العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    الرجاء الرياضي ينهزم أمام ضيفه الجيش الملكي (0-2)    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    الأمن يحجز حيوانات معروضة للبيع    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    طلب إحضار إسكوبار الصحراء ولطيفة رأفت.. هذا ما قررته المحكمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جريمة انعدام المؤونة وعدم كفايتها بين النص القانوني والعمل القضائي

ورد في المادة 316 من مدونة التجارة المنظمة بمقتضى القانون رقم 15.95 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 المؤرخ في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) ما يلي: «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 2000 و10000 درهم، دون أن تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك أو من الخصاص:
1 ساحب الشيك الذي أغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه....».
ورغم وجاهة رأي جانب من الفقه بشأن صياغة الفقرة الأولى من المادة المذكورة، من كون ترجمة النص العربي لم تكن دقيقة، على اعتبار أن النص الفرنسي جاء على الشكل التالي:
ورد في المادة 316 من مدونة التجارة المنظمة بمقتضى القانون رقم 15.95 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.96.83 المؤرخ في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) ما يلي: «يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة تتراوح بين 2000 و10000 درهم، دون أن تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك أو من الخصاص:
1 ساحب الشيك الذي أغفل أو لم يقم بتوفير مؤونة الشيك قصد أدائه عند تقديمه....».
ورغم وجاهة رأي جانب من الفقه بشأن صياغة الفقرة الأولى من المادة المذكورة، من كون ترجمة النص العربي لم تكن دقيقة، على اعتبار أن النص الفرنسي جاء على الشكل التالي:
« la tireur d'un chèque qui omet de maintenir ou de constituer la provision du chèque en vue de son paiement à la présentation »
وأن ترجمته السليمة هي التالية «ساحب الشيك الذي أغفل الحفاظ على المؤونة أو تكوينها قصد أداء الشيك عند تقديمه»
فإنه بقراءة المادة 316 من مدونة التجارة في فقرتها الأولي، والواجبة التطبيق مند تاريخ 03/10/1997 يتضح أن المشرع المغربي قد ميز بين جريمة انعدام المؤونة أو عدم توفير المؤونة عند تقديم الشيك لدى البنك المسحوب عليه قصد وفائه، وبين جريمة عدم كفاية المؤونة عند التقديم للوفاء.
وبغض النظر عن كون الجريمتين أصبحتا من الجرائم المادية التي لم يعد يتطلب فيهما توافر القصد الجنائي كما كان بالنسبة لمقتضيات الفصل 543 من مجموعة القانون الجنائي، وإنما يعاقب عليهما لمجرد إغفال الساحب توفير المؤونة الكافية لأداء قيمة الشيك عند تاريخ تقديمه للوفاء، وليس من تاريخ إصدار الشيك.
فجريمة انعدام المؤونة أو عدم كفايتها تتبتان من خلال شهادة عدم الوفاء أو رفض الوفاء بالشيك المسلمة من طرف البنك المسحوب عليه طبقا للفقرة الأولى من المادة 309 من مدونة التجارة التي جاء فيها «كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك مسحوب عليها ملزمة بتسليم الحامل أو وكيله شهادة رفض الأداء تحدد بياناتها من طرف بنك المغرب»
وغني عن البيان أن تلك البيانات محددة من طرف بنك المغرب في الدورية عدد 5-G-97 المؤرخة في 18/09/1997، ومايهمنا منها هي تلك البيانات المتعلقة بأسباب رفض الوفاء بالشيك والمذكورة على سبيل الاستئناس في المادة 02 من الدورية المشار إليها، ومنها سببين هما: عدم توفير المؤونة أو انعدامها.
Défaut de la provision ou Absence de provision
وعدم كفاية المؤونة:
Insuffisance de la provision
فجريمة انعدام المؤونة أو عدم توفيرها تقوم بمجرد تقديم الشيك الموقع من طرف الساحب من لدن حامله لدى البنك المسحوب عليه قصد وفائه وإرجاعه له بملاحظة انعدام المؤونة Absence de provision، وهي الجنحة التي يعاقب عليها القانون بغرامة تتراوح بين 2000 درهم كحد أدنى و10000 درهم كحد أقصى دون أن تقل قيمتها عن خمسة وعشرين في المائة من مبلغ الشيك وقد أثيرت العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت نسبة 25% من قيمة الشيك تعتبر حدا أقصى لا يمكن تجاوزه أم أنه حد أدنى؟ وبالتالي يمكن للمحكمة أن تحكم بنسبة أعلى. وفي هذا الصدد أثارنا تعليق لأستاذنا عبد اللطيف هداية الله عن الغرامة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 316 من مدونة التجارة لما اعتبر أن الفقرة المذكورة حددت حدين للغرامة، حد أدنى وحد أقصى، فالحد الأدنى هو 2000 درهم، فلا يمكن بحال من الأحوال أن تقل الغرامة عن 2000 درهم ولو كانت قيمة الشيك أقل من هذا المبلغ، غير أنه في الشيكات التي تزيد نسبة 25% منها على 2000 درهم، يكون الحد الأدنى للغرامة فيها هو تلك النسبة أي 25%، أما بخصوص الحد الأقصى فالفقرة الأولى تضع حدين أقصيين، حد أقصى أول وهو 10000 درهم وحد أقصى ثاني وهو 25% من قيمة الشيك أو الخصاص وذلك حسب القيمة التي يحملها الشيك، مضيفا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتجاوز الغرامة نسبة 25% من قيمة الشيك إلا إذا كانت هذه النسبة تقل عن 10000 درهم إذ في هذه الحالة فقط يمكن أن تتجاوز الغرامة 25% من قيمة الشيك، لكن إلى حدود 10000 درهم دون تجاوزها مؤكدا أن العبارة التي أوردها المشرع في الفقرة الأولى من المادة 316 من مدونة التجارة «...دون أن تقل قيمتها عن 25%» لا تعني أنه يمكن تجاوز هذه النسبة لكون المادة المذكورة حددت حدي الغرامة الأدنى والأقصى ولا يجوز الخروج عنهما لا بالنقص ولا بالزيادة والقول بخلاف ذلك فيه إفراغ للفقرة من محتواها ونسبة 25% المحددة أراد من خلالها المشرع لاحتفاظ للغرامة بفعاليتها ووظيفتها الزجرية كما أن المشرع لا يريد الرجوع إلى ما كان عليه الأمر في ظهير الشيك لسنة 1939 الملغى الذي كان ينص في المادة 70 منه على أن لا تقل الغرامة عن مبلغ الشيك أو الخصاص مما كان يطرح عدة مشاكل منها تعجيز المحكوم عليه عن تفنيذ الحكم لاستحالة ذلك واقعيا.
ولعل هذا الرأي هو المعمول به عمليا في مختلف المحاكم المغربية لوجاهة الأسانيد التي اعتمدها.
أما جريمة عدم كفاية مؤونة شيك قصد أدائه عند تقديمه فهي تثبت بشهادة عدم الوفاء التي تشير إلى كون الرصيد غير كاف
Insuffisance de provision
وهذه الملاحظة تختلف عن ملاحظة انعدام المؤونة Absence de provision
والعقوبة تتحدد بالنسبة لهذه الجريمة انطلاقا من مبلغ الخصاص، وليس انطلاقا من مبلغ الشيك ككل، أي أن الحدين الأدنى والأقصى للغرامة ينبغي أن لا يقلان عن 2000 درهم كحد أدنى و 10000 درهم كحد أقصى على أن لا تقل الغرامة في جميع الأحوال عن 25% من مبلغ الخصاص.
وتجدر الإشارة هنا أن المادة 273 من مدونة التجارة تلزم المؤسسة البنكية المسحوب عليها إذا كانت المؤونة أقل من مبلغ الشيك بأن تعرض أداء الشيك في حدود المؤونة المتوفرة، وأنه لا يجوز للحامل أن يرفض الوفاء الجزئي وأن كل مؤسسة بنكية ترفض وفاء شيك سحب على صناديقها سحبا صحيحا وكانت لديها مؤونة ودون أن يكون هناك أي تعرض، تعتبر مسؤولة عن الضرر الحاصل للساحب عن عدم تنفيذ أمره والمساس بائتمانه بل إن هذا الأمر معاقب عليه بغرامة تتراوح بين 5000 و 50000 درهم طبقا للمادة 319 من مدونة التجارة.
هذا ما يمكن أن يلاحظ عن جريمتي انعدام المؤونة وعدم كفايتها والإختلاف الواضح بينهما سواء من حيث العناصر التكوينية لهما وخاصة عنصر المؤونة أو من حيث العقوبة المخصصة لكل منهما من طرف المشرع.
ثانيا: الجانب العملي:
يستحسن قراءة النص القانوني أكثر من مرة بطريقة متأنية ودون عجلة، ذلك لأن المشرع – كما أوردنا في الجانب النظري من المقال – يستعمل عبارات ومفردات دقيقة وذكية، وقراءتها لمرة واحدة قد تؤدي إلى سوء فهم النص وتحديد القواعد القانونية مما ينعكس سلبا على تحليل النص وتقويمه
وخاصة البنية اللغوية حيث يتم تحديد العبارات والمصطلحات والتي لها أهمية خاصة في فهم النص وقراءته وتحديد المفاهيم التي تطرح بعض الإشكاليات كذلك التي تحمل معاني مختلفة والوقوف على طبيعة العبارات المستعملة والتي تفيد إما الأمر أو الاختيار
إلا أنه من الناحية العملية يلاحظ ما يلي:
في الغالب الأعم عند تقديم شيك لدى البنك المسحوب عليه وعند عدم أدائه يرجع للمستفيد منه بملاحظة: Défaut ou Insuffisance de provision أي انعدام المؤونة أو عدم كفايتها.
وفي هذه الشهادة تناقض واضح وصارخ، ذلك أن البنك المسحوب عليه لا يوضح بشكل جلي سبب رفض الوفاء بالشيك، كما تنص على ذلك المادة 309 من مدونة التجارة وكذا المادة 2 من دورية بنك المغرب عدد 5-G-97 وتاريخ 18/09/1997 لأن هناك فرق بين السبب المتمثل في انعدام المؤونة والعقوبة المخصصه له وخاصة إذا كانت قيمة الشيك مرتفعة وبين السبب المتمثل في عدم كفاية المؤونة، والتي تحدد الغرامة المخصصة المبنية على السبب انطلاقا من مبلغ الخصاص. فشهادة رفض الوفاء التي تتضمن سببين متناقضين لا يمكن بأي حال اعتمادها، لما في ذلك من تعارض وتناقض غير مبرر، فإما أن يكون الشيك غير مغطى 100% وهنا نكون أمام جنحة انعدام المؤونة، ويتعين أن تحمل شهادة رفض الوفاء عبارة واضحة وهي Défaut de la provision أي انعدام المؤونة.
أو عبارة Absence de provision أي غياب المؤونة وذلك بشكل لا لبس فيه، أما إذا كانت المؤونة غير كافية لتغطية قيمة الشيك فيتعين أن تحمل شهادة رفض الوفاء عبارة Insuffisance de provision أي عدم كفاية المؤونة مع بيان قيمة الخصاص لأنه انطلاقا من هذا المبلغ تتحدد المتابعة التي ينبغي تحريكها في حق الساحب، كما تتحدد العقوبة انطلاقا من هذا الخصاص، ولكن الأبناك تتفادى ذكر قيمة الخصاص حتى بالنسبة للشواهد التي تحمل عبارة عدم كفاية المؤونة، وهذا الأمر فضلا عما فيه من مخالفة للمقتضيات الزجرية الواردة بمدونة التجارة، من شأنه أن تترتب عنه أثار قانونية في غاية من الخطورة على حسن سير العدالة، ذلك أن أغلب النيابات العامة تقوم بتحريك المتابعة ضد الساحب دون أن تتأكد من سبب عدم أداء قيمة الشيك وهل هو انعدام المؤونة أم عدم كفايتها وفي هذه الحالة الأخيرة ما هو مبلغ الخصاص؟ كما أنه عند إحالة الملف على المحكمة كثيرا ما يتم إصدار أحكام دون التأكد مما إذا كانت الجنحة موضوع المتابعة تتعلق بانعدام المؤونة أم بعدم كفايتها، ويتم الحكم بعقوبات على أساس انعدام المؤونة رغم كون شواهد رفض الأداء تحمل عبارتين متعارضتين: Défaut ou Insuffisance de provision ومعلوم أن ما احتمل واحتمل يسقط به الاستدلال، كما أنه حتى بالنسبة للحالة التي تكون فيها شهادة رفض الأداء تتضمن ملاحظة
«Insuffisance de provision» أي عدم كفايتها، فإن هذه الشهادة تخلو من بيان مبلغ الخصاص الذي على أساسه يتم تحديد العقوبة، وخاصة الغرامة، وأن القول بخلاف ذلك، وإصدار أحكام تسوي بين حالة انعدام المؤونة وعدم كفايتها اعتمادا على شواهد لرفض الأداء تتضمن بيانات متناقصة يعرض (بضم الياء) هذه الأحكام لبطلان تطبيقا للمادتين 370 و 534 من قانون المسطرة الجنائية.
فقد ورد في المادة 370 ما يلي: «تبطل الأحكام أو القرارات أو الأوامر ... 3- إذا لم تكن معللة أو إذا كانت تحتوي على تعليلات متناقضة ...»
كما ورد في المادة 534 ما يلي: «يجب أن يرتكز الطعن بالنقض في الأوامر أو القرارات أو الأحكام القابلة للطعن بالنقض على أحد الأسباب الآتية: 4- الخرق الجوهري للقانون – 5 – انعدام الأساس القانوني أو انعدام التعليل».
وغني عن البيان أن نقصان التعليل يوازي انعدامه، كما أن عدم التمييز بين جريمة انعدام مؤونة شيك وعدم كفايتها وتطبيق نفس العقوبة عليهما معا رغم الاختلاف البين بينهما يشكل خرقا جوهريا للقانون المطبق على موضوع الجنحتين، كما أن الأمر فيه مساس بالمحاكمة العادلة المنصوص عليها دستوريا وفي جميع المواثيق والأعراف الدولية، علما أن حسن تطبيق القانون هو الذي يحقق الأمن القضائي الذي يبقى الغاية المنشودة لدى جميع المتقاضين، هذا فضلا عن كون خرق القانون المطبق على الموضوع بشكل مفهوم المادة 97 من مشروع قانون النظام الأساس لرجال القضاء رقم 106.13 خطأ جسيما يرتب جراءات تأديبية جد خطيرة.
ثالثا: الاقتراحات:
وتفاديا للمشاكل المشار إليها سابقا من خلال تطبيق مقتضيات المادة 316 من مدونة التجارة في شقها المتعلق بجريمتي انعدام المؤونة وعدم كفايتها نقترح ما يلي:
1 عند تقديم شكاية من المستفيد من شيك أو شيكات لدى النيابة العامة سواء بواسطة المستفيد نفسه أو بواسطة نائبه، يتعين أن يتم التحقق من شهادة رفض الأداء، بحيث تكون واضحة لا لبس فيها، فإذا كانت قيمة الشيك أو المؤونة منعدمة لدى البنك المسحوب عليه، ينبغي أن تحمل شهادة رفض الأداء ملاحظة انعدام المؤونة Défaut de la provision أو عبارة Absence de provision لا أن تحمل العبارة المعتادة استعمالها من طرف الأبناك وهي: Défaut ou insuffisance de provision فهذه الشهادة لا يمكن قبولها ولا تصلح لإثبات الجريمة موضوع الشكاية لكونها تحمل بيانات متناقضة.
أما إذا كانت شهادة رفض الأداء تتضمن عبارة Insuffisance de provision أي عدم كفاية المؤونة، فينبغي لزاما أن تتضمن شهادة رفض الأداء مبلغ الخصاص أي الرصيد الناقص لترتيب الأثر القانوني على ذلك، وإلا تعين إرجاعها للمستفيد قصد استكمال البيانات الناقصة طبقا للمادة 2 من دورية بنك المغرب السابق ذكرها مع الإشارة أنه لا يمكن للمؤسسة البنكية رفض بيان مبلغ الخصاص تحت دريعة كون عدم الكشف عن الرصيد الناقص يدخل في إطار الحفاظ على السر المهني، لأن القانون يلزم من جهة البنك المسحوب عليه بعرض الأداء الجزئي على الحامل للشيك أي المستفيد، القانون ومن جهة أخرى يعاقب الساحب انطلاقا من مبلغ الخصاص في حالة جنحة عدم كفاية المؤونة، علما أن الأمر لا علاقة له بالسر المهني لكون الساحب قد ارتكب فعلا مجرما ولا يمكنه أن يحتج بخرق السر المهني من طرف البنك المسحوب عليه، بل إن من مصلحته الكشف عن الرصيد المتوفر وتحديد مبلغ الخصاص وأن ما يعزز هذا الطرح هو ما ورد في المادة 325 من مدونة التجارة من كون الساحب إذا قام بتكوين أو إتمام المؤونة خلال أجل عشرين يوما من تاريخ التقديم، جاز تخفيض عقوبة الحبس أو إسقاطها بالنسبة إليه أو بالنسبة لكل مساهم أو مشارك. إذ كيف لساحب شيك أن يستطيع إتمام المؤونة إذا لم يكن يعلم مبلغ الخصاص الواجب تكوينه أو إتمامه حتى يستفيد من تخفيض العقوبة الحبسية أو إسقاطها من طرف المحكمة المختصة؟
كما أنه عند تحريك المتابعة من طرف النيابة العامة يجب أن يتم التمييز بين حالة انعدام المؤونة وعدم كفايتها، ففي الحالة الأولى ينبغي متابعة الساحب بجنحة انعدام مؤونة شيك أو شيكات قصد الأداء عند التقديم، وفي الحالة الثانية يتعين متابعة الساحب بجنحة عدم كفاية مؤونة شيك أو شيكات قصد الأداء عند التقديم وإذا كانت هناك شيكات أرجعت بملاحظة عدم كفاية المؤونة وأخرى أرجعت بملاحظة انعدام المؤونة يتعين متابعة الساحب بحسب الأحوال بجنحتي انعدام مؤونة شيك أو شيكات وعدم كفاية مؤونة شيك أو شيكات قصد الأداء عند التقديم طبقا للمادة 316 من مدونة التجارة والكل بطبيعة الحال استنادا إلى شهادة أو شواهد رفض الأداء، مع الإشارة إلى أنه قد تكون هناك أسباب أخرى لعدم الأداء كملاحظة: حساب مقفل أو عدم مطابقة التوقيع أو غياب التوقيع الثاني عندما يكون ضروريا إلى غير ذلك من الأسباب.
2 عند المطالبة بإجراء تحقيق، يتعين على السيد قاضي التحقيق المختص أن يتأكد من نوع الجريمة موضوع التحقيق، وهل يتعلق الأمر بجنحة انعدام المؤونة أم بجنحة عدم كفايتها من خلال شواهد رفض الأداء، وإذا استدعى الأمر تكليف المستفيد من الشيك بالإدلاء بشهادة تفيد تحديد مبلغ الخصاص في حالة عدم كفاية المؤونة أو توضيح اللبس في حالة الإدلاء بشهادة تحمل بيانين أو سببين مختلفين مثال: Défaut ou Insuffisance de provision وقد يستدعي ممثل البنك المسحوب عليه لاستجلاء الغموض، وقد يأمر بإجراء خبرة قضائية لتحديد ما إذا كان الساحب وقت تقديم الشيك أو الشيكات لدى البنك المسحوب عليه لا يتوفر على مؤونة أو يتوفر على مؤونة غير كافية وما هو مبلغ الخصاص؟
3 عند تحريك المتابعة وإحالة الملف على المحكمة المختصة طبقا للمادة 384 من قانون المسطرة الجنائية، فإن المحكمة وفي سبيل الوصول للحقيقة تتوفر على كافة الوسائل القانونية لتحقيق ذلك، فقد تأمر بإجراء بحث تكميلي، كما يمكنها أن تأمر بإجراء خبرة قضائية على حساب الساحب لدى البنك المسحوب عليه لتحديد المؤونة بالضبط وهل يتعلق الأمر بمؤونة منعدمة أم غير كافية وبيان مبلغ الخصاص لترتيب الأثر القانوني على ذلك تحقيقا للعدالة وللمحاكمة العادلة بمفهومها الكوني.
زبدة القول:
الغريب في الأمر لا على مستوى العمل القضائي، سواء من خلال محاكم الموضوع الابتدائية والاستئنافية، أو على مستوى محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا) لم يسبق إثارة هذا الإشكال من قبل الباحثين والمهتمين أو حتى من هيئات الدفاع ولو على شكل دفوعات موضوعية أمام محاكم المملكة، وهذا ما جعلنا نضع الأصبع على مكامل النقص.
فالمنفعة هي أساس الحق في العقاب، لذا كان لزاما ألا تتعسف المحكمة في تقرير العقوبة بحيث تتجاوز مقدار الضرر الناشئ عن الجريمة، وعلى القضاة وأعضاء النيابة العامة استيعاب أحكام ومقاصد تجريم الشيك بغية السهر على تنفيذها وتحقيق مراميها بشكل صحيح.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.