المعاملات التجارية ومستوى الاستبناك، وفق ما يلي: 1. تعطيل التعامل بالأوراق التجارية: من بين النتائج السلبية لتقنين التعامل بالشيك المؤجل الدفع ورفع التجريم عنه أن الشيك سيفقد طبيعته ويتحول من أداة وفاء واجبة الأداء بمجرد الاطلاع إلى أداة ائتمان، بل سيتحول إلى كمبيالة مدعومة بالجزاء الجنائي، باعتبار أن البيانات الواردة في الشيك المؤجل الدفع هي نفسها الواجبة في الكمبيالة، بما في ذلك تاريخ التقديم للوفاء، وهو ما يعني أن التجار سيقلعون عن التعامل بالكمبيالة والسند لأمر، وسيقتصرون على التعامل بالشيك المؤجل الدفع الذي يبقى شيكا في الظاهر ولكنه في الحقيقة كمبيالة مدعومة بالجزاء الجنائي، وهو ما سيجعلنا أمام وضع تتعطل فيه الكمبيالة، كما يتعطل فيه الشيك الناجز، ليقتصر التعامل على ورقة تجارية هجينة لا هي بشيك ولا هي بكمبيالة. 2. خلق سيولة وهمية: سيؤدي السماح بسحب شيكات مؤجلة الدفع إلى خلق سيولة وهمية، وفق ما أكدته محكمة النقض الفرنسية في إحدى قراراتها التي جاء فيها: "إن تعليق إبراء ذمة الساحب من الدين الذي عليه للمستفيد، على وقوع وفاء الشيك بالفعل، الذي أصدر وفاء لهذا الدين، من شأنه من جهة أن يحد من خلق وانتشار سيولة نقدية غير حقيقية بواسطة إصدار شيكات، ومن جهة أخرى أن يشجع الدائنين على الاطمئنان إلى هذه السيولة النقدية التي لا تؤدي إلى انقضاء الدين الأصلي إلا إذا كانت حقيقية وتمكن الدائن من ملامستها وقبضها". ولعل هذه هي الغاية التي جعلت فرنسا، وإن كانت قد ألغت معظم جرائم الشيك، تبقي على جريمة قبول تسلم أو تظهير شيك لم يعد له مقابل وفاء أو رصيد بعد إصداره متى كانت الغاية من ذلك المساس بحقوق الغير. 3. تقليص مستوى الاستبناك: يهدف المشرع من خلال تنظيم الشيك قانونا وحمايته بمقتضيات صرفية وأخرى جنائية إلى إعطائه قوة الإبراء الفوري؛ بحيث يقوم مقام النقود؛ وذلك من أجل تحقيق نتيجة أهم من ذلك وهي ربط معاملات الأفراد بالقطاع البنكي، أو ما يعرف بالاستبناك (la bancarisation) الذي لا يتعدى، بحسب تقرير بنك المغرب لسنة 2015، نسبة 68%؛ ذلك أن ارتفاع مستوى الاستبناك يعتبر مؤشرا إيجابيا على سلامة ودينامية الاقتصاد الوطني، غير أن السماح بسحب شيكات مؤجلة الدفع من شأنه أن يفرغ الشيك من قيمته كأداة إبراء فوري ويجعل المعاملات البنكية معاملات بطيئة، مادام أن الشيك سيتحول من ورقة وجدت لتنتقل بسرعة بين المتعاملين إلى ورقة شبيهة بالكمبيالة والسند لأمر يحتفظ بها التجار في مكاتبهم لإثبات ديونهم. 4. تفاقم ظاهرة الشيكات بدون مؤونة: بالرغم من تزايد عدد الشيكات بدون مؤونة سنة بعد أخرى، فإن المتعاملين بالشيك يحرصون مع ذلك على عدم سحب الشيك إلا إذا كانت لديهم سيولة كافية للوفاء، وتبقى الحالات التي تصل إلى المحاكم مجرد استثناءات تؤكد القاعدة العامة، غير أن السماح بسحب شيكات الضمان أو شيكات مؤجلة الدفع سيجعل المتعامل بالشيك يقدم على إصداره دون أن يكون متأكدا من توفر المؤونة في التاريخ المتفق عليه كتاريخ للوفاء، وهو ما سيؤدي حتما إلى تفاقم ظاهرة الشيك بدون مؤونة. وتجدر الإشارة إلى أن بنك المغرب سبق وأن سجل في تقريره لسنة 2011 ارتفاع عدد الكمبيالات غير المؤداة في تاريخ التقديم للوفاء، واقترح تجريم عدم الوفاء بمبلغ الكمبيالة على غرار تجريم عدم توفير مؤونة الشيك، ورغم أن تجريم الكمبيالة يتعارض مع طبيعتها كأداة ائتمان ولا تأخذ به معظم التشريعات، فإن هذه التوصية الصادرة عن بنك المغرب، باعتباره من المؤسسات المهمة في ما يتعلق بتسطير السياسية النقدية والمالية للدولة، تؤكد أن رفع التجريم عن شيك الضمان لا يساير خيارات السلطات المالية ببلادنا. ختاما، لا بد من التأكيد على أن النقاش فتح في مناسبات عدة بشأن إمكانية إلغاء جرائم الشيك، بالنظر إلى طبيعته كورقة تجارية، ومسايرة للفلسفة القائمة على تقليص نطاق الزجر في مجال التجارة وعالم المال والأعمال، دون أن تتبلور رؤية واضحة بهذا الشأن. كما أن قضايا جرائم الشيك ما فتئت تتزايد سنة بعد أخرى على نحو يثقل كاهل العدالة الجنائية، وهو ما يقتضي التفكير في اعتماد حلول بديلة للدعوى العمومية، غير أن أي خيار بهذا الخصوص يقتضي استحضار البيئة الاقتصادية والاجتماعية لبلادنا، ومراعاة التدرج بشأن إلغاء التجريم، مع وضع ضمانات موازية للوقاية والحفاظ على الثقة في التعامل بالشيك كورقة تجارية لا زالت من وسائل الأداء المهمة بالمغرب. *دكتور في الحقوق