ما يحدث داخل حزب العدالة والتنمية، منذ إعفاء السيد بنكيران وتكليف السيد العثماني بتشكيل الحكومة، يمكن تلخيصه في كلمتين، خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان، "السقوط الحر". لا أحاول التدخل في الشؤون الداخلية لحزبهم، ولكن ما أطرحه من أفكار هو فقط قراءة بسيطة في المؤشرات التي نلتقطها خارج الحزب. وما خفي كان أعظم ! اتهامات واتهامات مضادة بين القيادات، تخوين للعثماني ووزراء الحزب، حرب بيانات وتوضيحات ... كل ما يصدر اليوم عن التنظيمات الموازية للحزب يؤكد أن "الطنجرة" انفجرت، وتحطمت أسطورة الحزب المنظم والمسيَّر بيد من حديد. آخر المؤشرات هي القادمة من مدينة الجديدة حيث أجريت بالأمس الانتخابات الجزئية لملء مقعد فارغ بمجلس النواب. حزب العدالة والتنمية حصل على 7 آلاف صوت وحصل حزب الاتحاد الدستوري على 24 ألف صوت ليسترجع بذلك مقعده. حزب العدالة والتنمية كان قد حصل في الانتخابات الأخيرة، في الدائرة نفسها، على 22 ألف صوت. أين اختفت 15 ألف صوت؟ وهل من العادي أن يفقد أي حزب 15 ألف صوت في ظرف ستة أشهر؟ هناك احتمالان: إما أن الحزب لم يحصل على تلك الأصوات في الانتخابات الأخيرة (وهذا غير وارد)، وإما أن الحزب يعيش سقوطا حرا. لكن الأكيد هو أن حزب العدالة والتنمية يعود اليوم إلى حجمه الطبيعي بعد أن استنزف جميع الشعارات المدغدغة للمشاعر، وبعد أن اكتشف المغاربة خلال خمس سنوات حجم الهوة بين ما يُقال وبين ما يُفعل. الحجم العادي لحزب العدالة والتنمية هو 40 أو 50 مقعدا على الأكثر، فقط لأنهم يملكون قاعدة كبيرة من المريدين الذين يصوتون على الحزب/ الحركة بطريقة عمياء. أما تقديم البرامج والمساءلة فلم يكونا يوما ضمن أبجديات الحركات/الأحزاب الإسلامية التي تتغذى وتكبر بمبدأ "السمع والطاعة". السقوط الحر الذي يعيشه الحزب اليوم سببه الرئيسي هو بداية استخدام المريدين لعقولهم، بعد أن استفزهم خبر عزل الفقيه واستبداله بفقيه آخر لا يتقن استعمال المخدر نفسه الذي ألفه المريدون. ولأول مرة، اكتشف المريدون بأن الكرسي، عند قياداتهم، أهم من المبادئ (إن وجدت أصلا). ولأول مرة بدأ المريدون يكتشفون بأنهم استُعمِلوا كوقود في معارك معظمها لا تعنيهم، ولا يستفيد منها سوى القيادات التي استبدلت اليوم السيارات المتهالكة بأخرى جديدة والجلابيب البالية بماركات عالمية والوجوه البائسة بأخرى تظهر عليها آثار النعمة. فيما بقي المريدون مكانهم، يرددون الشعارات نفسها، يجترون العبارات نفسها، وينتظرون "النصر والتمكين".